الشباب والحكم الرشيد أية علاقة ؟

الحكمة الأخلاقية التى تقضى باعتبار مشاركة الشباب هدفا رئيسيا فى استراتيجيات
وسياسات الإصلاح، وطنيا وعالميا، تستند على مبدأ مفاده أن: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
أى أن تمكين الشباب يتطلب إعادة النظر فى التشريعات والسياسات والممارسات من منظور الجيل،
طالما اعتبرنا تمكين الشباب هدفا –ووسيلة- للإصلاح والتنمية.
فكيف ننظر الى مفهوم التمكين السياسى للشباب؟، وما علاقته بالحكم الرشيد ؟
اتجاهات الجدل حول تمكين الشباب
يمكن ملاحظة ثلاثة اتجاهات فى النظر الى موضوع تمكين الشباب
الإتجاه الأول ::
يرى أن مشاكل الشباب هى مشاكل المجتمع، وبالتالى فإن تمكين الشباب يأتى فى إطار
تمكين المجتمع. وفى نظر هذه الإتجاه فإن انخفاض مستوى المشاركة بين الشباب هو مجرد
أما المرض فهو تأخر مستوى تطور المؤسسات السياسية وهشاشة مؤسسات ،(offre) العَرَض
صنع وإنفاذ “سيادة القانون”، أى تدنى مستوى الحكامة فى بناء السلطة وعملية صنع السياسة
واتخاذ القرار
.
ويرى لاتجاه الثاني أن مشاكل الشباب تختلف عن مشاكل المجتمع، وأنها لا ترتبط مباشرة بمستوى الحكم الرشيد .
ويترتب على تلك النظرة إعطاء الأولوية للخدمات الموجهة للشباب، مثل الأنشطة الترفيهية
والرياضية أو بناء مساكن الشباب، والقول بأن الشباب يريد الإنضمام الى سوق العمل وليس
الإنضمام الى الأحزاب (بطريقة: سأعطيك سمكة، فلا تعبأ بالمشاركة فى الصيد..، وطالما لن تتعلم
الصيد فلن يؤثر كلامك حول قراراتى!).
ويترتب على هذه النظرة النفعية لتمكين الشباب أن المرء سيواجه معضلة علمية وسياسية،
احتياجات الشباب من الخدمات، ويتم الترويج لثقافة تبرر النقص فى الحريات بالتقدم فى الخدمات

أما الاتجاه الثالث : فهو نخبوي إذ يرى أن لدينا ما يكفى من الديمقراطية، و”التغيير قبل التمكين”، لأننا نحتاج أولا لتغيير ثقافة الشباب حتى يستوعب زيادة مساحة الديمقراطية والحريات ويستأهل التمكين لكى تتاح له فرصة الوصول الى مواقع القيادة. وقد يتطرف هذا الرأي بالترويج لفكرة أن “الشباب لا يستحق أكثر من هذا..”، و”أن شعبنا أمي تعليميا وسياسيا، ويخضع لتقاليد قبلية وعصبية، ولا تصلح له ألديمقراطية
وهذه النظرة النخبوية غالبا ما تكون تكنوقراطية أيضا، لأنها ترادف بين “التمكين والتعيين”،
فتقوم بإعادة تعريف مفهوم تمكين الشباب الى مؤشرات كمية -غير دالة غالبا- على الحالة النوعية،
مثل الزعم بأن تعيين بضعة وزراء من الشباب دلالة كافية وقاطعة على تحقيق التمكين السياسى
للشباب ككل، أو القول بأن “الخطاب السياسى يؤكد على مشاركة الشباب أما المجتمع فهو الذى لا
يستوعب هذا الخطاب..”، أو “تم إنشاء مجلس للشباب ولا يحق لأحد بعد ذلك الحديث باسم الشباب

رابعا: نظرة واقعية “مقترحة”
النظرة التى نطرحها في هذا المجال : تتعامل مع مفهوم تمكين الشباب من خلال الأسس التالية:
أ- البعد عن التعميمات بدون معرفة الحقائق، واستخدام التفكير العلمى
.ب- أصحاب المصلحة يتحدثون عن أنفسهم، ولا يتحدث غيرهم عنهم، تحقيقا لفكرة العدالة
القانونية،
ج- إدراك الفارق بين التمكين من ناحية والمشاركة من ناحية أخرى. أى أن التمكين “حق
للشباب وواجب على الدولة”،
بعبارة أخرى، فإن هذه النظرة قبول التنوع داخل الجيل بين شباب

د- التدرجية والشمول فى سياسات التمكين. أى أنه لا يجب وضع النتائج قبل معرفة
المقدمات، ومن ثم لا يصح أن نختزل التمكين (كظاهرة نوعية) فى مساحة “حصة” الشباب فى
الهياكل السياسية والإدارية كمؤشر رقمى من أجل القفز على المقدمات بالقول بأن التمكين تحقق
بتخصيص حقائب وزارية لعناصر من الشباب (بصرف النظر عن طبيعة الآلية ذاتها التى يتم من
خلالها انتقاء هذه العناصر الشابة)، كما لا يصح أيضا القول بأن تمكين الشباب لم يتحقق مطلقا
طالما لا يشغلوا نصف الحقائب، باعتبارهم “نصف الحاضر”، مثلا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

من هذا المنطلق، ربما تتضح علاقة تمكين الشباب بتفعيل آليات الحكم الرشيد ، باعتبارها “إطارا
مؤسسيا يجسد قيما سياسية تعطى للفرد “القدرة على الاختيار”، وبالتالى خلق وتعزيز الميل الى
السعى والمنافسة وتنمية القدرات،
وقد تبدو ملامح الحكم الرشيد بالنسبة للشباب فى الصور التالية
سيادة القانون: من خلال تجريم ومكافحة الوساطة مثلا، لأنها تضع حائلا بين قدرات
الشاب وإنجازه، لسبب مادى وهيكلى خارج عن إرادته، ومن ثمّ فتح الفرص أمام الشباب الراغب
فى المشاركة واختبار قدراته، ثم تنميتها لزيادة قدرته التنافسية، وهكذا..
وتسير ترجمة معيار “سيادة القانون” من منظور الشباب فى اتجاهات مشابهة، مثل احترام
معايير العدالة فى التشغيل بالوظائف العامة وفى الترقى وتوزيع أعباء وعوائد التنمية الاقتصادية،

– الشفافية والمحاسبة: من خلال إلغاء تسييس العلم والمناهج الدراسية ونظم التعليم، مثلا،
وكذلك من خلال حرية مراقبة البيانات وحرية الحصول على المعلومات، وانفتاح المؤسسات
السياسية وأجهزة صنع القرار أمام الشباب، وعلى أساس معرفته بالحقائق، ومن ثمّ تتوافر أمامه
البدائل المختلفة ويستطيع أن يحكم على الأمور بنفسه.
المشاركة: من خلال رفع حواجز المشاركة وإتاحة الفرصة أمام الشباب للإنخراط فى
الأحزاب والجمعبات المدنية، وتقليل الميل الى العزلة الناتج عن الإحباط، وكذلك من خلال إعادة
النظر فى أعمار المشاركة السياسية (بداية من الانتخاب ووصولا الى تولى المواقع القيادية)..
وبالطبع، سوف يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للمجتمع ككل، وللشباب بوجه خاص، كلما
انخفض مستوى احترام آليات الحكم الرشيد بالمعنى السابق. وفى مناخ يسيطر فيه شخص أو بضعة
أشخاص على السلطة، فى مختلف مستوياتها، ودون الخضوع للمحاسبة ١، فإن إشكالية تمكين الشباب تصبح جزءا من إشكالية نظام الحكم ككل.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى