من مشاهير علماء الرياضيات المسلمين

لا يخفى على المطلع على تراث المسلمين أن أعدادَ الرياضيين الذين أحرزوا شهرة من خلال مصنفاتهم، ومساهماتهم، وابتكاراتهم الرائدة في مجال علوم الرياضيات – كبيرٌ جدًّا.

وهذا المقال ما هو إلا لمحة عن علوم المسلمين الكونية؛ لذا فقد اخترنا ترجمة شخصيتين من من مشاهير علماء الرياضيات، ربما كانا غيرَ معروفين عند كثير من القراء.

الكرجي (ت٤١٩هـ/ ١٠٢٩م)
أبو بكر محمد بن الحسن الكرجي، عاش في بغداد في عهد فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف، وزير بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، وقد عُرف لمدة طويلة بالكرخي حتى أثبت G.L.D.vida عام ١٣٥٢هـ/١٩٣٣م أن النسبةَ ينبغي أن تكون للكَرَج.

ألَّف الكرجي كتبًا كثيرة، أغلبها مفقود، أما الكتب المعروفة، فقد وضعها في بغداد باللغة العربية، من كتبه:
1- كتاب في حساب الهند، ذكره في كتابه البديع، ويبحث في استخراج الجذر التربيعي لكثير حدود جبري، وهو مفقود.

2- كتاب نوادر الأشكال، ذكره في كتابه الفخري (مفقود).

3- كتاب الدور والوصايا (مفقود).

4- الفخري: وهو كتاب مهم يبين أن الكَرَجي أثبت في هذا الكتاب وكتاب البديع والكافي في الحساب وبقية أعماله في الحساب والجبر – أنه مدرسة جبرية جديدة[1]، حققه الباحث الألماني فوبكه woepeke عام ١٢٧٠هـ/١٨٥٣م وترجَمه إلى الفرنسية.

ويذهب فوبكه إلى أن الكَرجي يعرف أعمال ديوفانطس الحسابية، واستفاد منها في كثير من المعالجات الحسابية، وأن كتاب الفخري امتاز بعرض المادة العلمية بأسلوب منظم رفيع جدًّا.

5- البديع، حققه وترجمه إلى الفرنسية الأستاذ عادل أنبوبا معتمدًا على نسخة الفاتيكان، نسخت عام ٥٩١هـ/١١٩٤م، وهي النسخة الوحيدة المعروفة.

6- كتاب أنباط المياه الجوفية، وصف الكرجي ميزة الكتاب وأهميته بقوله: لست أعرف صناعةً أعظم فائدة وأكثر منفعة من أنباط المياه الخفية، التي بها عمارة الأرض، وكيفية رضفها، وبيان موضعها من العالم.

7- كتاب عقود الأبنية، يبحث في البناء بشكل عام (أبنية، قلاع، جسور، أقنية).

8- كتاب الأجذار (أو نصف الأجذار).

9- كتاب حول تنصيف الجذور.

10- رسالة الخطأين.

11- الكافي في الحساب، خصص هذا الكتاب للموظفين ولعامة الناس، وقد امتدحه رضا كحالة، إذ قال عن مؤلفه إنه: “من أعاظم نوابغ الرياضيين الذين ظهروا في بداية القرن الخامس للهجرة، والذين كان لهم أثرٌ حقيقي في تقدُّم العلوم الرياضية”.

وفي هذا الكتاب بعضُ قوانين وطرق حسابية مبتكرة لتسهيل بعض المعاملات كالضرب.

وقد ترجم هُخْ هايم hochheim هذا الكتاب إلى الألمانية عام ١٢٩٦هـ – ١٢٩٨هـ/١٨٧٨م – ١٨٨٠م، ونشره أحمد سعيدان عام ١٣٩١هـ/١٩٧١م.

الكاشي (ت نحو ٨٤٠هـ – نحو ١٤٣٦م)
جمشيد غياث الدين الكاشي، فارسي من كاشان، كان أول من أشرف على بناء المرصد الذي بناه ألوغ بك[2]، وهو أول من تولى إدارة المرصد، وكذلك أشرف على تنظيم الزيج أو جداول الهيئة.

وقد نسب ذلك الزِّيج إلى ألوغ بك، ودُعي الزيج السلطاني الجديد، أو الكركاني الحديث، ويُعَد من أنفس الأزياج، بلغ علمُ الهيئة وعلم الحساب في زمانه أوج ما وصلا إليه، وقد رصد الكاشي الكسوفات التي حصلت سنة ٨٠٩هـ، و٨١٠هـ، و٨١١هـ.

بينت بحوثُ السنوات الأخيرة أن الكاشي كان أعظمَ رياضي في القرن التاسع الهجري/ القرن الخامس عشر الميلادي وأعظم فَلَكيِّيه، وأن أعماله في عدة مجلات تعتبر ذروةَ العلم في حِقبة القرون الوسطى، مما يلفت النظر إلى طرق حساباته الرائعة، وفن إحصاءاته الماهر، مما ليس له مثيل في الماضي ولا في الحاضر.

كان الكاشي يُعَد عماد علم الفلك والبطليموس الثاني، لم يكن الكاشي يعتني بمظهره الخارجي؛ فقد قيل: “إن ألوغ تغاضى عن فضاضة الكاشي مستخدمه للغزارة علمه ولأجلها فقط”.

خصص الكاشي الكثيرَ من وقته لعلم الفلك، فظهرت منه براعات أثناء حله لبعض المسائل الفلكية التي تحتاج إلى تطوير طرق الحسابات التقريبية، من مؤلفاته:
١- مفتاح الحساب؛ لسد حاجات المحاسبين والمهندسين والرياضيين والمساحين وغيرهم، لم يكن له من مثيل بين المؤلَّفات الرياضية للقرون الوسطى من حيث كمالُه، وانتظام ترتيبه، ووضوح شروحه.

من أهمِّ ما توصل إليه الكاشي في مفتاح الحساب: شرحُه المفصل للكسور العشرية (الأعشارية)، وكتاباته المتعلقة بقسم الجبر؛ فالكاشي يصوغ فيه قواعدَ كثيرة لجمع المتتاليات كما يسرد الخصائصَ الهندسية لبعض الأشكال وغيرها مما تلزم في أشياء عديدة، والكتاب محقق ومطبوع.

٢- “الجدول الفلكي الخاقاني”؛ يُعَد هذا الجدول تتمة وتدقيقًا للجدول الشهير “الجدول الفلكي الأيلخاني” لنصير الدين الطوسي، الذي وضعه الطوسي قبل مائة وخمسين عامًا من تاريخ الجدول الخاقاني.

وقد وضع الكاشي الجدول الخاقاني تكريمًا للشاه الذي ساعد كثيرًا على تطوير العلم في العاصمة هراة.

٣- “رسالة الوتر والجيب”، وضعت في استخراج ثلث القوس المعلومة الوتر والجيب، ولتدقيق جداول مثلثية يحتاج إليها في الدراسات الفلكية.

٤- “الرسالة المحيطية”؛ كانت هذه الرسالة محل البحث والدراسة عند لوكي، الذي قال: لو عرفها الغرب لادخر أكثر من مائة وخمسين عامًا حتى توصل إلى معرفة نسبة محيط الدائرة إلى القطر، وهي ما تتضمنه الرسالة بدقة فائقةٍ، وإلى مرتبة بعيدة في التقريب (انظر قبله).

٥- “رسالة في الآلات الفلكية باللغة الفارسية”؛ مخطوطة محفوظة في لايدن تصف آلات فلكية استعملت في زمن الكاشي وصفًا دقيقًا، يخرج الدارس لها بفكرة واضحة عن الآلات الفلكية المستعملة في ذلك الزمان.

[1] ذكر الدكتور الدفاع في كتابه “العلوم البحتة….” أن صلاح أحمد ورشدي راشد اكتشفا مخطوطة للسَّمَوءل المغربي، وأن هذه المخطوطة توضح أن مثلث معاملات ذات حدين يجب أن ينسب لصاحبه الكرجي، وليس – كما يسميه علماء الغرب – مثلث باسكال (ت ١٠٧٣هـ/ ١٦٦٢م).
[2] ألوغ بك حفيد تيمور لنك، عاش في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، لَمَّا آل إليه سلطان سمرقند أقبل على علم الفَلك بنشاط عظيم، فأحاط نفسه بعددٍ قليل من علماء المسلمين، فاستطاع بما لديه من الغنى أن يضع آلاتٍ رصدية كانت غير معروفة قبل هذا التاريخ، أما المرصد الذي بناه فقد امتاز بآلاتِه الكبيرة، وهي من الدقة على جانب عظيم.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى