قراءة في كتاب: الأشراف الأدارسة القلاقمة في موريتانيا

  • قراءة في كتاب: الأشراف الأدارسة القلاقمة في موريتانيا

تأليف الدكتور: أحمد ولد حبيب الله.

أستاذ الأدب الموريتاني في جامعة انواكشوط

طرح حديثا في الأسواق كتاب:” الأشراف الأدارسة القلاقمة في موريتانيا: قبائل الشريف أبي بزوله نموذجا” (دراسة في الأنساب الموريتانية الشريفة). ويقع هذا الكتاب في 246 صفحة من القطع المتوسط، وهو الكتاب الخامس من سلسلة:”الكتاب الأكاديمي الموريتاني”، التي يصدرها المؤلف، الدكتور: أحمد ولد حبيب الله، أستاذ الأدب الموريتاني في جامعة انواكشوط؛ وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن: المطبعة العصرية، بانواكشوط 2014.

_2-9.jpgويعتبر هذا الكتاب إضافة جديدة في موضوع الأنساب، وقد سلك مؤلفه منهجا علميا يعتمد على التوثيق، وهو أمر معتاد من المؤلف، وقد تناول أبناء الشريف بوبزوله الخمسة: (قبيلة إدكفوديه، قبيلة الشماسدة، قبيلة فالات گنار، قبيلة أولاد الفغ حبيب الله، قبيلة إداشغره) بالتفصيل، عبر: مقدمة، وتمهيد ومجموعة كبيرة من الملحقات 52 ملحقا، وخاتمة، إضافة إلى قائمة بالمصادر والمراجع.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وقد قدم لهذا الكتاب كل من الدكتورين: حميده ولد انجبنان ولد متالي، أستاذ في التعليم الثانوي، والدكتور: محمد الأمين ولد سيدي بابا، أستاذ القانون والأمين العام لوزارة العدل.

وقد لفت انتباهي وأنا أقرأ هذا الكتاب، بعض القضايا التي كنت أتصور أنها من أبجديات الأنساب، فيما يخص قبيلة الشماسدة، نورد بعض الملاحظات التي تتمركز حول الاعتماد الكامل للمؤلف، في موضوع “آل شمس الدين” على زميله: د: محمد الأمين ولد سيدي بابا، والذي يبدو أنه أخل بمنهج المؤلف، عبر اعتماده على منهج انطباعي بحت، تمثل في اعتماده على مصادره الخاصة، التي لم يذكرها، ليركن إليها القارئ، فجاءت معلومات هذا الدكتور على مقاسات ضيقة، ولذلك أسباب يمكن معرفتها من خلال تحليل تلك المعلومات نفسها.

لقد أوكل المؤلف، لأمر ما، مهمة التحقيق في نسب (آل شمس الدين)، خاصة الأطاريين، إلى د. محمد الأمين ولد سيدي باب، كما أسلفنا، بل وكأنه وقع له على بياض، بمنحه مساحة كبيرة من هذا الكتاب (27 صفحة)، دون أن يكلف نفسه عناء مراجعة تلك المعلومات، الشفوية أحيانا، والمكتوبة أحيانا أخرى؛ ولكن هل أحسن ولد سيدي باب استغلال هذه المساحة ؟ أم أنه تنكب سبيل البحث العلمي الأكاديمي لحاجة في نفس يعقوب ؟

  • ملاحظات حول فرع شمس الدين من أبناء أبي بزوله

توحي بعض نصوص هذا الكتاب (تقديم ولد سيدي باب، ص:13)، بتجاهل الدور الكبير لمجموعة أولاد مؤمن (أبناء الحاج عبد المؤمن العلوي)، لحساب أبناء شمس الدين، بدءا من قول ولد سيدي باب في تقديمه:”… شمس الدين الذي تنحدر منه قبيلة الشماسيد التي أسست، بعد نزوحها من شنقيط مدينتي أوجفت وأطار…” ويردف مدعما (رأيه) بما أورده ولد انتهاه في كتابه:(نزهة الأخبار، ص:8):”أول من سكن بباطن آدرار هو الشريف أحمد بن شمس الدين ومعه أصحابه وتلامذته…”.

