بعد سياسة الكرسي الفارغ التي ظل المغرب ينتهجها منذ مدة داخل منظومة الاتحاد الإفريقي ردا على اعتراف الأخير بجبهة البوليساريو المطالبة باستقلال الأراضي الصحراوية ، هاهو المغرب يقترب أكثر من دول القارة الإفريقية ـ خاصة الغربية منها ـ مستخدما الغطاء الاقتصادي كمدخل لتعميق الروابط الاقتصادية والسياسية مع شعوب ودول القارة .
لقد مثلت بداية الألفية الثالثة منطلقا لهذا التحرك من خلال الاستثمار الخارجي الذي دشنه المغرب بقطاع الاتصالات الموريتاني عن طريق استحواذ”شركة اتصالات المغرب” على نسبة كبيرة من رأس مال الشركة الموريتانية للاتصالات المخصخصة في ذلك الوقت،وهو الاستثمار الذي عرف نجاحا كبيرا حصد منه المغرب عائدات وأرباح مالية ضخمة على مدى سنوات العقد الأخير، بل شجعه ذلك أيضا على التوسع في نفس القطاع بعدة بلدان مجاورة لموريتانيا كالسوق المالية مثلا وغيرها، ولطالما شكلت هذه الأسواق سندا منيعا للشركة الأم” اتصالات المغرب” في أوقات الأزمات حين ظلت تمدها بالأرباح معوضة عنها ثقل الخسائر وتراجع النشاط في المغرب إبان الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم منذ العام 2009 .
ويمكن القول إن السنوات الثلاث الأخيرة شكلت هي الأخرى منعطفا جديدا في العلاقات المغربية الإفريقية من خلال المستوى الرفيع لتبادل الزيارات بين الرباط وعواصم هذه البلدان وبالخصوص:مالي، السنغال، ساحل العاج والغابون ، ما أسفر عنه إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية شملت مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية ذات الأهمية البالغة بدء من قطاع النقل مرورا بالبنوك ثم السكن والفلاحة وغيرها .
وقد شكلت زيارة العاهل المغربي الثانية ـ في أقل من سنة ـ لجمهورية مالي ومن بعدها دولة ساحل العاج وغينيا والغابون منحا متسارعا في هذه العلاقة جسده الحضور الفعلي لشركات مغربية كبرى فاعلة في مجالات الإسكان والبنوك مثل: شركة الضحى ، أليا نس، التجاري وفا بنك والبنك الشعبي المغربي ضخت استثمارات جديدة استهدفت قطاع السكن الاقتصادي وصناعة الاسمنت والصيد البحري في ساحل العاج ثم التنمية الحيوانية والإعلام والشؤون الإسلامية في جمهورية مالي على سبيل المثال لا الحصر، مما يعني أن المغرب يحاول جاهدا الاستفادة من فرص النمو الواعدة للسوق الإفريقية، ولم لا استثمار ذلك سياسيا فيما بعد في صراعه مع جبهة البوليساريو.
يأتي هذا التحرك الاقتصادي ،السياسي للمملكة المغربية في وقت نسيت فيه أو تناست دول أخرى مجاورة كالجزائر وموريتانيا مثلا عملية اقتناص هذه الفرص لتوظيفها، إذ رغم أن حضور التجار الموريتانيين في إفريقيا كان ولا يزال مكثفا منذ أمد بعيد، لكن عدم استثمار الدولة لهذا العامل سياسيا ثم اقتصار أنشطة هؤلاء التجار على العمليات التجارية التقليدية ـ تجارة التقسيط ـ نظرا لغياب مفهوم الاستثمارات لديهم ـ أقصد هنا الاستثمارات التي تخلق فرص عمل بالبلد المضيف لتقترب أكثر من المواطنين ـ كلها عوامل تجعل الدولة الموريتانية لا تزال بعيدة عن لعب أدوار سياسية واقتصادية كبرى في محيطها الإقليمي من أجل استغلال ذلك على الساحة الدولية و في وجه المعادين والمتطاولين عليها في وقت يتسابق فيه آخرون من أجل إيجاد موطئ قدم بين جيرانها .