نحن بين السياسة والعصير الصناعي

في دراسة قامت بها إحدى الجامعات كانت النتيجة مذهلة ,

الدراسة كانت عن تأثير العادات في تذوق الطعام , حيث ان الأطفال الذين نشئوا على شرب العصائر الصناعية التي لا تحتوي أي نسبة من العصير الطبيعي ( مثل سانكست وسنكويك وغيرها) لم يستسيغوا العصير الطبيعي الذي قدّم لهم , وأصروا على تناول العصير الصناعي.
بينما الأطفال الذين نشئوا على شرب العصير الطبيعي لم يستسيغوا العصير الصناعي ورفضوه , وأصروا أن الطبيعي هو الأفضل .

هذه الدراسة أجدها لدينا في العالم العربي على وجه آخر .

الكثير منا بل يمكنني القول أن النسبة الكبرى تعودت على الإعلام المضلل أو الإعلام الرسمي أو الإعلام الموجه , وتصريحات بعض القادة والسياسيون , حتى وإن لم يكن لها أي سند على أرض الواقع , بل أصبح الواقع هو الكاذب إذا خالف ما يقوله الإعلام , أو تصريح ذلك القائد أو السياسي,
وعندما يأتي كاتب أو محلل يبيّن خطأ ذلك الإعلام أو التصريح تقوم عليه القيامة , كيف تجرأ على مخالفة ذلك القائد أو السياسي , كيف يخالف ما قاله فلان الإعلامي المرموق , كيف خالف ما يقوله ذلك السياسي اللامع .

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وهذا يذكرنا بفلم “الكيف” لمحمود عبدالعزيز , حيث رفض زبائنه الشاي الصحيح وخسر تجارته حين تحول من الغش الى بيع السلعة الصحيحة

لم نتعلم من تجارب العقود السابقة حين تعرض الوعي الشعبي العام للمسخ والمسح والتشويه بتصريحات وتشويهات كبيرة . لنتذكر تصريحات احمد سعيد في حرب الأيام الستة عام 1967 , كنت حينها أمسك الورقة والقلم أسجل عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطت , ولم أتوقف إلا عندما زاد مجموع ما قاله عدد الطائرات التي تملكها إسرائيل , وكانت النكسة . أو الوكسة للجيش والقيادة السياسية بل والمجتمع, ونسينا نكسة الإعلام .

لم نتعلم تمحيص الإعلام , والصريحات ونرفض ما يخالف العقل والواقع. أصبحنا نصّر على أن الواقع هو الخطأ إن خالف الإعلام. أصبحا نستسيغ العصر الصناعي ونرفض العصير الطبيعي .

حتى شارك التعليم في هذه الجريمة العامة , فلم يعلم الأجيال علم المنطق ولم يسلحه بأدوات التحليل التي تجعلنا نفرّق بين الصواب والخطأ , بل وسعى جاهدا على تمجيد الرموز ويجعلهم في مستوى يعلوا عن المناقشة والمسائلة والتمحيص , علينا أن نسمع, نصدق ونطيع .
ليس هذا فقط , بل وأصبحا نبحث عن أعذار للتصريحات الكاذبة , أصبحنا نبرر الكذب , وأصبح الكذب مستساغا , مرة بالقول بالمؤامرات الخارجية وأخرى بمكافح الخونة وأخرى بالحرب على الإرهاب و…. و….. و…. والكثير من الأعذار للكذب .

يجب أن نعمل قلوبنا وقولنا , نحلل ونطبق قواعد المنطق , نقول للكاذب كاذبا وللمخطئ مخطأ , وللمسيء مسيئا , يجب أن نعلم أن الواقع هو الصحيح , وكل ما يخالف خطأ .

يجب البحث عن الدليل الحقيقي فلا حكم بلا دليل , ولا تصريح بلا دليل لا يخالطه شك .
كم ظهرت علينا صحفنا وتلفزتنا بأشخاص اتهموا بشتى الاتهامات يعترفون بالقيام بهذا وذاك , ثم علمنا بعد ذلك أنها كاذبة واعترافاتهم كانت تحت التعذيب , وعلى فوهات البنادق.

لسنا خراف , نعم لسنا خراف, لنخرج من سياسة القطيع , لنخرج من عالم العصير الصناعي ولنعمل على تذوق العصير الطبيعي, فالعصير الطبيعي أفضل لصحة أجسادنا , والحقيقة أفضل لمستقبلنا وحياتنا وازدهار امتنا .

لنخرج من القطيع , ونعلم أن القيادة قد تخطئ وقد تكذب وقد تلوي الحقائق وقد تستغل واقعة لا أهمية لها لندلل على أن ما يقولونه حق , وما يفعلونه صواب. لكن بشرا لنا عقل يميز بين الصواب والخطأ , والصدق والكذب .

لنتعلم كيف نحلل الأخبار والتصريحات , ولنطالب المصرّحين ساسة أو قادة بالدليل كما نطالب شيوخ الدين بالدليل .

إذا كان الدين بالدليل , والفتوى بالدليل , فلتكن تصريحاتهم بالدليل , وليكم الدليل حقيقيا , واقعي, لا يلوون الحقائق ولا يفسرون ما يحدث بتفسيرات تناسب أهوائهم .

ليكن عقلنا كعقل القاضي في المحكمة . لا يحكم إلا بالأدلة الغير قابلة للنقض . وليكن الشك في صالح المتهم , فلا نحكم عليه بما نظن بل بالحق والحقيقة.

حين نفعلها سيبدأ الطريق لإصلاح السياسة والاقتصاد والجيش والشرطة . سيبدأ الطريق لإصلاح المجتمع والقضاء على الفساد . حينها سنكسب احترام العالم . وقبلها سنحترم أنفسنا لأننا نعلم أننا على حق.

لنتذكر قولة تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) , ولنفهمه حق فهمه , ولنتذكر قول عبدُ الملك بنُ مروان : ” ما أنصفتمونا يا معشرَ الرعيةِ ، تريدونا منا سيرةَ أبي بكر وعمرَ ، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم … ”

لنسمع له ونسير في الحق بأنفسنا , فستتبعنا القيادة والإعلام , سيعلمون أنهم سيفضحون إن كذبوا ويفقدوا مصداقيتهم .

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى