الطيران المدني .. مي دي، May Day ،مي دي

مرة أخرى يسيطر الجدل حول سلامة الطيران المدني على احداث العام 2014 ويسدل الستار عليه، بالرغم من ان السنة مليئة بالأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والرياضية الكبيرة والأوبئة، إلا أن 15 كارثة -بعد عقود من التراجع التدريجي لحوادث الطيران المدني- أربع منها لطائرات مدنية ماليزية تسببت في مقتل 760 شخص وكان آخرها فقد طائرة (أير آسيا) التابعة للخطوط الماليزية بعدما طلب ملاحها تغيير مسارها بسبب سوء الأحوال الجوية أثناء الرحلة QZ8501 من سروابايا الإندونيسية إلى سنغافو رة، تتوج العام 2014 الأكثر زهقا للأرواح في سجل الطيران المدني خلال السنوات العشر الأخيرة بالرغم من تحسن تصميمات الطائرات والتدريب والبنية التحتية، حسب بيانات شبكة أمان الطيران التي تتخذ من هولندا مقرا لها، ، أما بحسب مكتب توثيق حوادث الطيران، الذي يتخذ من مدينة جنيف بسويسرا مقراً له فإن العام 2014 قد أنهى حالة التحسن المطرد في مجال سلامة النقل الجوي منذ العام 2005، والتي مثل العام 2013 ذروتها حيث كان الأكثر أمانا منذ 1945، أما حادث تحطم الرحلة QZ8501 فإنه يرفع عدد الطائرات التي لقيت ذلك المصير خلال هذا العام إلى 111 حادث، وآخر مرة تم فيها تسجيل هذا العدد كانت في عام 1927. كما يُعد 2014 أسوأ الأعوام بالنسبة لقطاع الطيران في آسيا، خصوصا الخطوط الماليزية التي كانت تمتلك واحداً من أفضل سجلات الأمان قبل 2014.

على كل حال كثيرة هي أسباب الحوادث ومتشعبة، في الحقيقة، فإن الحوادث تحدث نتيجة لسلسلة من الأخطاء تهيئ الظروف المواتية لتطور الصعوبات وظهورها حين لا يكون الوقت كافيا لمواجهتها فضلا عن معالجتها والسيطرة عليها، لكنها عموما تبرز من خلال خمسة محاور رئيسية، يتضمن كل محور منها عدة مقاصد، يضم كل مقصد منها مجموعة من المهام، وتنقسم كل مهمة إلى أجزاء تكمل بعضها البعض لضمان نجاح وسلامة النقل الجوي في فضاء مزدحم جدا ويشهد نموا مطردا. المحاور الأساسية تتعلق بالجانب البشري في الجو وعلى الأرض، الطائرة، البنى التحتية، الظروف الجوية، والتهديدات الهجومية.

ذكرني العام 2014 ببعض الحوادث التي كان من الممكن وببساطة تجنبها، والتي ازهقت الكثير من الأرواح، تناريف في العام 1977 بين طائرة KLM وأبان أمريكان، فوق المدرج، بوجود ضباب كثيف أدى إلى انعدام الرؤية، و في العام 2002 فوق الأراضي الألمانية قرب الحدود السويسرية، تصادم في الجو، بين طائرة روسية متجه إلى برشلونة وقادمة من موسكو وطائرة DHL متجه إلى بر وسلس وقادمة من بيرجامو، وحادث الرحلة 5981 في العام 1974 بسبب اغفال غلق باب الامتعة، في العام 1977 الرحلة 242 هانتس فيل ألباما التي اعترضتها العواصف الجنوبية، ثم في العام 1985 الرحلة 191 التي حطمتها العواصف الرعدية، في العام 1987 الرحلة 295 بسبب الاحتراق والاختناق، في العام 1991 الرحلة 751 التي حدد مسارها من استوكهولم – كوبنهيغن – وارسو- كوبنهيغن – برشلونة بسبب الجليد الشفاف، وفي العام 2001 الرحلة 3597 من برلين إلى زوريخ والتي لم يتمكن ملاحها من رؤية المدرج، في العام 2003 الرحلة 5481 شارلت نورث كارولينا بسبب الوزن الزائد، في العام 2009 الرحلة التركية 1951 أمستردام وكذلك الرحلة 3407 المتجهة من نيويورك إلى بيفالو، الخطوط الجوية الموريتانية في العام 1994 بتجكجة، وطبعا لا يمكن ان انسى الرحلة 38 اللغز في العام 2008 في مطار هيثرو بلندن، والرحلة 1549 ذائعة الصيت في العام 2009 بنيويورك بسبب الطيور، وكذلك الرحلة 143 في العام 1983.

اخترت الأمثلة السابقة من بين مئات بل آلاف الحوادث نظرا لاطلاعي على تفاصيل التحقيق فيها، ما عدى طائرة تجكجة التي لم أستطع تجاهلها، وبناء على شهادة شهود العيان والتقارير الرسمية وتحليل الخبراء فإن قناة Nationale Géographie أعدت سلسلة تحقيقات الكوارث الجوية وهي متوفرة باللغة العربية والفرنسية والإنكليزية ويمكن الرجوع إليها للاطلاع الواسع على حيثيات الكثير من الحوادث.
الحادث الأبرز في العام 2014 هو اختفاء طائرة ماليزية عن شاشات الرادار بعد رسالة صدرت من قمرة القيادة تقول “حسناً، تصبحون على خير”، تزامنت مع إغلاق النظامين الرئيسيين للاتصال وتحديد المواقع عمداً في الطائرة، وهو ما أثار علامات استفهام كثيرة حول مصير الطائرة. وكشف الرئيس التنفيذي لـ “شركة الخطوط الماليزية” أحمد يحيى في ذاك الوقت أن “التحقيقات الأولية تشير إلى أن مساعد الطيار هو الذي نطق بتلك العبارة”، وقال رئيس “لجنة الأمن الداخلي” في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول إن معلومات الاستخبارات الأميركية تشير إلى أن “قائد الطائرة ومساعده قد يكونا متورطين في الحادث”. اختفت الطائرة، المتجهة من كوالالمبور إلى العاصمة الصينية بكين، عن شاشات الرادار في الثامن من مارس ولم يعثر على حطامها حتى اليوم.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

بعد نحو أربعة أشهر على اختفاء الطائرة الماليزية، تصدرت “الخطوط الماليزية” المشهد مجددا بعد إسقاط طائرة تابعة لها من طراز “بوينغ – 777” كانت متجهة من كوالالمبور إلى أمستردام بصاروخ أرض- جو على ارتفاع 10 آلاف متر فوق منطقة دونيتسك الأوكرانية التي يسيطر عليها الانفصاليون، قالت “وزارة الداخلية الأوكرانية” إن الطائرة التي كان على متنها أكثر من 300 شخص بينهم 23 أميركياً “أُسقطت قرب مدينة شاختيورسك في منطقة دونيتسك، باستخدام صاروخ أرض – جو من طراز “إس 300” أو “بوك”، وكلاهما لا يملكهما الانفصاليون”.

حتى اليوم لم يتوصل المحققون إلى “سبب واضح” يفسر أسباب سقوط طائرة من نوع “ماكدونل دوغلاس إم دي 83” تابعة لـ “الخطوط الجوية الجزائرية” في مالي في 24 يوليو وعلى متنها 116 شخصاً بينهم 54 فرنسياً و23 من بوركينا فاسو وثمانية لبنانيين وستة جزائريين. وتحطمت الطائرة فوق شمال مالي أثناء رحلة من واغادوغو (عاصمة بوركينا فاسو) إلى العاصمة الجزائرية، ولقي جميع أفراد الطاقم الإسبان الستة مصرعهم ايضا. واظهرت العناصر الأولى للتحقيق التي نشرت في مطلع أغسطس أن الطائرة تناثرت قطعاً لدى ارتطامها بالأرض، وأن سرعتها تراجعت وانحرفت يساراً لسبب غير معروف اثناء اجتيازها عاصفة شديدة.

بينما يستعد سكان العالم لاستقبال العام الجديد، يطرح التساؤل عما إذا كان العام “المنصرم” هو الأسوأ في تاريخ الطيران المدني على الإطلاق؟
والإجابة على هذا السؤال قد تكون “نعم” أو “لا” في نفس الوقت، حيث أنها تعتمد على كيفية نظرتنا وتقييمنا لكلمة “الأسوأ”، ومن عدة جوانب مختلفة.

الاحصاءات تؤكد أن هذا العام كان عاما من المتناقضات المأساوية هيمنت عليه كارثتان ماليزيتان وعدد محدود من الحوادث المرتبطة بحالة الطقس ومع ذلك سجل عدد حوادث سقوط الطائرات مستوى منخفضا قياسيا. وفي وقت سابق من الشهر الجاري قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا) الذي يمثل نحو 250 شركة طيران إن عام 2014 من بين أكثر الأعوام أمانا إذا ما قيس بحجم حركة الطيران. وقال الاتحاد إن عام 2009 شهد فقدان طائرة مقابل كل 1.5 مليون رحلة جوية أي بمعدل 0.67 طائرة لكل مليون رحلة. وحتى 30 ايلول بلغ معدل فقدان الطائرات هذا العام 0.22 طائرة لكل مليون رحلة جوية. وتشمل بيانات الاتحاد الذي يتخذ من جنيف مقرا له الطائرات المصنوعة في دول غربية فقط.

في نهاية هذا العام 2014 وبداية العام 2015 نتمنى على الله العلي القدير ان يحفظنا ويحفظ الموريتانية للطيران من كل سوء وأن يكون العام 2015 عامها الذهبي.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى