لا للانقلاب على رئيس اتحاد أرباب العمل

بسم الله الرحمن الرحيم

لم يحدث منذ أن بدأت الكتابة في قضايا الشأن العام أن وقفتٌ في صف رجل أعمال، أيا كان، ويعود السبب في ذلك إلى أني فقير من فقراء هذه البلاد، ويكفي ذلك لوحده لكي لا أحسن الظن برجال أعمالها، بل أكثر من ذلك، فأنا من الذين يرون بأن رجال أعمال هذه البلاد يتحملون جزءا غير يسير من هذا الواقع البائس الذي تتخبط فيه البلاد، ولذلك فإنه من الصعب عليَّ جدا أن أتعاطف مع أي رجل أعمال اختلف بشكل عابر أو دائم مع السلطة الحاكمة.

وأذكر بأني دعمتُ السلطة الحاكمة، ومن النادر أن أدعمها، وذلك عندما قررت أن تفتح ملف رجال الأعمال الثلاثة في نهاية العام 2009، وأذكر أيضا بأني انتقدتُ المعارضة بحدة لما خرجت في مسيرة حاشدة للتعاطف مع رجال الأعمال الثلاثة. لقد كان من الواضح لي ـ ولغيري ـ بأن السلطة قد فتحت ذلك الملف لا لتحارب الفساد وإنما فتحته لأسباب سياسية، ولكن، وعلى الرغم من ذلك، فقد كان الملف ملف فساد واضح، و كان يتعلق بمليارات تم نهبها من أموال هذا الشعب، وبدون وجه حق، ولذلك فقد كان لابد من دعم السلطة، والوقوف معها، في ملف الفساد ذاك حتى وإن كان ملفا مسيسا. ومما يؤكد بأن السلطة لم تفتح ذلك الملف إلا لابتزاز خصومها السياسيين من رجال الأعمال هو أن أحد رجال الأعمال الذين تم سجنهم في ذلك الملف هو نفسه ذلك رجل الأعمال الذي سيتم فيما بعد توشيحه من طرف الرئيس بوسام فارس من نظام الاستحقاق الوطني في مدينة نواذيبو، وذلك بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال الوطني.

لم أتعاطف أيضا مع رجل الأعمال الذي تم توشيحه من طرف الرئيس بوسام “كوماندور” في يوم 28 نوفمبر 2009، وذلك من قبل أن يتهم من بعد ذلك ـ صدقا أو كذبا ـ بالفساد وبالتهرب الضريبي. لم يكن بإمكاني أن أتعاطف مع رجل أعمال متهم بالفساد أو بالتهرب الضريبي، حتى وإن كنتُ اعلم بأن تلك التهم لم توجه له في إطار حرب جادة ضد الفساد، وإنما وجهت إليه بسبب خلافه مع الرئيس.

لم يحدث في السابق أن أعلنتٌ تضامني مع أي رجل أعمال، ولكني اليوم قررتُ أن أعلن عن تضامني مع رئيس اتحاد أرباب العمل، ويمكن تلخيص الأسباب التي جعلتني أتضامن معه في النقاط التالية:

1 ـ لأن السلطة لم توجه له تهما تتعلق بالتهرب الضريبي أو بالفساد، بل على العكس من ذلك، فهو الذي وجه للسلطة تهما بالفساد، وطالب بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضايا تتعلق ب: الثراء السريع لكل الشخصيات العامة والخاصة؛ كشف الأسباب التي تؤدي إلى هروب المستثمرين الأجانب والوطنيين؛ كشف مساطر إسناد الصفقات؛ كشف أسباب إفلاس شركتي ATTM)) و(SAFA) ؛ كشف أسباب تأخر إنجاز طريق روصو- نواكشوط؛ كشف أسباب مغادرة شركة (كلانكور) وشركات التنقيب عن المعادن. إن من يطالب بتحقيق جدي في هذه الملفات الكبيرة يستحق الدعم من فقراء هذه البلاد من قبل أغنيائها، وعلى السلطة أن تتأكد بأنها عندما تُطالب بفتح تحقيق جدي وشفاف في ملفات فساد قد يكون رئيس أرباب العمل ضالع فيها فإننا لن نتأخر للحظة في دعمها.

2 ـ لأنه رفض أن يطلب من رجال الأعمال أن ينفقوا الأموال الطائلة على تجديد ثلث مجلس الشيوخ، وعلى زيارات الرئيس التي كان يقوم بها لبعض الولايات الداخلية، فاتحاد أرباب العمل هو في الأصل منظمة غير سياسية، يجب أن لا تحسب على الأغلبية أو المعارضة، وكل خطوة يتم اتخاذها في هذا الاتجاه تستحق الدعم من كل من يناضل من أجل ترسيخ الديمقراطية في هذه البلاد.

3 ـ لأنه رفض ـ وبقوة ـ عسكرة اتحاد أرباب العمل، ووقف بحزم ضد جعل رئاسة الاتحادات المهنية التابعة لهذا الاتحاد مخصصة للضباط المتقاعدين الذين ظلوا يتقلبون من قبل تقاعدهم في أعلى المناصب العسكرية، وفي أسمى الوظائف الإدارية، ولما تقاعدوا أراد الرئيس أن يحجز لهم أغلب الاتحادات والنقابات الفاعلة في البلاد. إنه على كل من يقف ضد تدخل الجيش في العمل السياسي والنقابي أن يقف ضد عسكرة هيئات اتحاد أرباب العمل.

4 ـ لأنه رفض أن يقدم صورة وردية مزيفة عن الاقتصاد الموريتاني، ورفض أن يقول بأن مناخ الاستثمار في موريتانيا يعيش ربيعا رائعا وهو في حقيقته يعيش صيفا قاسيا. إن تزوير السلطة للأرقام والمؤشرات وإيهامها للمواطنين بأنهم يعيشون في نعيم مقيم هو جريمة في حق المواطنين، وإن كل من يقف ضد تلك الجريمة يستحق الدعم من طرف الجميع.

5 ـ إن رئيس أرباب العمل هو في النهاية مواطن موريتاني، وهو يستحق تضامن الجميع إن هو تعرض لظلم بيِّن وصريح من طرف السلطة الحاكمة، فعندما تتحول هذه السلطة الحاكمة إلى رجل أعمال خفي ينافس رجال الأعمال في الصفقات وفي المقاولات، ويضايق الكثير منهم في أرزاقهم وفي أعمالهم، وحتى في مناصبهم الشرفية التي تمنحها لهم دول أخرى، فعندها يكون من واجبنا جميعا أن نقف في وجه هذه السلطة، وأن نمنعها من الانخراط الفاضح في السمسرة والمقاولات. وإذا ما أرادت السلطة أن تتحول إلى رجل أعمال فسنبارك لها ذلك التحول، وسندعمها حتى يتم انتخابها رئيسة لاتحاد أرباب العمل، ولكن عليها في هذه الحالة أن تترك لأشخاص آخرين لا يشتغلون في المقاولات، ولا يبحثون عن كسب المزيد من الصفقات مهمة إدارة شؤون البلاد.

6 ـ هناك حجة سليمة في ظاهرها، رفعتها السلطة في خلافها مع رئيس أرباب العمل، وتتعلق هذه الحجة بضرورة احترام الآجال القانونية في تجديد رئاسة اتحاد أرباب العمل. إننا مع السلطة في ضرورة تجديد هيئات الاتحاد، ولكننا لسنا معها في ابتزاز رجال الأعمال، ولا في تخويفهم وهم الجبناء أصلا، ولا في التدخل المباشر في خياراتهم وفي ممارستهم لحقهم النقابي الذي يكفله لهم الدستور الموريتاني.

إن اللجنة التنفيذية للاتحاد المشكلة في غالبيتها من رؤساء النقابات المهنية كانت قد اختارت رئيس الاتحاد الحالي مرشحا لخلافة نفسه في اجتماعها في الخامس من أكتوبر من العام 2015، وهو الاجتماع الموثق بمحضر رقم 007/2015. بعد ذلك بدأت السلطة تمارس ضغوطها على رؤساء النقابات المهنية، إلى أن وصل الأمر إلى أن استدعاهم الوزير الأول في مكتبه، وطلب منهم في خرق سافر للدستور ولمواده المنظمة للعمل النقابي أن ينقلبوا على رئيسهم وأن ينتخبوا رئيسا غيره، وإلا فإن الحكومة لن تتعامل مع اتحادهم، بل أكثر من ذلك فقد وعدهم بحل اتحادهم وبتشكيل هيئة جديدة لأرباب العمل إن رفضوا الانقلاب على رئيسهم.ولما اعترض أحد رجال الأعمال على ذلك رد عليه الوزير الأول بالقول بأنه لا توجد في هذه البلاد ديمقراطية، وبأن عدم الاستجابة لأوامره سيكلف رجال الأعمال غاليا. ينقل أيضا عن الوزير الأول بأنه قال بأن رئيس الاتحاد الحالي أخطر على الدولة من القاعدة، وهذا يترتب عليه أن يحارب هذا العدو الأخطر من القاعدة بكل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة.

وتبقى كلمة

هذه ليست شهادة تزكية لرجل أعمال في خلاف قد يطول أو يقصر مع السلطة الحاكمة، وما أنا على استعداد لأن أزكي أي رجل لأعمال. هذا مجرد موقف أسجله من خلاف قائم بين رجل أعمال وسلطة حاكمة، وهو الخلاف الذي كانت فيه كل مواقف رجل الأعمال تحسب له، وكانت كل مواقف السلطة تحسب عليها.

لم أقتنع بضرورة اتخاذ موقف محايد من هذا الخلاف القائم، وذلك بحجة يسوقها بعض المدونين والكتاب المعارضين، مفادها بأنه ليس من السليم أن نقف في صف أي شخص من موالاة الرئيس إذا ما تعرض ذلك الشخص ـ لسبب أو آخر ـ لظلم بيِّن من طرف الرئيس. إن هذا الموقف يضع أصحابه في مأزق أخلاقي، فهم ينتقدون السلطة لأنها لا تمنح الوظائف والامتيازات إلا لمن يواليها وتحرم من يعارضها، فهل يليق بمن يستنكر ذلك، أن لا يتضامن مع من ظلمته السلطة وذلك بحجة أنه لم يكن معارضا للسلطة من قبل تعرضه لذلك الظلم؟

إنه من حقنا أن نرفض التضامن مع أي مواطن كان يُحسب على فسطاط الموالاة إذا ما فتحت له السلطة ملف فساد، حتى وإن كان فتح ذلك الملف قد جاء بسبب خلاف سياسي، لا في إطار محاربة جادة للفساد، ولكنه في المقابل، لا يحق لنا أن نبخل بذلك التضامن عن مواطن كان يُحسب على فسطاط الموالاة اختلف مع السلطة، وكانت كل محطات خلافه مع السلطة تُحسب له لا عليه.

ذلك من الناحية الأخلاقية، أما من الناحية السياسية فإنه على المعارضين أن يعملوا من أجل توسيع دائرة الخلاف بين أركان النظام، خاصة في مثل هذه الأوقات التي تغيب فيها أنشطة احتجاجية ونضالية للمعارضة الموريتانية.

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

elvadel@gmail.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى