تعيش موريتانيا ، منذ عقود طويلة، أزمة خانقة طالت كل مرافق الحياة، وإن كان البعد السياسي منها هو أبرز تجليات هذه الأزمة، لعلو الصوت على هذا الصعيد. غير أن البعد الاجتماعي يبقى هو الأخطر لأنه ، من جهة، لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف صناع القرار المتعاقبين ، ومن جهة أخرى لأن أثره السلبي يظل خفيا لبعض الوقت وهو ينخر في العمق تحت القشرة البادية للعيان، إلى أن يتفجر فجأة في شر مستطير.
وعلى أساس تفاعل هذه الأزمة الاجتماعية ، ذات التشعبات المعقدة والدقيقة ، يأتي انفجار الوضع العمالي في أكبر شركة للمناجم في بلادنا – اسنيم.
فلقد ظل هؤلاء العمال يواجهون ، منذ تأميم هذه الشركة في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، صنوفا من الإهمال ويتعرضون لأقسى درجات الاستغلال ، ما ليس في الامكان وصفه. وها هي المعاناة تبلغ مستوى ” النقطة الحرجة” لتنفجر الأوضاع بدخول العمال في إضراب تاريخي شامل، غير مسبوق في بلادنا، ويحظى بكل الوجاهة الأخلاقية والشرعية القانونية والضرورة الانسانية، من أجل إيقاف جبروت مصاصي الدماء والمتلذذين بعذابات البشر. إن عمال شركة اسنيم – شأنهم شأن منتسبي الشغيلة الوطنية في جميع شركات الظلم والاستغلال العاملة في موريتانيا – يستحقون وقوف كل أبناء الشعب الموريتاني إلى جانبهم في التصدي للطغاة ، لحملهم على الاستجابة لصوت الحق الذي يصرخ به هؤلاء العمال. كما يجب إخراج هذا الموضوع ، كليا، من دائرة الحساسيات السياسية والحزبية ؛ بل ينبغي اعتباره من صميم التأدية للواجب الوطني والانساني ، الذي يتوقف عليه انقاذ البلاد ، السائرة على حافة الخطر الوجودي: ألا يكفي ما يجري من فظائع في حق المواطنين الآمنين في بيوتهم دون اهتمام، أولا يكفي ما يجري من مآسي اجتماعية طاحنة للفقراء والضعفاء والمهمشين، أو لا يكفي ما يجري من عنف لفظي ممنهج بين مكونات الشعب الواحد؟.. إن موضوع مناصرة عمال اسنيم يجب أن يشكل قاعدة صلبة تتلاقى عليها هموم وأفكار ومواقف كل الوطنيين الحريصين على أمن واستقرار البلاد ،لوضع نهاية للغطرسة والاستهانة بمصالح العمال ومشاعر الناس والتلاعب بمقدرات الوطن..
القيادة المركزية