الشيخ ولد مكي الأديب ذائع الصيت

الشيخ ولد محمد ولد مكي، أمه “ورادة” ولد بداية القرن العشرين فسماه أبوه محمد تيامنا باسم الشيخ القاضي بن الحاج ألفغ الإديجبي الذي كان من علماء المنطقة في ضواحي ألاك.

فنشأ كما ينشأ ناشئ الفتيان من قومه وعلمه أبوه مبادئ الدين ومعالي الأمور ومكارم الأخلاق وارسله إلى محظرة “الكحلاء والصفراء” قرأ فيها القرآن ومتون الفقه واللغة.

كان شابا ذكيا و “جبّابا” وكان حسن الخلق حسن السمت، وكان يحسن صنوفا من فن الرقص لا مثيل لها ولكل رقصة تسمية خاصة بها، وكان كث شعر الهامة يدهن شعره بالزبدة المعطرة وينكشه بعود.

وجد الشيخ في محظرة “الكحلاء والصفراء” فتية من أهل “إكيدي” أعجب بنمط حياتهم ومنظومة قيمهم وحين صدروا من المحظرة صحبهم إلى أرض الكبلة، قائلا إنه يريد أن يتعلم أخلاق أهل “إكيدي”، حين وصل الشيخ إلى الكبلة كان مكتمل الفتوة إلا انه إكتشف أن شرطا أساسيا لازال ينقصه، ألا وهو “لغن” فهو “ما يوزن” في مجتمع الوزن فيه شرط أساسي من شروط الفتوة.

لذا ذهب الشيخ إلى محمد ولد هدار وطلب منه أن يعلمه لغن، أجابه أمحمد بأن سيستخير وأن الإستخارة تتطلب ثلاثة ايام، مكث الشيخ ثلاثة أيام في المحصر في عالم من الإدهاش والإثارة متجدد، وبعدها أخبره امحمد ولد هدار أنه قبل أن يعلمه لغن بثلاثة شروط:

أولها أن لا يهجو ” فالشمت أبلا مسنون”، ثانيا أن لايفوت مقصدا قائلا له: ” لا أتعف المقصد”، فكل ما وجدت فرصة فقل لكن أنت حر بعد ذلك في النشر من عدمه، والشرط الثالث: إذا قلت طلعة أو كافا ثم فسره المتلقي تفسيرا يخالف ما قصدته أنت، فأقطع نسبة النص الأدبي إليك فالنص صار إنتاج صاحب التفسير الآخر، إذا قبلت هذه الشروط فسأعلمك ” اكعد امع التركه هون” واكتب كل ما تسمع عندهم وتكاطع معهم واعرض علي كل ما تجود به قريحتك لأقيم من خلاله انتاجك.

وذات ضحوة كان امحمد ناشرا في ظل “كصو” المذرذرة أتاه الشيخ وعرض عليه طلعته: “والدهر ألا حر حر” أطربت الطلعة امحمد فأجازه وقال له: انطلق لقد أصبحت امغني، وقد أصبح الشيخ فعلا امغني، كان ذلك العهد هو العصر الذهبي لأهل انكذي متمثلا في امحمد لعور الذي ملء الدنيا وشغل الناس.

نال رقص الشيخ إعجاب العالية بنت أحمد سالم ولد ابراهيم السالم زوجة الأمير أحمد ولد الديد، ونال إعجاب أهل المحصر، ذهب الشيخ إلى سان لوي “اندر” وكانت دار أهل ابن المقداد عامرة، كان يتاجر نهارا في الشاي “الوركه” وفي الليل يحضر “الهول” عند أهل بن المقداد وربما رقص للندي، يقول له صديقه المختار ولد حمن الملقب الشاعر:

الشيخ ألا كارد منجــــــاع وحد فيه اتبـــــــط لريـــــاح
إظــــــــل اكراع إصوع اكراع وايبات اجناح إصوع اجناح

جمعته دار أهل ابن المقداد بفتيان “المهاجر”: شماد ولد أحمد يوره ومحمد ولد ابن ومحمد ولد محمد اليدالي والمختار ولد هدار والولي ولد الشيخ يب والوالد ولد قطب وغيرهم.

رجع الشيخ إلى إيكيدي وقد جفا الصبا وتحلم ورقت أخلاقه وسمت لغته ومعانيه، فسكن مع أولاد ديمان فاختبروا حلمه ذات مطارحة أدبية كان يعلق دراعة له فاخرة فجاءته جماعة منهم وأخذوا في حديث طابت أفانينه ثم أمروا من يأتي بصغار الماشية إلى ثوبه المعلق لتأكل منه فلم يكترث الشيخ ولم يقم بردة فعل بل كان كصخرة الوادي إذا ما زوحمت، وتحدث كأنه الجوزاء، فعلموا أنه نضج وقالوا عن اغناه “أنه عاد إيكد ينحك افلمسيد”.

زار الشيخ ذات مرة القاضي “اميي” فطلبت منه زوجته “الخيت” أن يطلب لها الشيخ أن يرقص لها إحدى رقصاته الشهيرة وكان الشيخ يرقصها أيام الشباب ولكنه أقلع عن ذلك بسبب الكبر، والسبب الثاني أن حضرة القاض “اميي” ليست ملهى عاشق كلف، شعر اميي بالحرج، فلاهو يريد رد طلب “الخيت” ولا هو يريد إحراج الشيخ، فقال للشيخ بعد مقدمة “خالكات ركصات” .. رد عليه الشيخ وكان لماحا: “خالكات يغير مانبغيلهم كبر اشهود” وكان الشيخ على حق فهو لايريد كبر الشهود خاصة إذا كان الشاهد بحجم “اميي”.

يعتبر الشيخ من أكبر أدباء المنتبذ القصي ومن جيل الرواد ويحتل إنتاجه مكانة أدبية متميزة أبدع في جميع الأغراض الأدبية، كان الشيخ يزور أسرة أهل أعلي وكانت له أثرة عند ” الناس الشركي” وحين ذهب إلى “اندر” انشغل بأمور عنهم وأصبح لا يعرف ماذا أحدثوا بعده فأرسل لصديقه الأديب محمد ولد محمد اليدالي ليستطلع له الأمور وحمله سلاما عاما لأهل إعلي “منينه ومان مي وعيّ واعليّ”، ثم كلفه بسؤال “عي” منفردة بعيدا عن الرقباء عن جملة أمور تضمنتها الطلعة:

قال الشيخ ولد مكي:

سلم ل لعد أنجيك وافلغروز أنكافيك
أعل منين ذيك وأعل مان مــــــــي
وأعل عيّ وأعليك وأعل زاد أعلــــــي
ء خصصل لاتسغر باسلام عيّ ســـــــر
وامن الكراظ أحذر ءاوسيه جبــــــــــدي
ء سولهال عن زر النـــــاس الشركـــــي
ء عن ذاك الحد أياك مابــــــــدل ش بــــي
ول من ذ فيه أغباك سول عن عـــــــــــي
وإل كالت لك فيه مــــــــشيل يالنزيـــه
بيه ءلايعلم بيــــــه كون أنــــــــت خفـــي
هذا لــــــــين اتواسيه إكــــــــــر أفطن في
وإجمل وانكافيـــــــه مزلت إلـــــه هــــــي

فرد عليه محمد ولد محمد اليدالي:

لحكت أسلامك فــــــت للشعار إل كلــــــــت
وافطن عــــــن عدلت تلحــــــــــــاك بــــــالني
وأعكبت أص جابـــدت عنهم وحــــــــد عـــــــيّ
ءكلتلــــــــــه ذاك إل زاد كلتلــــــــه من لمــــــراد
ءكالتل عنــــــــك كــــاد فالنـــــــــــاس الشركــــي
تدرك ش من لمكــــــــاد بالشرط أعـــــــل عـــــــي
تعجـــــــتل واتـوادع زاد الناس الكبلـــــــــــــــــــي
والحـــــد ال كلـــت ءراك اجبر لمعــــــــــــارف هــاك
مـــــــنهم غير أص ذاك فل كالــــــــــــت هـــــــــــي
مـــانس فيــــــك ءشــــاك عن ســـــــــــــبته عــــــــــي
والموكافــــــات إل طيت فالرسل راهــــــــــــــــــي
نكبظ فيـــــــه لجيــــــــــت من كبــــــــــــل لحــــــــــذي

وللمساجلة بقية إلا أننا أوردناه كمثال على أدب المراسلة.

ومن أدبه السياسي أن “حزب الشعب” جاء يعرض دستوره وبرنامجه على شعب ألاك وفتح باب الانتساب فأراد الشيخ تسجيل الموقف مع التنبيه إلى الدور المزدوج لمعروف ولد الشيخ عبد الله:

شعب ألاك امنين إل جاه حزب الشعب افرحل والكاه
والدستور إل جاب إكراه واسكت حان يسمع وايشوف
واكتن شاف وافهم معناه وارض بل كـــــال الرؤوف
دخل ش امن الناس إلمناه داير يجبر منــــــــاه ء توف
وابك ش عنو ما بكـــــاه كلت طمع ء لاكلت خـــوف
معـــن ذاك إل دخل عاد معروف إل بيه ء منــصوف
وإل مــــــا دخل هوزاد إل بيه امل “معـــــــــــروف”

وذات مرة قام الشيخ بزيارة لسليمان ولد الشيخ سيديا وحين غادر الشيخ أرسل سليمان سائقا بسيارة ليوصل الشيخ إلى ألاك وأمره أن يترك السيارة للشيخ عند الوصول فقال الشيخ محمد سالم ولد عدود:

تمشيت ابــــسياره صواك هاذ العام إتلحك بالفيخ
الشيخ اعل غلظ لــــــلاك إيفكد فأفعال أهل الشيخ

وبعد مدة عين المختار ولد داداه الشيخ محمد سالم ولد عدود في المكتب السياسي لحزب الشعب الموريتاني فقال الشيخ ولد مكي:

ديـــــــــــــــــران المختار إركب لفقيــــــــــه أعل كبر المقدار
محمــــــدســــــــالم فالمكتـب إيفكد فأفعال المختــــــــــــار

ومن طريف شعره أن قعيدة البيت كانت تلميذة للشيخ ابراهيم انيص وكانت تحب زيارة كولخ وكان الشيخ لا يحب أن يثنيها لكن:

للشيخ الزيـــــــــــــاره هي لصلح عنــــــــد أهل التربي
والشرط ألا صــــــدق الني واعي ينـــــــزار ابلــــــشار
ويـــــــــــل عادت مامرضي عنــــــــدك يكون الزيـــــــار
لمجيــــــــه ألا جيه انـــــتي مافـــــــل يرضيك اخـــــصار
يغيــــــــــر امــنين اتواسيه زياره للــــــــــــشخ اديــــــار
لــــــــصلاحك تمتثـــل فيه رحـــــــــــم الله مــــــن زار

حضر الشيخ مرة غناء لمحمد ولد انكذي “لعور” وكان العمر قد تقدم بالجميع لكن “لعور” لايزال شابا في عطائه فقال الشيخ:

شبن واكــــــــــــــبرن عن ذ اليم غير الفتــــــــى من صنيع
يشيب كــــــــــــثيرا واتـــــــــــم الطبــــــــــــــــــاع يوافيــع

والإسقاط على بيت البرا ولد بكي:

طباع الفتى ليست تشيب بشيبه يشيب كثيرا والطباع يوافع

من إعداد الباحث: سيد أعمر ولد شيخنا

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى