*سنة التعليم !!!* *صرخة في واد … أم حبر علي ورق!*

مسؤولية تاريخية وواجب وطني أعتباردعوة رئيس الجمهورية اعتماد 2015 سنة
للتعليم،سابقة تستحق التقدير وفرصة حقيقية لتصويب وضع مختل منذ النشأة، يستدعي
من مختلف النخب والقيمين علي الشأن العام بشكل أخص، التدخل العاجل والمعالجة
الفعلية الواعية لحالة تشوه بنيوي، لم تقتصر تجلياته وآثاره علي قطاع “التهذيب
أوالتعليم”، بل تبدو، ربما لكونها ليست حالة عضوية فقط، أكثر وضوحا في
سائرالقطاعات الأخرى، وكنتيجة حتمية للإهمال وعامل الزمن عشش التشوه بكل ركن
وأصاب الداء المجتمع في الصميم .

ولأنه (التعليم) النخاع الشوكي لكيان الدولة، الطابق الأرضي من البناية
والأسرة الثانية لمن قدر لهم أن يلجوا بابه، فإن الوضع الذي هوعليه لا يتحمل
المزيد من الارتجالية والإهمال، لكونه المؤشر الأول للحكم علي الوضع العام
والنسخة الأصلية لحالة أي قطاع والمحدد الأبرز لواقع القيم وطبيعة السلوك، لكن
المعالجة الجادة لوضع مماثل لحالة التعليم اليوم لا يمكن أن تتحمل إمكانية
الخطأ، الأمر الذي يتطلب التشخيص السليم والمراجعة العالمة المتأنية لمسار
القطاع منذ البداية، لأن الأعراض التي تلاحظ بأطراف الأغصان يبدأ البحث عن
مصدرها بفحص الجذور، فقبل التقييم بأثر رجعي لماضي القطاع ومراجعة مسحية
لواقعه، يستحيل أن نتوقع معرفة الأسباب الفعلية وتحديد مكامن الخلل والعوائق
الموضوعية، وأن نصل إلي حلول أونتائج مقنعة، فالطريق الآمن للوصول لعمل مؤصل
طبقا لمبدأ الأخذ بالأسباب يمر حتما عبر مسالك و إجراءات :

-تشخيص الواقع: المدرسة اليوم هي الأسرة الثانية والمدخل الأول لولوج باب
التعلم ، فيها تستكمل تنشئة وتربية الأبناء وبها يتم إعدادهم ليكونوا نساء
ورجالا صالحين، منها تكتسب القيم وفيها تزرع في الأبناء بذور الوطنية، فالنسغ
(العصارة أللتي تغذي النبتة) يأتي عبر الجذور، والمستبعد في هذا السياق الجزم
بوجود شخص وطني واحد يتمتع بدرجة مقبولة من الوعي يقرأن وضع التعليم بدأ
سليما، سواء أوتي به نبتة زرعت محليا أو بذورا استنبتت، فالمدرسة صيغة تعليمية
لم تكن معروفة أتت مع المستعمر وتقبلها المجتمع في البداية جبرا، لكن في
المقابل لا أحد مطلع حتى في ذلك الوقت ينكر أن لها جوانب إيجابية ، ورغم إيجاد
الدولة لاحقا لم يكن الواقع آنذاك مواتيا لمراجعة وتصحيح الوضع التعليمي
القائم، لأن الولادة لم تقع في حضن الأم الشرعية ولم تكن بالإرادة الصرفة
لأصحاب البلد، بالإضافة لواقع المحيط، طبيعة الظرف الزمني، حالة المجتمع،
ولتغيب وضعف كل ماهو وطني : الإرادة، القرار السياسي، الكادر المؤهل،..مقابل
طغيان إرادة المستعمر وهيمنة قراره السياسي، وفي هذا الوضع غير المتكافئ أسندت
مسؤولية تنشئة وتأهيل الكيان الوليد لفرنسيين “إداريين، مستشارين تربويين
أساسا وخبراء يعود لجهودهم وضع القوالب والأسس البنيوية العامة لمختلف المرافق
والقطاعات الحالية”، والفقرة بين مزدوجتين مع اختلاف في الألفاظ والسياق وردت
بمقال أو رأي نشر في شهرأكتوبر2009 ببعض المواقع تحت عنوان *”كان الله معك”*،
ورغم أن مسؤولية إدارة الدولة آلت مبكرا لموريتانيين، كانت أول لفتة تتخذ
اتجاه وضع التعليم، التوصيات الصادرة عن مؤتمر حزب الشعب المنعقد سنة 1967
بمدينة لعيون والتي عرفت لاحقا بإصلاح 67 مع أن البعض يضعه ضمن خانة
“إصلاحي1947 و1959″، ثم إصلاح 73 الأقرب للصفة من حيث الصيغة ولكونه حقق بعض
النتائج رغم أنه خرج من مشكاة الأول، أما إصلاح 79 فقد كان من المفترض أن يدرك
من صاغوه، بغض النظر عن حسن النية وسلامة المقاصد، أنهم أسسوا لتجزئة التعليم
إلي فصين (جزأين) الأول يدرس باللغة الفرنسية “المدرسة الأصل” والثاني مستحدث
يدرس باللغة العربية والمجتمع إلي فئتين الأولي تتحدث لغة الإدارة والعمل
والفئة الأخرى تتحدث لغة “المناذرة”، وكأن إرادة من صاغوا قرار الإصلاح تغييب
فئة لصالح أخري، الأمر الذي ضيع مستقبل أجيال بكاملها وهيأ لوجود شعبين في
دولة واحدة، لكن الإصلاح الأخير99 بدل أن يراعي الخصوصية و يعالج حالة سيئة
قائمة ويصحح وضعا مختلا وغير منصف، أوقع التعليم في وضع أسوء وأكثر غرابة، كما
يقول المثل(زاد الطين بلة)، والإ ستغراب لايكمن في استيراد فكرة محاكاة دول
حاولت مجاراة أطروحات تايلور ومراقي أبلوند والأخذ ب”مقاربة الكفايات”،
مع أن الأصل
في اكتساب المعارف قابليتها للتحول إلي مهارات، لكن الأغرب تعميم حالة محاكاة
لم تتوفر لها أدني مقومات النجاح قبل إخضاعها للتجربة، فالحالة أقرب لقصة
الغراب المشهورة، ولكون الإطلاع علي محتوي الإصلاحات ممكن بالرجوع للقوانين
والقرارات المطبقة لها، سنكتفي لضيق المقام بإبداء بعض الملاحظات:

أن الإصلاحات السالفة تميزت بالآتي:

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

أولاـ لم تأت ضمن تصور شامل ومعالجة عامة، بل استجابة لضغوط أومحاولة لعلاج
أحداث وقعت أولوقف أخري قائمة.

ثانياـ أن الإصلاح يأتي أو يؤتي به لا ليكمل سلفه أو يضيف إليه بل ليقام علي
أنقاضه،

ثالثاـ أن كل الإصلاحات تنقصها الرؤية السليمة، الإعداد الجيد وحسن المتابعة،
وعموما كان من المفروض أن يدرك المعنيون وأصحاب الشأن أن أي إصلاح للتعليم إذا
لم يكن لاحقا لمراجعة وإصلاح وضع الإدارة مآله الفشل، لأن المنطق السليم لا
يقبل أن ينتظرمن إدارة فاسدة إنتاج عمل صالح وأقل منطقية أن يسند تنفيذ عمل
صالح لإدارة فاسدة.

– المعالجة: كالتشخيص مسؤولية يتحملها في الوضع السليم عادة أصحاب الخبرة من
ذوي الاختصاص،ولكون الواقع، غياب الإجماع علي سلامة الوضع ، يبقي السؤال الآتي
قائما، هل تقع مسؤولية تشخيص وعلاج وضع التعليم ضمن فروض الكفاية؟ ولأن
الإجابة من غير المعني انتحال للصفة، يكون المتاح مجرد رأي يعتقد صاحبه أن إ
شراك المعنيين بالشأن أولا، من ذوالخبرة والدراية والرأي من بديهيات الأمور،
خصوصا خبراء القطاع، الدارسين وأصحاب الرأي الوطنيين دون استثناء، وأن إنشاء
موقع لهذا الغرض ضمن توسيع قاعدة المشاركة مسألة ضرورية لتلقي الإفتراحات
والآراء ولبناء قاعدة معلومات مفيدة ثانيا، ثم الاستئناس بالوثائق، الدراسات
والمعالجات المستنيرة وبالتقارير ذات الصلة ..، خصوصا التقرير النهائي للأيام
التشاورية الأخيرة ومحاضر اللجان ، علي أن تستكمل الخطوات بانتقاء هيئة
للإشراف علي أساس الكفاءة والخبرة ممن لم يعرفوا بالفساد ولم يكونوا يوما من
أدواته لأن أداة الهدم لاتستخدم عادة للبناء ، يكون من ضمن مهامها إقامة ندوات
عامة تشارك فيها كل القوي وفيها تعرض كل المعطيات والوثائق للخروج برؤية
أوتصورعام والتحضير لتنظيم أيام تشاوريه ثانية أوأسابيع..، تكون مناسبة لعرض
خلاصات عن الأعمال السالفة لإنارة المشاركين وإثراء النقاشات داخل ورشات
التشاور. ولأن العمل البشري لايتحقق بأمر أقل من جملة(كن) لمجرد حصول الإرادة،
بل بالنية والإرادة والأمر والوسائل والعمل …، وتبقي كلها مجرد أسباب تحتمل
النقص غالبا، وتقبل الإضافة، وفي هذا السياق يستحيل أن تضيق دائرة النقص وأن
يتحقق الأفضل أو الممكن المقبول مالم:- يكن التشخيص شاملا وسليما والمعالجة
صريحة جدا وموضوعية، فالأمر يتعلق بشعب يريد أن يري في التعليم ذاته وهويته،
وبدولة ذات سيادة من واجبها بناء منظومة تربوية وطنية وعصرية تحقق نهضتها
وتحفظ لها الكرامة، ولكي لا تقع الخلاصات والحلول المرجوة في الفخ الذي أفشل
كل المحاولات السابقة يجب أن لا يقع إسقاطها علي الواقع الحالي، بل يلزم تغيير
الواقع أو رفعه إلي مستوي الخلاصات والحلول، وكحد أدني علي مستوي القطاع،
تغيير أو تصحيح واقع الإدارة وإعادة الاعتبار للتعليم العام لأن التعليم الحر
ليس حلا ولن يكون بديلا واعتماد اللغة الأولي طبقا للدستور: لغة التدريس و
العمل الإداري، لغة المعاملات الرسمية والمراسلات ،مراجعة المنهج القديم
الحالي ووضع منهج موحد بديل يناسب العصر، يراعي الخصوصية الوطنية و يوائم بين
عرض العمل المتزايد والطلب، رسم مسار مهني مطمئن وعادل يؤمن التقدم الوظيفي
للعاملين بالقطاع ، مرا جعة سلم الرواتب واعتماد الراتب الحقيقي علي أساس
الحاجات الضرورية ( السكن اللائق والحياة الكريمة للمدرس) وربطه بأي تغيير
يحصل في الأسعار، الاستئناس برؤية ورأي المدرس في كل شأن يتعلق بمهنته، توحيد
الزى المدرسي وإعادة العمل بنظام الكفالات ببعض المناطق.

ويبقي التوصل لحلول أونتائج صحيحة مجمع عليها ومقنعة، غاية وهدفا، لكن تجسيد
ها حرفيا كواقع مرئي وملموس هو الهدف الحقيقي والغاية المرجوة، فإن لم يحدث
ذلك، تكون الدعوة التي أطلقها رئيس الجمهورية “صرخة في واد” والإصلاح
المرجو”حبر علي ورق” .

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى