الرفكة..إلي أين….؟

لكل زمان رفكة للحد من قسوة الظروف المعيشية .. لكن الرفكة هذه المرة شمالا لا جنوبا، ذهبا لا زرعا ،كما كان في الماضي …

في الحاضر عجزا لأحفاد عن تحديث، و تطوير ما تركه الأسلاف، ضاعت سلة الغذاء ـ شَِمَامَة ـ وفشلنا في تعميرها وتسخيرها للبلاد والعباد، بعد نجاحنا المذهل والخاطف في تحقيق النهضة الزراعية عبر الشعارات السياسية و الإعلامية فقط .
عجزنا في الواقع عن خلق سياسات زراعية حقيقية لاحتضان ألاف الشباب الحالمين بالعمل، والعيش الكريم في نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة ،مابين زراعة السدود والزراعة المروية ،وكانت النتيجة الحتمية : أسواقنا المحتاجة مفتوحة علي مصراعيها لنفايات المنتج الأجنبي وبما يشتهون…..

فأين التسيير الرشيد … ؟

وأين السيادة الغذائية ….؟ .

حين عم الكذب، ورفعت الشعارات المضللة ،تواري الممكن والمألوف

بزغ الوهم وأساطير الخيال (الذهب ، والثراء في يوم) ،عجزنا في حفظ الممكن وإبداعنا في صناعة اللا ممكن .
لا احد يستطيع الجزم باستحالة الحصول علي الذهب في فيافي تيرس الفسيحة ،بسبب تضارب الأنباء هناك، إلا أن هناك شكوك مثيرة و متزايدة بوجود خيوط خلفية تحرك قصة الذهب :

ـ إذا كان الذهب موجود بكثرة كما يشاع فالدولة مطالبة في هذه الحالة بتجسيد دورها في حماية الثروة العامة لصالح الأجيال ومصالح الوطن العليا، لتأكيد سيادتها في استخراج الموارد الطبيعية وحفظها ،هذ هو الأصل ،ولو كان الافتراض بوجود الذهب قائما لتم تفعيل هذ الحق في الوهلة الأولي .

ـ الذهب غير موجود وهذ هو الأرجح آو موجود في شكل جزيئات متناثرة ومبعثرة يصعب مع الوقت وازدياد أعداد المنقبين الحصول عليها سطحيا ،و قد لا تساوي حجم الإنفاق الهائل والجهد الجهيد ، في هذه الحالة الدولة مطالبة بضبط حالة الحماس الأعمى والمغامرة المكشوفة لآلاف الشباب والرجال الذين أعياهم الفقر والظلم والحرمان حتى أضحوا كالغريق يستنجدون بكل حيلة ووسيلة .

لكن الدولة علي ما يبدو فضلت تشريع الفوضى ببيع ألاف رخص التنقيب وشغل الناس عن هموم ومشاكل وطنهم لحاجة في نفسها ، وللتخفيف من أزماتها المتراكمة وهي مغامرة أخري قررت الحكومة تدشينها ،علي غرار مغامرات المنقبين، لقد ضخمت حكايات وقصص الذهب بشكل لافت، ليتم استغلالها سياسيا وإعلاميا بشكل مدروس .

يجوز ذالك بل يحدث تلقائيا في امة لا تقبل دفع ضريبة الحياة .. ،امة لا تعي حقوقها الوطنية حتي تحميها… امة تصدق كل الشائعات قبل أن تفكر في تداعياتها ،معتمدة عامل الصدفة والعشوائية في مواجهة الواقع ، لا يريد شعبنا المسكين أن يعمل، لا يريد أن ينتج ،عودته حقب الفساد والتحايل علي رفض التضحية والتدرج في صناعة الحياة ،عودته أن التشغيل والترقية في الوظائف السامية لا يتطلب جهدا و لا كفاءة ،بل إن الكفاءة والمثابرة معمل لصناعة الفشل ، أما الثراء السريع فمصدره الوحيد الصفقات المشبوهة ،والتحايل علي المال العام، هكذا نحتتنا حقب العسكر الحزينة ،لقد تمت برمجتنا علي اللا معقول، تم ترويضنا وتجهيلنا ليسهل الأمر لمن يحكمنا، يوجهنا كيف و متي شاء….؟

وحين تعودنا ذالك السلوك في حياتنا ،في ثقافتنا ، طبيعي جدا ان ينبذ مجتمعنا كل من يعمل بشرف واستقامة .. كل من ينزف عرقا في سبيل العيش الكريم والكسب الحلال .. بدل ذالك أصبحنا نجل كل حقير باع كرامته ودينه بمال مسروق، حقق له الثراء والنفوذ في طرفة عين .

المال إذا غايتنا .. ولا تسأل من أين اكتسب؟ وفيما أنفق؟ ، إنها عقدة المجتمع الناطق بالحسانية مع العمل، يريد دائما رفاهية العيش بالمجان، من يفكر بهذا المستوي طبيعي جدا أن يحلم بالثراء في يوم واحد، أو في ساعة ،لا حرج في ذالك . زراعة الأرض، وجمع معدن الذهب من على سطحها، وجهان للتحصيل والعيش المشروع ، الزراعة أول مظهر من مظاهر تمدن الإنسان، و استقراره في الأرض، وبنائه وتعميره لها، وهي مصدر دائم لكل الحاجات الإنسانية في الدواء ،والملبس ،و الغذاء ،وهي بالإضافة إلي ذالك ثروة متجددة لا تنضب .

أما معدن الذهب فهو معدن نفيس ونادر للغاية اكتشفه شعبنا كوسيلة لتحقيق أمله الوحيد في الثراء السريع، سرعة توازي ترحل البدوي الذي لا يقبل الانتظار والتدرج.

فإذا ثبت وجود الذهب السطحي في منظومتنا الهائلة من الثروات: المعدنية، والزراعية والبحرية، والحيوانية، و (النفطية والغازية المكتشفة أخيرا)، فتأهبوا جميعا وستعدو كما جرت العادة لمزيد من الفقر والظلم والحرمان
اللهم لاتكلنا إلي أنفسنا طرفة عين .

محمد محمود ولد الناه

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى