انتصارا للعربية ردا على “معركة التعريب في موريتانيا”

لا يبرر الاحتماء بالعربية الانتقاص من أحد، كما أن التهجم على الآخرين لا يرفع همة لأحد.. مرة أخرى يطل علينا مراسل مجلة “الخليج” بتقرير يشتمل على مغالطات تجافي الحقائق، وتسعى لتمرير أفكار عاطفية لا تمت إلى الحقيقة بصلة. بل أكثر من ذلك يذهب صاحبنا للإساءة والتهجم على شرائح من مجتمعنا غير آبه بالموضوعية والنزاهة التي ينبغي أن تطبع أي عمل إعلامي يهدف لخدمة الحقيقة وتنوير الرأي العام والابتعاد عن الانحياز، خدمة للتعايش والوئام.

لن يكون المختار سالم مُوفقا إذا ما تصور أن مجلة “الخليج” واسعة الانتشار تصلح مطية لنشر معلومات محرفة، بقصد إرضاء أطراف تجد في تصوير موريتانيا وفقا لما يحلو لأهوائها بشريا وثقافيا وتاريخيا متنفسا للوجود، والتعبير عن الذات.

اغتنم صاحبنا الذكرى ال44 لأحداث 1966 للتأصيل لصراع عاشته النخب الموريتانية في تلك الحقبة، ولا تزال آثار تلك الصراعات مستمرة ليومنا هذا. لعجز الدولة عن وضع حلول ناجعة تخرجنا من دوامة التناحر على مناهج التعليم.

و قد انحاز المختار سالم انحيازا بالغا خرج به عن الاعتدال في تناول أزمة “التعليم والتعريب في موريتانيا.” وصل به حد الربط بين “إشكالية التعريب في موريتانيا” وأحداث 1989، وهو ربط لا يصمد أمام النقد، إلا إذا كانت هذه الأحداث استخدمت – كما يرى البعض- للقضاء على غير العرب من مواطنينا. لأن أحداث 89 وما تلاها من تصفية عسكرية تعود جذورها إلى معاقبة الضباط الزنوج في محاولة انقلاب 87 في ذويهم وأوساطهم الاجتماعية في عقاب جماعي طال النساء والأطفال والممتلكات.. و لا علاقة لذلك بالعربية، ولا أعتقد أن لها مصلحة في التنكيل والترحيل اللذين حصلا في تلك الفترة. مع أن الشرارة الأولى للأحداث تنسب لمزارع ومنم تم استغلال الأزمة لأغراض عرقية لا علاقة لها باللغة العربية إطلاقا. فما الذي يعتمد عليه المختار السالم في هذا الإسناد والتأصيل؟ غير المغالطة والتضليل.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وقبل الدخول في تفاصيل التعليق.. لابد من الوقوف برهة عند الإحصائيات التي يعتد بها مراسل “الخليج” حين يقول إن العرب في موريتانيا تبلغ نسبتهم 84 بالمائة. ويضيف في استهجان غريب أن مكونات الشعب الموريتاني الثلاثة المتبقية مجتمعة لا تتجاوز 16 بالمائة….. فهذا الإحصاء لا أساس له من الصحة، وينم عن النية القائمة في تقزيم فئات من المجتمع كان على صاحبنا أن يتحاشاه.

ومع ذلك، فكيف يتجاهل فئات من الشعب في مواضع عدة من البلاد.. تتكلم لحد الآن لغتها الأمازيغية أو “الزناكية”؟ كما هو الحال في القبائل “تندغة ودابلحسن وانديجغورار” ويَعمد إلى تعريبها وفقا للإرادة الرسمية القائمة منذ نشأة موريتانيا في دفن هذه الثقافة التي لا تزال مشهودة. و يُكرَه أهلها على “العروبة” بترويعهم من ماضيهم.

وما يتعلق بالأذهان من انتقاص لهذه الشريحة. أُورد هذه الحقيقة التي لا يمكن إنكارها موازاة لما ورد في التقرير “وإذا كانت نسبة 84% من سكان البلد تشكل اللغة العربية لغتهم الأم المنطوقة من الولادة إلى اللحد”.

زد على ذلك تصنيف “الحراطين” على أنهم عرب وهو أمر تفنده الثقافة المحلية السائدة. كما ترتفع أصوات من ذات الشريحة ترفض هذا الاحتواء وتطالب بالاعتراف بها كعنصر وطني مستقل، وتعتبر التصنيف القائم والذي ترى فيه إقصاء للحراطين الذين لا تربطهم بالقبيلة السائدة إلا الماضي الاستعبادي الأليم. كما ورد في رسالة ساموري ولد بي الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والتي طلب من خلالها باعتماد شريحة “الحراطين” نمطا ثقافيا مستقلا.

وبخصوص الاقتباسات الانتقائية التي اختارها الكاتب من بيان “التسعة عشرة” ليأخذ خطاب الأزمة الذي تبناه المتذمرون من “سياسة التعريب الإقصائية التي انتهجتها الدولة الموريتانية وقد فهم أولائك المحتجون على أن ملف العربية اتخذ أداة لإقصاء بعض الشرائح الوطنية. وهو الأمر الذي نشهده اليوم في كثير من قطاعات الدولة يُرفض فيها تعيين الأطر “الزنوج” خاصة لأنهم لا يتقنون العربية وهو ما تعرضنا له سابقا في “قضايا عادلة”، أقصد حادثة “إلغاء المدعي العام لدى محكمة نواكشوط تعيين مفوض للشرطة القضائية لدى المحكمة بولاية انواكشوط بحجة أن الأخير لا يُتقن العربية”.

لا يمكن تجاهل أن نشأة أزمة التعريب في موريتانيا عائدة إلى تسييس التيارات القومية لهذا الملف، وهو ما نتج عنه رفض الشرائح الوطنية الأخرى فرض التعريب لاحتوائها وإقصاءها كما حصل. فمن لا يعلم “أضحوكة باكولوريا “الصفر” المعروفة بالحرف اللاتيني بكالوريا(0) الذي اتخذته الدولة سبيلا لترقية فئة معينة وتأهيلها لدخول الجامعة، أو التحصل على الوظائف الموازية لهذه الشهادة دون أية جهود أو مستويات. وهو ما انعكس على مستويات التعليم في البلد خلال السنوات الأخيرة بشكل مأساوي.

إن أزمة اللغة العربية في موريتانيا تعود في الأساس في نقطتين جوهريتين هما:

محاولة إظهار السود الموريتانيين على أنهم أعوان المستعمر وورثته.

والثانية، اعتماد التيارات القومية العربية في موريتانيا استيراتيجية الاستفادة من العون للمد القومي في ليبيا والمشرق والخليج…. وتخوين السود الذين يشكلون جزءا من المد الفرانكوفوني في البلاد. كما يعتمد هذا التأزيم المقصود على تجاهل أن الدولة الموريتانية وضعت نصيبا في تشريعها ومناهجها العلمية حظا للغة الفرنسية وليست موريتانيا نشازا من دول العالم الثالث والعالم العربي في هذا المضمار. فلماذا لا تعاني باقي دول المغرب العربي من ذات الأزمة التي نعيشها في موريتانيا إزاء التعريب والتوظيف؟ ولما تحظى اللغة الانجليزية بعناية فائقة في المشرق العربي وبلدان الخليج؟ ألا يوحي هذا بما أريد بالعربية في موريتانيا.

ومن ناحية أخرى نجد الحصار المطوق على اللغات الوطنية عائدا في الأساس إلى محاولة فرض القوميين العروبيين على الناطقين بهذه اللغات تدوينها بالحرف العربي مقابل عناية رسمية بفعل نفوذهم وسيطرة على مراكز القرار.

حين يقول المختار السالم “لم يقف بيان “التسعة عشر” عند هذه الوقاحة اتجاه اللغة العربية” فهو يحاول تصوير السود الموريتانيين على أنهم أعداء للعربية متجاهلا أن المعركة قائمة في الأساس على الأهداف المعلنة جزئيا والمبطنة في آن من وراء التستر وراء العربية لأغراض سياسية. تهدف في الأساس إلى الإقصاء وتذويب “الهويات الخصوصية”. ويعلم الجميع محاولات التلاعب في الأوراق الرسمية التي يقع السود الموريتانيين ضحية لها.بإضافة كلمة “ولد” التمييزية لوصفهم في الوثائق الرسمية وهو ما لا ينطبق عليهم في الحقيقة.

وعلى أية حالة فإن العربية في موريتانيا لا تطرح إشكالا بذاتها كما يريد البعض أن يسوق لذلك. وإنما يأتي الصراع على خلفية المضامين من الهوية المبنية على التعربيب والهادفة إلى تكريس نمط انحيازي لمفهوم المواطنة في موريتانيا الدولة الأمر الذي يظهر جليا في محاولات إظهار موريتانيا كمنظومة عربية خالصة في التمثيل والتعيين. بل إن رغبة التيارات القومية هو بناء طبقية على هذا الأساس. وهذا ما يظهر جليا من كتابات هذا التيار التي يحاول أصحابها في غالب الأحيان تحريف التاريخ.ِِِِِِِِ

أما في الخاتمة التي أعدها المختار السالم والتي جاء فيها “ان الجهة الوحيدة التي لم تغلق باب التوظيف والاكتتاب أمام الدارس باللغة العربية هي تنظيم القاعدة” فأعتقد أن لا علاقة للغة العربية بالعنف والتشدد!!!!! إن العربية تحظى في موريتانيا بعناية شعبية لا مثيل لها في الأقطار العربية.

و في الأخير فليعلم المختار أن الاعتزاز بالعربية والانتصار لها في موريتانيا لا يأتي إرضاء لأمريكا أو إغضابا لفرنسا وإنما لإيمان عميق من كل الموريتانيين بأنها جزء من هويتنا وحضارتا…… وفي نفس الوقت ليست العربية كل حضارتنا.

نواكشوط، 20 فبراير2010

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى