الديموقراطيات وأشكال إدارات الانتخابات / شيخنا محمدي الفقيه

يتجسد نظام الحكم الديمُقراطيّ الحديث في سلطة ممثّلي الشعب المنتخبين، وقد سارت موريتانيا ولله الحمد في طريق الحكم الديموقراطي بشكل حثيث منذ إقرار التعددية السياسية والحزبية قبل ربع قرن، وعززت الحكم الديموقراطي بإصلاحات كبيرة في العام 2012 حيث وصلت إلى مكانة متقدمة في محيطها
العربي والإفريقي في مقاييس الديموقراطية والحكامة الرشيدة. وكما هو معروف فإن النظام الديموقراطي يقوم على آليات متنوعة تشمل الانتخابات والتعددية والتناوب وتفعيل دور المؤسسات لفتح المجال أمام المشاركة الشعبية الواسعة في النظام السياسي وإقامة دولة القانون والمؤسسات الحديثة التي تمثل كافة أفراد الشعب ومكوناته انطلاقا من فكرة السيادة الشعبية والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.
ولنأخذ على سبيل المثال آلية الانتخاب ودورها في إطار النظام الديموقراطي، فهذه الآلية أو الفكرة كما نعلم أثبتت أنها الأجدى للاختيار والحكم التمثيلي، وقد قام الانتخاب في الإغريق بأثينا القديمة سبعة قرون قبل المسيح حيث مهد فكرة حكم الديموقراطية والانتخاب التي تطورت فيما بعد وتعززت بفكرة الشورى في الإسلام وتوسعت مع ترسخ نظرية السيادة الشعبية عندما أصبح المواطنون سواسية في ممارسة حقوق الترشح والانتخاب.
إن الديمواقراطية تقوم إذا على الانتخاب وتقتضي الاحتكام إلى صناديق الاقتراع حيث يشارك كافة المواطنين لاختيار رئيس الجمهورية والنواب في البرلمان وأعضاء المجالس البلدية. ومن هنا فإن الجهة (الإدارة الانتخابية) التي تقوم بتنظيم هذه العملية تلعب دورا حاسما في بناء الديمقراطية وتعكس بجلاء مدى ديموقراطية العملية السياسية برمتها حيثما كانت ودرجة الشفافية والمصداقية التي تحظى بها لدى المعنيين من أفراد الشعب وبالنسبة للدارسين والمراقبين.
وبصفة عامة تعرف الإدارة الانتخابية بإنها المؤسسة أو الهيئة المسؤولة قانونا والتي يتحدد الهدف من قيامها في إدارة بعض أو كافة الجوانب الأساسية لتنفيذ العمليات الانتخابية و الاستفتاءات على مختلف أنواعها. وتسمى الجهة التي تدير الانتخابات بالإدارات الانتخابية أو اجهزة الإدارة الانتخابية أو Electoral Management Bodies EMBs بالانجليزية أو Organes de Gestion Electorale OGE باللغة الفرنسية.
وتوجد في وقتنا الراهن في العالم ثلاثة أشكال رئيسية للإدارة الانتخابية هي : الإدارة الانتخابية المستقلة، والإدارة الانتخابية الحكومية والإدارة المختلطة. وغني عن البيان أن بلادنا اتخذت شكل الإدارة الانتخابية المستقلة منذ العام 2012 بمناسبة الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن انتخاب السلطات الوطنية الحالية. وبالإضافة إلى بلادنا تأخذ دول عديدة بهذا الشكل من أشكال الإدارة مثل: أرمينيا، أستراليا، أستونيا، أندونيسيا، أورغواي، بوركينافاسو، البوسنة والهرسك، بولندا، تايلاند، جنوب أفريقيا، جورجيا، فلسطين، كندا، كوستاريكا، ليبيريا، موريشيوس، نيجيريا، الهند واليمن.
وتحتل الإدارات الانتخابية المستقلة والدائمة مكانة بارزة من بين النماذج الأفضل في الدول التي عرفت إصلاحات ديموقراطية وانتخابية. ولاشك أن أجهزة الإدارات الانتخابية الدائمة كما جاء في دراسات حديثة (شملت 49 دولة) أقل تكلفة وأكثر فاعلية واحترافية في تنظيم الانتخابات بالمقارنة طبعا مع أجهزة إدارة الانتخابات المؤقتة.
أما الإدارة الانتخابية الحكومية: فإن من البلدان التي تعتمد هذا الشكل في إدارة الانتخابات كل من بريطانيا (فيما يتعلق بالانتخابات فقط وباستثناء الاستفتاءات)، تونس، الدنمارك، سنغافورة، سويسرا، نيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي كل من بريطانيا، السويد، سويسرا والولايات المتحدة يعهد للسلطات المحلية تنظيم وإدارة العمليات الانتخابية، مع العلم أن الإدارة الانتخابية الوطنية في كل من السويد وسويسرا تضطلع بمهمة وضع وتنسيق السياسات الانتخابية العامة.
أما نموذج الإدارة المختلطة فيوجد فيه عادةً مكونان رئيسيان يشكلان تركيبة مزدوجة للإدارة الانتخابية: حيث نجد هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية تعنى بوضع السياسات الانتخابية العامة والإشراف على الانتخابات (كالهيئة الانتخابية العاملة في ظل الإدارة المستقلة)، ونجد بموازاة ذلك هيئة انتخابية تنفيذية تعنى بتنظيم الانتخابات وإدارة القعاليات الانتخابية وتتبع لإحدى الوزارات أو للسلطات المحلية (كما هي الحال في الإدارة الانتخابية الحكومية). وفي ظل هذا الشكل تقوم الإدارة الحكومية بتنظيم وتنفيذ العمليات الانتخابية، وذلك بإشراف من قبل الإدارة المستقلةـ وهو شكل ربما تمثله إلى حد بعيد الإدارة الانتخابية التي عرفتها بلادنا في عامي 2006 و 2007. يستخدم هذا الشكل من الإدارة الانتخابية في كل من أسبانيا وفرنسا واليابان، بالإضافة إلى العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة، خاصةً في غرب القارة الأفريقية، مثل توغو والسنغال ومالي.
لقد أدركت موريتانيا مبكرا دور وأهمية الإدارات الانتخابية في تعزيز وتكريس الديموقراطية، ولا شك أن دور هذه المؤسسات أو الأجهزة المستقلة بات واضحا حيث لا غنى عنها في إطار الحكامة والفاعلية وإدارة العملية الديموقراطية بكل احترافية واقتدار.
من/ موريتانيا الآن


إضافة: إميه ولد أحمد مسكة

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى