«القدس العربي» تابعت الكواليس: رسالة «كويتية» ملغزة عرقلت «وساطة» بتوقيع رئاسة القمة العربية… وبيان «غامض» ضد قطر و«الجزيرة» ينتهي بتعاطف الشارع الأردني وصمت «الإخوان المسلمين» بسام البدارين Jun 08, 2017

عمان ـ «القدس العربي»: القارئ العادي لبيان الحكومة الأردنية الذي تضمن إعلان تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر يرصد بوضوح الاستنتاج القائل بأن القرار افتقد لوجود «مبررات» أو مسوغات منطقية معززة بالدرجة نفسها التي غادره فيها «الوضوح» مع إطلاق جملة من التعبيرات العمومية والإنشائية التي لا تنطوي على موقف حاسم لا ضد قطر ولا مع إستهدافها.
بيان عمان ألهب نقاشات الرأي العام بالموضوع وأنتج مئات المواقف الشعبية المتعاطفة مع دولة قطر فيما صمت تنظيم الأخوان المسلمين حتى اليوم التالي على الأقل بدون إبداء رأي او تقييم خصوصا وان المبررات على الأقل للأردنيين لم تكن مسألة ملموسة بالنسبة للحكومة.
عمليا لا يحدد نص البيان «سببا واضحا» أو وطنيا أردنيا لقرار تخفيض التمثيل الدبلوماسي وتضمن فقرة تدعو لتجاوز الخلافات الداخلية العربية وإن كان وضع عمان في إطار موقف متخاصم أقل حدة بطبيعة الحال من بقية المواقف وبالتقنية التي توقعتها «القدس العربي» في تقرير سابق لها بعنوان صعوبة «صمود» إستراتيجية التريث والترقب الأردنية لفترة طويلة.
بدا واضحا ان صانع القرار الأردني «يجازف» بموقعه كرئيس للقمة العربية من خلال مطالبته سفير قطر بالمغادرة خلال أيام والإمتناع عن إرسال سفير جديد للدوحة بعد إنتهاء مهام السفير القديم.
كما تجازف عمان بسمعتها المتعلقة بحريات الانفتاح الإعلامي عندما تقرر وبدون تعليل او سبب مباشر «سحب تراخيص» مكاتب محطة «الجزيرة» في عمان وهي مهمة كان ينبغي ان يتصدى لها القضاء في حال حصول مخالفات قانونية او تربط بسبب واضح لو كانت محض «سيادية».
بكل الأحوال لم تقطع العلاقات الدبلوماسية بين عمان والدوحة وكاميرا «الجزيرة» تستطيع كما فهمت «القدس العربي» متابعة عملها بدون لافتة مكتب مرخص والاتصالات الدبلوماسية ستكون على مستوى القائم بالأعمال والسفارتان ستعملان وسيتواصل التعامل مع الخطوط الجوية القطرية.
الصيغة التي اقترحتها عمان لركوب الموجة السعودية والإماراتية المصرية حفاظاً على التوازنات والتحالفات وتفترض عمان ان تتفهمها الدوحة لأنها اتخذت على قاعدة الإجراء الاضطراري وكانت الصيغة البديلة عن أي موقف أكثر تعقيداً وشراسة ودون المشاركة في حملة مقاطعة شاملة للقطريين.
لافت جداً ان الإجراء رغم انخفاض سقفه انتهى بمزاج شعبي معاكس يتعاطف مع القطريين، فقد ظهرت آراء حتى من خصوم شرسين سياسياً وفكرياً للدوحة ضد الإجراء الأردني، حصل ذلك على الأرجح نكاية بالسعودية ومصر وليس تضامناً فعلياً مع قطر كما حصل تحسراً على موقف رغم سقفه المنخفض لا يناسب متطلبات رئاسة القمة العربية.
القرار الأردني يراد منه ان يصد مسبقاً أي محاولة للضغط على عمان أكثر من محور العواصم الثلاث ابو ظبي ـ القاهرة ـ الرياض باعتبارها عواصم حليفة اصلاً طوال الوقت.
الأغرب أن الإجراء اتخذ فيما تنشطت الاتصالات القطرية ونمت بصورة واضحة خلال الأيام والأسابيع التي سبقت قمة ترامب مع الدول الإسلامية وفيما برزت اتصالات هاتفية بين الملك عبدالله الثاني والأمير تميم وكذلك في الوقت الذي اختفت فيه تماماً وبرأي مسؤولين أردنيين وطوال الأشهر السبعة الماضية أي تغطية سلبية عبر محطة «الجزيرة».
بمعنى أن عنصراً ما ضغط على الدوائر الحكومية الأردنية ودفع باتجاه المشاركة في حفلة استهداف قطر ومحاصرتها في التوقيت الذي كانت فيه الاتصالات «تنمو» وتتفاعل مع الدوحة بصورة إيجابية، الأمر الذي يظهر الدبلوماسية الأردنية وكأنها خارج التغطية وبعيدة عن قدرات التنبؤ والتوقع.
المسألة الأكثر اثارة للتساؤل تتعلق بالخلفية التي دفعت عمان للمجازفة بموقعها برئاسة القمة العربية والتحول إلى طرف في صراع مفتعل ومباغت أنتجه الأخرون. هنا حصريًا يمكن العودة لقناعة المرجعيات الأردنية قبل قمة البحر الميت بان الممارسة الواقعية لـ «رئاسة القمة العربية» خطوة صعبة ومعقدة وغير مرحب بها وتبدو ممارسة ثقيلة بسبب الخلافات تحديدًا في النادي الخليجي.
عمان بآلتها المرجعية وليس التنفيذية كانت تستشعر صعوبة الاعتماد على صيغ توافقية للقمة العربية مع وجود «تصدع» كبير في مؤسسة الدول الخليج وبقية الأطراف وقد عبرت القيادة الأردنية عن ذلك في لقاء شهير قبل اسبوعين من قمة البحر الميت مع وفد عربي برلماني رفيع المستوى ردًا على مداخلة لعمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية.
اليوم ظهرت ملامح صعوبة ان تتصرف عمان على مستوى رئاسة القمة عندما تظهر خلافات حادة بين دول عربية شقيقة بسبب التجاذبات والإستقطابات الحادة التي يمكنها ان تطيح بالجميع وتخلخل التوازنات وتمنع الاصطفاف الدائم والإستراتيجي. لذلك جازف الأردنيون بمتطلبات رئاسة القمة واتخذوا إجراءات محسوبة بعناية ضد قطر دون الإنضمام لمقاطعتها على أمل منع مطالبتهم لاحقاً بإجراءات اقسى وأصعب.
ولذلك أيضاً حصل «الانحناء التكتيكي» الأردني امام عاصفة استهداف قطر لإعادة إنتاج المشهد فيها وحولها بصرف النظر عن عدالة المعطيات او تقدير موقف الشارع الأردني.
يمكن بوضوح القول بأن ماكينة الرصد الأردنية التي تتميز بحساسية مفرطة وخبرة كبيرة التقطت مبكراً الرسالة عبر «الشقيق الكويتي» الذي تحرك منفرداً باتجاه الرياض للوساطة وفي اليوم نفسه الذي كان ينبغي فيه ان يستقبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
عمان فهمت أن الاستثمار تحت عنوان الوساطة برافعة «رئاسة القمة العربية» يحظى بـ «فيتو سعودي» وأن مدير العملية ضد قطر وهو على الأرجح الأمير محمد بن سلمان يفضل التحدث مع زعامات خليجية بالموضوع وان أمير الكويت لو التقط إشارات معاكسة لعقد قمة ثلاثية عصر الثلاثاء تشمله مع السعودي والأردن بصفته رئيسًا للقمة العربية.
هنا حصريًا وصلت الرسالة لعمان فأدركت أن هامش المناورة مغلق امامها فكان لا بد لها من عدم مجابهة التمحور الجديد لأهم حلفائها وفضلت النجاة بنفسها سياسياً عبر قرار تخفيض التمثيل وإغلاق مكتب «الجزيرة».

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى