لا تقدموا سور الآمال قطعا لباعة الرمال

صحيح أن فكرة السور الأخضر هي من باب الوعي السامي و الإدراك المتقدم للمخاطر الناجمة عن التغيرات المتلاحقة في المناخ و عن عواقب التصحر الكارثية المتزايدة و المتلاحقة من جرائه و ما ينجم عنه من زحف الرمال الذي أصاب حيزا بالغا من مساحات الدول المنخرطة في التصميم على بنائه و منها موريتانيا، هي بالأساس فكرة نابعة من رؤية تأملية نادرة عند هؤلاء الرؤساء و إدراك جديد و ذكي منهم لمكامن الأخطار المعيقة و المهددة للتنمية و المزعزعة لكياناتها من جراء ارتفاع درجات الحرارة، و هبوط معدل التساقطات المطرية المسجل عاما بعد عام، و سرعة و اضطراب

حالة الرياح بشكل مقلق. و قد أعلنوا عن سعيهم بهذا التفكير و هذا التوجه إلى إقامة سور أخضر يمتد من نواكشوط غربا إلى جيبوتي شرقا بهدف مقاومة التصحر والجفاف والتصدي لتقدم الرمال الزاحفة وتنفيذ أعمال تشجير، من خلال إعادة تشجير 15 مليون هكتارا من الأراضي الجافة بعرض 15 كيلومترا وطول 7000 كيلومتر، لإعادة التوازن البيئي وتحسين مستوى الأمن الغذائي، بتكلفة تقدر بأكثر من 5،1 مليار دولار.

و صحيح أيضا أن التشاور حول الفكرة و تكليف الخبراء و الفنيين في المجال بتقديم تصوراتهم و اقتراحاتهم من منطلق تجاربهم و تجارب وإنجازات تمت في صحاري دول غير دولهم من قارات أخرى من حولهم في آسيا كصحراء الهند “طهار” الكبرى سابع أكبر الصحاري وتتجاوز مساحتها 200 ألف كيلومتر و صحراء “اوردوس” في منغوليا الصين و مساحتها 90650 كيلومترا مربعا تقريبا و صحراء “جوبي” مترامية الأطراف في الجزء الشرقي من وسط آسيا مساحتها 1300000 كيلو مترا مربعا و تشهد توسعا سريعا، و صحراء “كلاهاري” على مدار الجدي من القارة السمراء تمتد على مساحة 000 900 2 وتغطي أغلب أراضي

“بتسوانا” بالإضافة لأجزاء من “ناميبيا” و “جنوب إفريقيا”، تحيط بها منخفضات “كالهاري” الممتدة على مساحة 2.5 مليون كم مربع. و تمتد التجارب الرائدة في معالجة الصحاري و الاستفادة منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية “كلورادو،يوما، سنورا” و في صحراء المكسيك (على خط مدار السرطان 22 26 °23 شمال خط الاستواء) المأهولة و المنتجة بفضل المعالجات العلمية و الكفاءات المعرفية للمتخصصين في العلوم الموجهة لشأن التصحر من كل أوجهه و مثلها في ذلك صحاري أمريكا اللاتينية من تشيلي و الأرجنتين و الباراغوي و جنوبي البرازيل المنتشرة على خط مدار الجدي. تجارب

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

مذهلة أعطت نتائج أكثر من رائعة و استطاعت أن تقلل من التحول السريع للتربة الخصبة إلى صحراء في أنحاء مختلفة من العالم و من انحسار الأرض وزحف الصحراء الذي بات مصدر قلق و هاجسا بيئيا عالميا بارزا.

إن تفكيرا بحجم “السور الأخضر” الذي يمتد من شواطئ المحيط الأطلسي إلى ساحل البحر الأحمر هو تفكير مستلزم من منطلق إدراكه بل و مستوجب للتقدير و داعي إلى الاعتبار و التبني بناء على جديته وتجسده ماديا على امتداد السبعة آلاف كيلومتر التي تمخر عباب كل البلدان المعنية في أوسع جزء من عرض القارة مشكلة طوله و منطقية تقليص عرضه ضيق إلى 15 كيلومترات فقط.

و لكن تحويل الفكرة إلى واقع تضطلع هذه البلدان بمهمة تجسيده و ترجمته سورا ناطقا بالإرادة و قائما على أرضها مناطق تنبض بغطاء نباتي منتشر فيكبح جماح الرمال المتحركة و يخلق فضاء صالحا للحياة بكل معانيها من حيث وجود الماء و إعادة ظهور منتجعات خصبة تحافظ على الثروة الحيوانية، تضاعف أعدادها و ترفع إنتاجها. تجارب خاضها أهل بلدانها بدافع الاعتزاز بالوطن و الرغبة الجامحة في حمايته من كل خطر قد يتهدده أو يداهمه و بدافع الوطنية المتولدة عن ذلك شعورا حاضرا و سلوكا فاضلا تصاحبا في الممارسة و التطبيق.

و إنه ليس من نافلة القول مطلقا و لا من تحصيل حاصل او الكلام الجزاف الملقى على عواهنه من شيئ بأن الوطنية و الغيرة العفوية، التي من السجية و الفطرة، على الوطن و خصوصياته و أهله و مقدراته و الحفاظ على كينونته و توازنه و ديمومته و كبريائه و شموخه، القيم التي كلها فضائل عالية مبعثها صميم مفهوم الكيان النابض و الدولة المتأصلة السامية و من قيمهما الطبيعية التلقائية الضامنة و الحافظة على توازنها، هي القيم مجتمعة الضعيفة إن لم تكن الغائبة مطلقا في غالب ممارسة و سلوك أهل هذه البلاد صفوة مثقفة و قدوة ريادية و نخبة ثرية و قواعد عريضة تعمر

الأرض و لا تعمرها بما يحفظها و يرفعها و يبنيها و يحميها. و لا يخفى ما لضعف هذه الخصال من انعكاسات سلبية على حركة التنمية البطيئة أصلا و تباين مستويات معيشة السكان الصارخ و انتشار الغبن و الحيف و اتساع الهوة بين الفقراء في بلد غني و بين الأغنياء بالسلب و النهب و البعد عن الاستثمار الإيجابي الذي يتيح فرص التكفير للمغلوبين على أمرهم و الراضين بهوانهم.

و ليس ببعيد عن الذاكرة الحية حزام نواكشوط الأخضر الذي نهبت من جرائه أموال طائلة و ما رد رملا و لا أثمر غابات. و مثله و حيزه الزمني أقرب شريط تثبيت الرمال المتحركة الذي صاحب بناء طريق نواكشوط/نواذيبو. لقد رصدت له ملايين من العملة بهدف أن تثبت أشجاره، التي أعدت لها مشاتل بالعشرات، تحرك الرمال على الإسفلت فتعيق انسيابية الحركة و تعطل عجلة التنمية. فلا حزام نبت و لا رمال متحركة تتوقف إلا بمشيئة الله و تصريفه في الرياح بأمره.

و إن الدولة مطالبة بأن تأخذ العبرة من الماضي ـ الحاضر و أن لا توكل المهمة إلا لوكالة فنية عالية مؤمنة يتم استحداثها بعيدا عن التأثيرات السلبية لـ”لوبيات” المال السهل و الجاه المغتصب و أن تضم بداخلها خبرات أجنبية تكون ملزمة في العقود و تقع تحت طائلة عقوبات محددة عند الإخلال بالمهام الموكلة إليها مقابل أجورها التي يجب أن تتقاضاها وفق المسطرة القانونية المتفق عليها. و هي الخبرات الفنية التي يجب تتضمن بنود العقود معها الإلزام بنقل المعارف و الخبرات الفنية للموريتانيين حتى يتزودوا بما يواصلوا به المشوار و يضمنوا المرودية الكبرى من محاربة التصحر.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى