إن خيار المرشح محمد ولد عبد العزيز أن يدشن حملته الرئاسية لمأمورية ثانية من مدينة كيهيدي عاصمة ولاية كوركول، حركة رمزية ذات أبعاد دلالية عميقة، ما فتئت تشع في الوجدان الوطني، فلا شك أن الرئيس “عزيز” يعي أهمية وضرورة تعزيز وحدة الوطن وتنميتها ــ خصوصا وأن العالم يشهد الكثير من الحروب والتشرذمات الأهلية والعرقية ــ غير أن هذا ليس بجديد عليه برغم تجدده فكلنا نتذكر يوم الخامس والعشرين من مارس ،2009 حيث قام الرئيس ، بزيارة لمدينة كيهيدي، أدى خلالها صلاة الغائب التي أقيمت على أرواح ضحايا أحداث 1989 ـ1991 في إطار تسوية تمت صياغتها بالتشاور مع أئمة وعلماء دين وعدد من المتضررين من تلك الأحداث، أدت إلى الاعتراف بمسؤولية الدولة فيما حدث وطلب العفو ووضع أسس لتسوية هذه القضية وفق الخصوصية الثقافية و الدينية للمجتمع الموريتاني.
وقد ساهم في إعداد مقترح التسوية عدد من العلماء والأئمة من ضمنهم بال محمد البشير (عضو المجلس الإسلامي الأعلى (سابقا) وأحمدو ولد لمرابط (إمام الجامع الكبير بنواكشوط)، وأعضاء من منظمة تكتل ضحايا القمع (كوفير)، وقد تم استبعاد الهيئات السياسية الموالية للسلطات والمعارضة لها على حد سواء، وهي خطوة تهدف إلى النأي بالقضية عن التناول السياسي الذي ظل يتجاذب هذه القضية منذ اكثر من عقدين، ولا يفوتنا هنا أن نتذكر كلمة ولد عبد العزيز في خطابه الذي ألقاه إبان أيام “المصالحة الوطنية في كيهيدي”، معتذرا باسم الدولة والشعب الموريتاني ، ومقدما التعازي لضحايا تلك “المأساة الإنسانية” التي تعرض لها بعض الزنوج خلال حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع ما بين 1989 -1991.
ولم يكتف محمد ولد عبد في هذا الصدد بمجرد “صلاة الغائب” وتقديم التعازي لأهالي المدينة، وإنما كانت وماتزال قيمة الوحدة والمصالحة الوطنية حاضرة في ذهنه وفي عمله، فقد ضمنها في برنامجه الإنتخابي لمأموريته المنصرمة، وجسدها ضمن إنجازاته الوطنية الشاملة : بدأها بتخليد الخامس والعشرين من مارس (25 مارس) يوما وطنيا للمصالحة، كما تم تأسيس لجنة لتصفية الإرث لإنساني مكلفة بتنفيذ اتفاق إطار للتسوية الموقع بين الدولة الموريتانية وذوي الضحايا، و في هذا الصدد تم إحصاء كل عوائل الضحايا والتعويض لهم ( عودة 24.536 مبعد موريتاني من السنغال) ودمجهم في الحياة الوطنية، وتم إعداد وثيقة إطار للتسوية النهائية والتوافقية للإرث الإنساني في صفوف القوات المسلحة وقوات الأمن سنة (2009)، وكذلك تسوية ملف الموظفين والوكلاء العقدويين للدولة من ضحايا أحداث 1989، كما افتتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في انواكشوط لأول مرة في موريتانيا سنة (2010)، وقد تم إجراء تعديلات وإصلاحات دستورية 20 مارس (2012) مصنفة للتعذيب جريمة ضد الإنسانية وقاضية بالاعتراف بالتنوع الثقافي للبلد…إلخ.
وقد شهدت المدينة خلال المأمورية المنصرمة برامج تنموية عديدة ومتنوعة، حيث تم تنفيذ مشروع لعصرنة المدينة، وبناء مركز استطباب متكامل سنة 2011 بكلفة مليار و500 مليون أوقية من خزينة الدولة، وإنشاء مدرسة للزراعة ومزرعة نموذجية، بالإضافة إلى برنامج لمحو الأمية استفادت منه المنطقة.
ولا شك أن هنالك أصوات تقول إن مدينة كيهيدي ليست الأنسب ــ بحسب المقاييس السياسية ــ لانطلاق الحملة الرئاسية لكونها فقيرة ولكون ساكنتها ليست محترفة ولا تمثل العمق السياسي في البلد ضرورة، بيد أن الرئيس “عزيز” فضل أن يبدأ مساره القادم ـ إن شاء الله ـ من هناك.. حيث الفقر.. حيث الهامش.. حيث الإنسان… فلنستشرف المستقبل.
ميسارة الأمين