وإذا كان لنا أن نتجاهل الفقرة الأولى من هذا التعليق، باعتبارها تمثل رأي مقدم الكتاب، الهادفة إلى إقصاء شركاء أبناء شمس الدين في تأسيس المدينتين، فإننا نلفت انتباه القارئ الكريم، إلى انتقائية للفقرة الثانية من كتاب (نزهة الأخبار)، رغم تحفظنا على هذا المصدر، لتعدد نسخه المنشورة، ونستأنس بالفقرة التالية من نفس المصدر(ص:8، طبعة متحف اتويزكت، 2012): “وخرج مع أحمد (ولد شمس الدين) أخوه مؤمن من الأم، خرجوا من آبير. ومؤمن أبناؤه اثنان: أحمد والمختار، وهم وعمهم كالجسد الواحد متحابون في ما بينهم، أبناء أحمد بن شمس الدين، وأبناء مؤمن، لم يقع بينهم خلل قط، وهم كالجسد الواحد”

نستغرب من الكاتب، وُرُودَ إسم مجموعة: أولاد مؤمن، ضمن “سكان أطار من السماسدة”(ص: 37) ، مما يوحي ويُوهِم بوحدة النسب! وفي هذا تلبيس لا ينبغي، فإذا كانت هذه المجموعة ترتبط بالكثير من الروابط مع أبناء شمس الدين، فإن العلاقة النسَبية تبقى مختلفة، وهذا ما كان ينبغي أن يشار إليه، (ليس رجل إدعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوما ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار” (الحديث)، خاصة أن المؤلف يهتم فقط “بأولاد الشريف بوبزوله”. فهل هذا تلبيس متعمد، أم تجاهل مقصود ؟ وإن كنا نربأ بمصدركم عن كلا الاحتمالين.

إن ما أورده: ولد سيدي باب، لا حقا، في هذا الكتاب من علاقة تبعية مجموعة أولاد مؤمن، لأولاد شمس الدين، كان مبنيا ومؤسسا على ما ذكرناه سابقا، فكانت أسماء أعيان أولاد مؤمن تتخلل أسماء هذه المجموعة، في ترتيب مشبوه، ورغم ذلك لم تستطع المصادر(ص:81، الملحق: 9) (ص:92، الملحق: 15) لحق أو إلحاق أولاد مؤمن، نَسَبيًّا، بشجرة شمس الدين بن بوبزوله، لأن أبناءه، حسب هذا الكتاب:

ـ إثنان فقط: أحمد (سماسيد أطار)، محمد فاضل: (سماسيد أوجفت)، (ص:92)؛

ـ أو ثلاثة (ص:81): أحمد (سماسيد أطار)، محمد فاضل: (سماسيد أوجفت)، وسيدي عالي !!!

ـ أو أربعة: (ص:57): “… وانتقل معها ولدها المأمون، الأخ الشقيق لأحمد الذي شفي على يد الشريف أبي بزوله؛ ومأمون تنتسب إليه عائلات في أطار، امتزجت مع السماسدة وصارت منهم فعلا وقولا…”؟!

فهل يقصد المؤلف د. ولد حبيب الله “بالمأمون” الحاج عبد المؤمن العلوي؟ وكيف امتزجت ذريته مع السماسدة وهم من نسب مختلف ؟ بل كيف يكون امتزاج النسب ؟!! وربما هذا ما جعل د.ولد سيدي باب يختار الرقم 4 لأولاد مؤمن (ص:37 و93) بعد تعداد بطون قبيلة الشماسيد الثلاثة ؟! أم أن هناك أخ رابع لأحمد بن شمس الدين لم يتطرق إليه هذا الكتاب، إلا بهذه الإشارة الهامشية ؟ ولماذا ؟ ألا يستحق ما يستحقه أشقاؤه ؟

  • تفاعل أبناء شمس الدين الأطاريين مع التعليم العصري ومع الإدارة المعاصرة والسياسة الوطنية

تحت هذا العنوان قام د.محمد الأمين ولد سيدي باب بذكر من دخل المدارس الفرنسية “من أبناء شمس الدين” والذين قسمهم إلى 6 أجيال (الملحق رقم 17 (ص:99). وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط الأساسية التالية:

الأولى: قام الكاتب بتخصيص (الأطاريين) دون غيرهم من أبناء شمس الدين خاصة فرعي أوجفت والركيز، مثلا، فما مبرر هذا التخصيص ؟ خاصة إذا علمنا أن هاتين المجموعتين قد تم فعلا إقصاء أعلامهما منذ بداية هذا الملحق ! (مثلا: د.محمد الأمين ولد سلمان، وزير وسفير سابق، واستشاري دولي) دون مبرر ولا اعتذار، وقد أثار هذا امتعاض الكثيرين من هؤلاء، وقد عبر عنه بعضهم على صفحات التواصل الاجتماعي المهتمة بالموضوع؛

الثانية: تناول هذا الملحق، في صفحاته الثلاث الأولى، ستة أجيال، دون أن يحدد الفترة الزمنية لكل جيل، بل إنه من المؤكد عدم التزام الكاتب بهذا المعيار الكرونولوجي، في ترتيبه لهذه الأجيال، حيث حصل فيها الكثير من التداخل!!!

الثالثة: كان على الكاتب أن يضع معايير موضوعية لترتيب كل مجموعة، كأن يعطي الأولوية لذوي الرتب العلمية العليا، مثلا، أو الأخذ بالسن كمعيار لترتيب كل جيل، الشيء الذي لم يحدث! فكيف غاب هذا عن المؤلف، إن كان قد غاب عن الكاتب ؟!

وهنا لا أذيعكم سرا، إذا قلت أن مما شجعني على كتابة هذا الموضوع، هو وضع إسمي من طرف ولد سيدي باب في قائمة:”الكتاب والباحثون من أبناء (شمس الدين) الأطاريين”، بل لم يكتف بذلك، جزاه الله خيرا، بل أورد إسمي قبل اسم الصديق والزميل الدكتور: سيدي أحمد ولد الشيباني !!!

الرابعة: إذا كان ولد سيدي باب قد أتى بلائحة “الدعاة إلى الله” من أبناء شمس الدين(ص:103)، فلماذا لم يقم بنفس الخطوة بالنسبة لمجموعة “السلفيين” وحتى “الإخوان” أو “الإصلاحيين”؟

الخامسة: تحت عنوان”شهداء المقاومة” (ص:103) أورد الكاتب 4 أسماء من شهداء معركة”أماطيل”، من بينهم: عبد القادر ولد أحمد الطلب ولد الطالب عبدي، والصحيح أن الأخير استشهد في معركة:”أيكنينت التيكويت” جنوب أكجوجت في 22/05/ 1908م 19 ربيع الثاني1326هـ (المصدر: الشيخ ماء العينين:علماء وأمراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي، الجزء الثاني. و: الرائد جيلييه: التوغل في موريتانيا) .

السادسة: بناء على ما تقدم، فإن للقارئ، العارف بهذه المجموعة وبمن وردت أسماؤهم في هذا المجال، كامل الحق في أن يتهم كاتب الملحق بالانحياز الواضح لمحيطه الأسري (أبناء عمومته وأخواله) على حساب بقية عشيرته؛

  • الأملاك العقارية لأبناء شمس الدين الأطاريين من بطاح وشعاب وأودية ومضارب بدوية وأحياء حضرية

قام د. ولد سيدي باب، تحت هذا العنوان، بسرد أسماء لأسماء الأودية (11) والبطاح (11) والشعاب (11)(الملحق رقم 18، ص:104-105). وقبل ذلك ذكر بأن القبائل التي كانت تسكن أطار، قبل بداية القرن العشرين، هي: السماسيد، إديشلي، تيزگ، أولاد غيلان، الطرشان، أولاد عمني، أولاد آگشار.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكاتب مازال يصر على غبن القبائل التي تسكن أطار إلى جانب الشماسيد، وإلا فماذا بقي لها بعد العدد 11 من الأودية والبطاح والشعاب ؟ وأين أبناء الحاج عبد المؤمن من هذه الخريطة ؟

  • صلة سماسدة أطار بتجارة القوافل في الماضي وعلاقاتهم بمجال الأعمال في الحاضر

دائما مع ولد سيدي باب، الذي أورد قائمة (ص:106-107) بعدد من تجار السماسيد (45 تاجرا)، وكان من ضمنهم بعض رجالات أولاد مؤمن، ولم يعتمد في ترتيبه لهذه اللائحة المرقمة على معيار محدد، كما يبدو من قراءة العارفين بأصحابها، فلا معيار الثراء ولا السن ولا حتى الفترة الزمنية، تم اعتماده من طرف الكاتب، فلماذا هذه الخلبطة ؟ ألم يكن من الأولى وضع معيار موضوعي والإلتزام به، كما يقتضي ذلك البحث العلمي الرصين ؟!

  • الانتماء غير العرقي لقبيلة السماسيد الأطاريين

“القبيلة ليسلت مجرد رابطة دموية بل هي أوسع من ذلك بكثير إذ تضم جماعات وأسر أفراد ليسوا بالضرورة منحدرين من الجد الجامع ولكنهم مرتبطين به عبر وشائج متنوعة ومنها المساكنة ومنها المصاهرة ومنها المصالح المشتركة لذا تضع قبيلة السماسيد الأطاريين الأسر التالية التي هي جزء من هذه القبيلة لا يتجزأ تاريخيا وربما أكثر اعتدادا بها من سواهم من السماسدة المذكورين في الشجرة” (الملحق 19، ص: 108-109). بهذا التقديم يمهد الدكتور ولد سيدي باب لسرد مجموعة من الأسر (34 أسرة) تنطبق عليها تلك الأوصاف الآنفة الذكر، لكن هل وفق الدكتور في الإحاطة بهذه النماذج كلها، أم أنه نسي، أو تناسى، دون أن يعتذر، بعض الأسر التي يمكن وضعها في هذه الخانة ؟ وهل أضاف لهذه الفئة من لا يمت لها بصلة ولماذا ؟

إن من اطلع على هذه القائمة يعتقد أنها مضبوطة وجامعة مانعة، ولكن الأمر ليس كذلك، وإنما هي حاطب ليل، ففي المجموعة أسر من أولاد مؤمن، مثل: أهل اجدي، أهل أحمد زين، أهل جمعه، أهل نافع. كما أن هناك أسرا لها ارتباطها الوثيق بمجموعة أولاد غيلان: أهل الطراح، أهل اعل رابي، أهل ابيبو! فكيف تمت إضافتهم إلى السماسيد ومتى ؟ بل إن هذه القائمة لم تخلو من تكرار للأسرة الواحدة، مثلا: أهل الدن رقم 7 و رقم 19، في هذه اللائحة!

  • صلحاء الشماسيد

أورد الدكتور محمد الأمين، تحت هذا العنوان، قائمة بـ 15 رجلا من صلحاء سماسيد أطار(الملحق 19، ص: 110-116)، وعد منهم 3 من أولاد مؤمن، هم: الطالب عبدي ولد احمدناه، وإبنيه: السالك وعبد القادر!

ننبه الكاتب إلى أنه وردت، ربما خطأ، في هذا الكتاب صفحات من شجرة نسب “الحاج عبد المؤمن”، كما يظهر من رأسيتها، (الملحق 51، ص:230-231) وبالتالي فهي لا تخدم موضوع الكتاب.

وفي ختام هذه القراءة، ربما الأولى، والخاطفة لهذا الكتاب، فإننا نرجو من المؤلف، أن يأخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار، وأن نرى، قريبا، الطبعة الثانية “مزيدة ومنقحة” خدمة لهذا العلم الذي يوثق عرى ووشائج المجموعات، بصفة خاصة، والمجتمع بصورة عامة.

عبد القادر ولد يسلم ولد احمدناه

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى