سجن ولاته حيث سجن المختار ولد داداه أول رئيس لموريتانيا

إنه خراب لا أبواب به ولا نوافذ، وجدرانه متصدعة متهاوية ووسخة إلى أبعد الحدود. أما الأرضية فمشققة يكسوها الحصى والغبار. ولم يكن السقف أحسن حالا،

فهو مغطى بصفائح عتيقة من الزنك تتراقص باستمرار تحت تأثير هبوب الرياح المطرد محدثة صوتا مزعجا ومثيرا إلى حدٍ يُصم السامع أحيانا. وفى كل جهة من هذا المكان تعشعش أنواع من طيور الدوري”.

هكذا يصف أول رئيس لموريتانيا الأستاذ المختار ولد داده سجن ولاته الذي أمضى فيها 15 شهرا بعيد الانقلاب في العاشر يوليو، ونقل إلى سجن ولاته (1300 كلم من العاصمة انواكشوط) يوم 15 يوليو وحتى 03 أكتوبر 1979.

33 سنة مضت على تاريخ خروج الرئيس المختار ولد داداه من سجن ولاته، وما زالت زنزاته بنفس المواصفات تقريبا، ورغم ازدياد الخراب في أجزاء من القعلة / السجن المطلة على مدينة ولاته من أعلى هضبتها الشرقية فإن زنزانته التي كتب عليها أنها الزنزانة التي سجن فيها الرئيس المختار من أكثرها احتفاظا بشكلها العام، تحكي قصص معتقلين كثر مروا منها بعضهم شارك القراء ذكرياته وآخرين قضت ذكرياتهم في رحاب المدينة التاريخية أو احتفظوا بها في انتظار أن تحين ساعة كشفها.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

“كاميرا” الأخبار تجولت في السجن الشهير، والذي اتجهت إليه الأنظار خلال محطتين من تاريخ البلاد أولاهما مع الرئيس المختار ولد داداه، والثانية مع السجناء الزنوج في النصف الثاني من عقد الثمانينات من القرن الماضي.

اختار أول حكام عسكريين لموريتانيا زنزانة معتمة، في قلعة خربة، في منطقة نائية لعزل الرئيس الذي انقلبوا عليه، فتم إرساله بعد خمسة أيام من إسقاط إلى مدينة ولاته التاريخية، عبر العيون فالنعمة، بطائرة صغيرة، ومن النعمة إلى ولاته عبر سيارة عسكرية.

تحكي الزنزانة كل التفاصيل رغم تقادمها، فالبيوت التي يصفها المختار باقية كما هي، والجدار الذي أقيم بعد وصوله لفصل الزنازين الأخيرة في السجن عن الزنازين التي توجد قرب الباب الرئيسي قائم، والطيور الساكنة في الزنازين باقية تهرب أمام كل داخل، لكنها تعود خلال لحظات.

أما ما تغيير مما وصفه الرئيس ولد داداه في مذكراته فهو صالة الاستقبال وكذا الخباء الذي أقيم لإقامته فترة الصيف وارتفاع درجات الحرارة، لكن لعل وصول ضيوف جدد للزنازين استعدى إعادة بنائها بشكل جديد.

عادت القلعة إلى الإهمال بعد فترة عناية حولت فيها إلى أحد أشهر السجون والمنافي السياسية في البلاد، فالقلعة التي أسسها المستعمر الفرنسي في خمسينيات القرن الماضي، كانت على موعد مع الإهمال مع مغادرة المستعمر للبلاد، وبعد ثمانية عشر عاما احتاجت لترميم وإعادة بناء لتستضيف أول رئيس للبلاد لمدة 15 شهرا.

الأهداف الأمنية في القعلة واضحة جلية، فالواقف أمامها أو فوقها يتمكن بسهولة من مراقبة المدينة التاريخة التي توجد في سفح الهضبة، كما أن بإمكانه متابعة العديد من مصادر المياه خصوصا البئر الشهير الذي يوجد بين القلعة والمدينة، وبمراقبة المدينة ومصدر المياه يسهل إحكام السيطرة على المنطقة.

نوعية بناء القلعة تعكس هي الأخرى الأهداف التي أقيمت من أجلها، فالحائط سميك ومبني من الحجارة الصلبة، وتم اختيار سقفه من الزنك السميك، وفوقه تم تثبيت شباك خشبي منعا لهروب أي سجين أو محتجز داخل القلعة، أو تسلل معاد من خارجها.

جدران الزنازين تحكي الكثير من التفاصيل، وتكتنز في واجهاتها الكثير من ذكريات النزلاء وحتى السجانين، فالخواطر والأرقام تغطي مساحات واسعة من مساحة السجن المطل على المدينة التاريخية.

تطوف الخواطر من هواجس الخوف إلا أحلام المستقبل، ومن يوميات المساجين إلى نكات أفراد الحرس والعساكر الذي تبادلوا على العمل أثناء في القلعة طيلة العقود الماضية.

  • إيثار للصمت

سكان مدينة ولاته يفضلون تحاشي الحديث في ملف المعتقلين،و وإن كان بعضهم لا يخفي عدم رضاه مما “تلويث” سمعة المدينة طيلة العقود الماضية، وربطها لفترة طويلة بالسجون السياسية والمنافي.

إيثار الصمت والتكتم على التفاصيل ترتفع وتيرتها لدى الكبار ممن عايشوا الاستعمار والفترات الأولى للدولة المدنية، فيما يتجرأ بعض الشباب على الحديث عن بعض مشاهداتهم إبان اعتقالات الزنوج 1986، وخصوصا مشهد نزول السجناء لاستجلاب مياه الشرب في سفح الهضبة التي يوجد أعلاه السجن.

ويستعيد أحد الشباب مشهدا طالما تكرر أمام ناظريه خلال الأعوام الأخيرة من العام 1986 لعدد من السجناء المربوطين في سلاسل حديدية وهم يرصفون في سلاسلهم باتجاه البئر، ويعودون يحلمون مياه الشرب لسجنهم أعلى الهضبة.

نقلا عن الأخبار

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى