نجا من محاولتي أغتيال من الجو

1-229.jpg
إسطنبول ـ «القدس العربي»: خلال ساعات فقط، تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من السيطرة على محاولة انقلاب عسكري كبيرة قادها عدد من كبار ضباط الجيش التركي، في حين ما زالت القوات الموالية للرئيس تحاول السيطرة على الجيوب المتبقية التي تسيطر على مرافق سيادية وهامة في اسطنبول والعاصمة أنقرة.
محاولة الانقلاب التي بدأت في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، أدت إلى مقتل 161 من قوات الشرطة التركية المولية للرئيس والمدنيين، وإصابة 1440 آخرين، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 100 من قوات الجيش التي حاولت تنفيذ الانقلاب، في حين ألقت قوات الأمن القبض على قرابة 3 آلاف من عناصر وقادة وحدات الجيش الانقلابية.
وفي إعلانات متعددة أجمع أردوغان ورئيس وزراءه بن علي يلدريم وعدد من الوزراء على أن محاولة الانقلاب «باءت بالفشل» وأن الوضع منذ صباح يوم السبت «تحت السيطرة التامة»، في محاولة لطمأنة الشارع الذي سادته حالة غير مسبوقة من الخوف على أمنه ومستقبل البلاد. وأعلن قائد الأركان بالنيابة الجنرال اوميت دوندار «احباط محاولة الانقلاب».

بداية دراماتيكية

مع قرابة الساعة العاشرة من مساء يوم الجمعة، انتشرت قوات كبيرة من وحدات الجندرما (أحد أقسام الجيش التركي)، على جسري البوسفور ومحمد الفاتح اللذان يربطان شقي مدينة إسطنبول الأوروبي والآسيوي، وقامت هذه القوات بإغلاق مداخل الجسرين في كلا الاتجاهين الأمر الذي تسبب بأزمة مرورية خانقة وفتح باب التكهنات سريعاً حول وجود حدث استثنائي في البلاد.
وخلال دقائق قليلة فقط، تدفقت مئات الدبابات والعربات العسكرية المدرعة إلى شوارع مدينتي اسطنبول وأنقرة العاصمة، وتركز الانتشار حول قصر الرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس النواب في العاصمة، والمراكز الحيوية والهامة في مدينة اسطنبول.
وبالتزامن مع ذلك بدأت طائرات حربية من طراز اف 16 وطائرات عسكرية مروحية بالتحليق على ارتفاعات منخفضة في أجواء المدينتين، قبل أن تطلق عدة صواريخ على مقر الأمن الرئيسي وسط العاصمة، ومقر تابع للمخابرات العامة شرق أنقرة الأمر الذي أدى إلى مقتل 17 من عناصر الجهاز الأكثر قرباً للرئيس، كما أغارت الطائرات عدة مرات على مقر البرلمان ومحيط القصر الرئاسي، في حين أطلقت الطائرات المروحية النار على عشرات آلاف المتظاهرين الذي هبوا للتصدي لمحاولة الانقلاب.
جاء ذلك قبل اقتحام جيش الانقلاب مقر الفضائية الرسمية وإجبار إحدى مقدمات الأخبار على بث بيان أعلنوا من خلاله سيطرتهم على البلاد وتطبيق منع التجوال والأحكام العرفية «من أجل حماية الديمقراطية وضمان ترميم النظام الدستوري وحقوق الإنسان والحريات» وبيان آخر باسم الجيش التركي تم تكذيبه لاحقاً والقول إنه «مزور».

نجاة أردوغان من محاولتي اغتيال

بعد قرابة ثلاث ساعات على بدء محاولة الانقلاب، ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم يكن معروف مكان إقامته في مكالمة هاتفية عبر الانترنت مع إحدى القنوات الفضائية التركية، معلناً عدم خضوعه لمحاولات الانقلاب، ووجه نداء إلى أنصاره بالنزول إلى الشوارع والمباني الحكومية لـ»حماية الديمقراطية».
أردوغان الذي تكهنت مصادر تركية بوجوده خارج البلاد وتبين لاحقاً أنه كان يقضي عطلة في أحد المنتجعات بمدينة مرمريس التركية غادر وفي مخاطرة لم يتوقعها أحد نحو مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول الذي سيطرت عليه وحدات من جيش الانقلاب واضطرت لاحقاً للانسحاب تحت ضغط الجماهير التي تدفقت بعشرات الآلاف نحو المطار لاستقبال الرئيس.
وعلى الرغم من خطر تعرض الطائرة للإسقاط من الطائرات الحربية التي سيطرت عليها قوات الانقلاب، إلا أن أردوغان وصل المطار على وقع تحليق منخفض للطائرات الحربية التي شنت غارة بجانب المطار، قالت وسائل إعلام تركية إنها كانت عبارة عن محاولة اغتيال للرئيس فور وصوله للمطار.
وتبين لاحقاً أن أردوغان تعرض لمحاولة اغتيال قبل ذلك بقرابة الساعة فقط، حيث قصفت الطائرات مقر إقامته الذي غادر منه متوجهاً لإسطنبول، وأكد أردوغان ذلك، وقال رئيس الوزراء إن «خطأ في توقيت الغارة» حال دون نجاح عملية الاغتيال، وأكدت مصادر طبية مقتل 2 من رجال الأمن والحماية الخاصة بالرئيس في تلك الغارة.
الشعب والشرطة ينتصران على الجيش
وعلى دوي الغارات الجوية والانفجارات بدأت الاشتباكات تتسع بين مئات الآلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم ومعارضي محاولة الانقلاب الذين نزلوا إلى الشوارع والميادين عقب خطاب أردوغان، وبين قوات الجيش التي أطلقت النار بشكل مباشر وأردت المئات منهم بين قتيل وجريح.
ومع ساعات الفجر الأولى بدأت الوحدات الخاصة في الشرطة التركية ومنتسبي جهاز المخابرات العامة الأكثر قرباً وولاء للرئيس بمواجهات مسلحة مع قوات الجيش تمكنوا من خلال من استعادة العديد من المواقع التي سيطر عليها الانقلابيون خاصة مقر التلفزيون الذي أعاد نشر بيان رسمي يعلن فشل محاولة الانقلاب.
تدريجياً تمكنت القوات الموالية من توسيع استعادتها للمقرات التي سقطت بيد الانقلابين وبُثت عشرات مقاطع الفيديو والصور للشرطة المدنية والقوات الخاصة وهي تعتقل عناصر من الجيش، وأخرى لمواطنين قطعوا الطرق على الدبابات بأجسادهم وآخرين تمكنوا من السيطرة على عناصر الجيش وضربهم بالعصي.
القوات الموالية وعلى الرغم من تمكنها من كسر الزخم الأساسي والقوة المركزية للانقلاب، إلا أنها لم تتمكن بعد من بسط سيطرتها على جميع المقرات وفرض الأمن في عــمــوم البلاد، حيث ما زالت قوات من جيــش الانقــلاب تسيطر على مقرات حيوية وهامة في اسطنبول والعاصمة أنقرة.
وبالتزامن مع حصار قوات الشرطة الخاصة للمقرات التي يسيطرون عليها، سلم المئات من الانقلابيين أنفسهم تحت تهديد السلاح وفقدان الاتصال بالقيادة ودخولهم في حالة إحباط في ظل الإجماع الكبير على فشل محاولة الانقلاب وانعدام إمكانية نجاحها.
كما أن الرئيس التركي ورئيس وزراءه ووسائل الإعلام الحكومية استمرت حتى مساء السبت في مطالبة الجماهير بالبقاء في الشوارع وعدم ترك الميادين في مؤشر على أن هناك تخوفات من تجدد محاولات الانقلاب من قبل وحدات أخرى من الجيش. وكتب أردوغان على تويتر: «علينا أن نبقى مسيطرين على الشوارع لأنه ما زال من الممكن قيام موجة تصعيد جديدة»، كما أرسلت رسائل نصية على هواتف المواطنين موقعه باسم الرئيس تحث الجماهير على البقاء في الشارع.

مدبرو وقادة الانقلاب

أجمع كبار المسؤولين الأتراك على اتهام الداعية الإسلامية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن الذي يعتبر عدو أردوغان الأول بالمسؤولية عن تدبير الهجوم، لكن غولن رد مؤكدا «أنفي بصورة قاطعة مثل هذه الاتهامات»، في بيان صدر من الولايات المتحدة. وقال «من المسيء كثيرا بالنسبة لي كشخص عانى من انقلابات عسكرية عديدة في العقود الخمسة الماضية، أن اتهم بأنني على أي ارتباط كان بمثل هذه المحاولة».
لكن وسائل إعلام تركية أجمعت على أن الكولونيل محرم كوسي المستشار القانوني لرئيس الأركان الجنرال خولصي آكار هو القائد الأول لمحاولة الانقلاب، موضحةً أنه قاد عملية الانقلاب الفاشلة بدعم من حوالي 45 ضابطاً رفيع المستوى، لافتةً إلى أن كوسي هو من الموالين لجماعة الخدمة التي يتزعّمها الداعية غولن.
يُذكر أن أردوغان يتهم جماعة الخدمة بالسيطرة على مفاصل القضاء التركي من خلال عناصر تابعة لها، مشكلةً بذلك ما يُسميه بـ»الدولة الموازية»، وهي العناصر نفسها التي يُرجّح أنها ساعدت كوسي على الخروج بريئاً من التحقيق الذي فتح عام 2003 حسب صحيفة أكشام.
ونفذ الجيش التركي ثلاثة انقلابات حتى الآن في 1960 و1971 و1980، وفي 1997 أرغم حكومة منبثقة من التيار الإسلامي على التنحي بدون إراقة دماء. كما أن هناك توترات منذ فترة طويلة بين الجيش الذي يعتبر نفسه حاميا لعلمانية الدولة التركية وبين حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية المحافظة.
ولم تكن محاولة الانقلاب مدعومة من شريحة واسعة من كبار قادة الجيش، حيث تعاقب كبار القادة العسكريين الذين يلزمون عادة التكتم الشديد ونادرا ما يتكلمون إلى الصحافة، على الاتصال طوال الليل بالمحطات التلفزيونية للتنديد بـ»عمل غير شرعي»، داعين الانقلابيين إلى العودة فورا إلى ثكناتهم.
والسبت، أعلنت هيئة رئاسة الأركان اليونانية، عن عزمها إعادة المروحية العسكرية التركية، التي حطت في مدينة «أليكساندروبولي» اليونانية المحاذية لحدود تركيا، وعلى متنها 8 من قادة محاولة الانقلاب، وذلك عقب تصريحات لوزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، قال فيها: «طلبنا من اليونان فورا إعادة 8 من العسكريين الخونة، الذين فروا إليها بمروحية».
الجيش التركي ثاني أكبر جيوش الناتو
وفاجأت محاولة الانقلاب التي قامت بها شعبة من الجيش التركي الذي يعد ثاني أكبر جيوش حلف شمال الأطلسي بعد الجيش الأمريكي العالم، وذلك بسبب الاعتقاد السائد أن أردوغان نجح في ارضاخ الجيش الذي يعتبر نفسه الدرع الحامي للعلمانية.
ويضم الجيش التركي 510600 جندي بتراجع عن 800 ألف في 1985 ويعتبر أحد أفضل الجيوش تدريبا في العالم. وخلال السنة الماضية، زج الجيش بقسم كبير من قواته لمحاربة انفصاليي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد، ونفذ غارات على المعاقل الخلفية لهذا الحزب في شمال العراق.
وتفيد أرقام المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية للعام 2016 أن الجيش التركي يعد 402 ألف جندي بينهم 77 ألفا من المحترفين و325 ألفا من المجندين في القوات البرية، و48600 جندي في البحرية و60 ألفا في سلاح الطيران. يضاف إلى هؤلاء أكثر من مئة ألف من قوى الدرك أو الشرطة شبه النظامية التي تتبع لوزارة الداخلية بدلا من وزارة الدفاع، وفقا لأرقام العام 2015.

إدانات دولية وعربية واسعة

وأدان قادة وزعماء ومسؤولون بارزون ومؤسسات ومنظمات وجماعات من شتى أرجاء العالم، «بأشد العبارات» المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، كما خرجت مسيرات شعبية في تركيا، وفي عدد كبير من دول العالم، للتنديد بتلك المحاولة، مهنئين الشعب التركي وحكومته ورئيسه رجب طيب أردوغان بـ»الانتصار على الانقلابيين».
واتفق الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري، على أهمية «دعم جميع الأطراف للحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً، وممارسة ضبط النفس وتجنب العنف وإراقة الدماء»، بحسب بيان للبيت الأبيض.
دعت الحكومة الألمانية، إلى «وجوب احترام النظام الديمقراطي في تركيا»، بينما قال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «تحدثت للتو مع وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو لتأكيد دعم المملكة المتحدة للحكومة والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا».
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان نقلته وسائل إعلام فرنسية محلية، إنها «تدعو إلى تجنب العنف واحترام النظام الديمقراطي» في تركيا، مضيفة أنها «تتابع ببالغ القلق الوضع في تركيا». بجانب إدانات أخرى من اليونان والصين وأذربيجان والبرلمان الأوروبي وكندا والنمسا والمجر وبلجيكيا وبلغاريا.
كما نقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، قوله إن «المملكة العربية السعودية تابعت بقلق بالغ تطورات الأوضاع في جمهورية تركيا الشقيقة، والتي من شأنها زعزعة أمنها واستقرارها والمساس برخاء شعبها الشقيق»، مضيفة «ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي».
وأجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالا هاتفيا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ هنأه على التفاف الشعب التركي حول قيادته ضد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، معرباً عن إدانته واستنكاره الشديدين لهذه المحاولة الفاشلة ووقوف دولة قطر، قيادة وشعبا، وتضامنها مع الجمهورية التركية.

القدس العربي


محمد ولد الشيباني

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى