الذكاء الاصطناعي والأمن الجماعي…

باختصار كبير يمكن تعريف ” الذكاء الاصطناعي” بأنه مجموع النظريات والخوارزميات والبرمجيات التي تتوخى محاكاة بعض سلوك الإنسان، خاصة ملكة التعلم وموهبة التفكير المنطقي. ويستحوذ المجال العسكري على التطبيقات الأكثر تطورا في مجال “الذكاء الاصطناعي” والأكثر حماية، حيث يجري حاليا الحديث على نطاق واسع عن “الروبوتات القاتلة”، أي أن حروب المستقبل، في بعدها الصلب(استهداف البنية التحتية المادية) ستنفذها هذه الآلات الذكية، بتدخل بشري محدود جدا وعن بعد، ولعل هذا السيناريو بدأ بالفعل على مستوى بعض بؤر التوتر العالمية.

أما الحلقة الثانية من حروب المستقبل (والحاضر) فتعتمد كذلك على “الذكاء الاصطناعي” ولكن انطلاقا من خطة تجارية (“بزنس ابلان”) مغايرة، حيث تهدف في المقام الأول إلى إضعاف القدرة التفاوضية لدى الخصم كمقدمة للاستحواذ على موارده الطبيعية، حيث يتم تجييش طوابير مدنية تحت يافطة “المجتمع المدني” و”حقوق الإنسان” يجري تدريب بعض عناصرها -وراء البحار- على “المقاومة غير العنيفة!”؛ الحقيقة أنه اعتمادا على استغلال مهني للمعطيات الشخصية (يعتقد البعض سذاجة أن نشاطه على الشبكة العنكبوتية محكم الحماية!…) التي توفرها مواقع “التواصل الاجتماعي”، يتم استقطاب بعض الأفراد الذين أظهروا هشاشة فكرية أو نفسية، وغسل أدمغتهم بطريقة ممنهجة وتطبيقا لنظريات نفسية وسلوكية معروفة أثبتت فاعليتها. ويمكن اعتبار هذه الفئة الرخوة فكريا “روبوتات بشرية” (تشبه إلى حد ما الشخصية الميگالومانية ل”الرقَّايه”، في مسرحية “بنّه” المشهورة!)، إذ يتم التحكم فيها عن بعد اعتمادا على البث المكثف للمعلومات المغلوطة (“أفيك انيوز”) والموجهة عن طريق تكنولوجيا الاتصال وخاصة منصات “التواصل الاجتماعي”؛ وهنا يتم استغلال نوع ثالث من “الإنسان الآلي” غير مادي هذه المرة، وهي برمجيات ال”بوتز” (بحذف حرف “رو” في الكلمة الانگليزبة “روبوتز”) وهي برمجيات “حرة وذكية” على الشبكة العنكبوتية، من ضمنها مثلا برامج الألعاب كلعبة الشطرنج؛ فعندما تتنافس (لقد جربت الأمر!…)مع برمجية لهذه اللعبة على حاسوبك أو جهاز اتصالك الذكي، تفهم مدى قدرة هذه البرمجية النمطية على “سرعة التعلم” و”دقة التفكير” و”النفاذ التكتيكي والاستراتيجي”، فما بالك بالبرمجيات الأكثر حداثة وأخطر أهدافا… فبمقدور ال”بوتز” مثلا استحداث، وبصفة آنية، آلاف الحسابات الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي تبث كلها “على نفس الموجة”، مما يربك قدرات التفكير النقدي- والتفكير بصفة عامة – لدى الأفراد والجماعات والهيئات الرسمية في مقاومة السيل (السم) الآلي للمعلومات الموجهة والمغلوطة في الغالب؛ وهنا نفهم جيدا خلفية بعض الأحداث السياسية المعقدة ذات الصلة والتي تؤرق جهات وازنة عالميا… كما نفهم ما حدث خلال “الربيع العربي” (بإيكوناته المفبركهة، وعداوته المبدئية للرموز الأمنية، ووابل شائعاته المغرضة…إلخ) الذي يحاول البعض اليوم إعادة تسويقه بعد أن تم استخلاص العبر من مكامن الضعف والخلل وتطوير أدوات “الذكاء الاصطناعي” لتجاوز هذه الاختلالات، نحو مزيد من الدمار والتشرذم والفوضى.
في بعض الأحيان، كما يحدث في المجال الطبي عندما يفرط الأخصائي في منسوب العنصر النشط في الجرعة، أو عندما يختار “الحجاب” طلاسم غير مناسبة، يخرج “الربوت البشري” (المريض) عن سيطرة “الربوت الآلي” ومن يوجهه، باكتشافه(أو إشعاره لحاجة في نفس يعقوب ب-) زيف المشغل”، فتنقلب الأمور رأسا على عقب وتبدأ رحلة التدمير العشوائي ودوامة الانتحار الحضاري…

فكل وسائل التأثير والتحكم عن بعد في المجتمعات الهشة والغنية بالموارد الطبيعية، تهدف أساسا إلى الوصول إلى “العتبة الحرجة”، تماما كما يحدث في الانفجارات النوووية، ضمانا لتلقائية واستمرارية التدمير الذاتي وتحييدا للقدرة التفاوضية…

عناصر الوقاية:
١- إجلال واحترام قوى الأمن والدفاع الوطنية، لأن أي مساس بهيبتها أو معنوياتها أومصداقيتها يعتبر خطوة متقدمة نحو العنف والفوضى الاجتماعيين
٢- تعظيم هامش الحريات الفردية والجماعية-كما حصل خلال العشرية الأخيرة في بلادنا- كصمام أمان ومتنفس يجتث “الطاقات السلبية والمدمرة” لدى البعض…
٣- تعزير الحرب على الفساد -كما شهدت موريتانيا مؤخرا-، إذ يعتبر الفساد -بالإضافة إلى بعده الأخلاقي-وقودا ذا قابلية عالية للاشتعال، في خضم الأزمة البيئية الكونية وتكالب القوى العالمية الرئيسية على الموارد الاقتصادية الشحيحة واستفحال دور منصات التواصل الاجتماعي،
٤-نبذ الاصطفافات العرقية والشرائحية والجهوية الضيقة، لمبدئيتها من منظور المحافظة على الانسجام الاجتماعي الوطني ولقابليتها -هي كذلك- للاستغلال السياسي السلبي -الحضوري أو عن بعد- على الجميع،
٥- ترقية التفكير النقدي من خلال المنظومة التربوية والأحزاب السياسية ورافعة الثقافة وإسهامات النخبة المتعلمة ومنظمات المجتمع المدني الوطنية…،
٦- التوعية حول “الأخطار الجديدة” (تأسيس مرصد عمومي متخصص في هذا المجال) التي أنتجها التطور الهائل في المجال التكنولوجي، وبصفة خاصة في مجال تطبيقات “الذكاء الاصطناعي”، كالتأثير عن بعد وتأجيج العنف المدني والطائفي،
٧- سد الباب انتخابيا أمام دعاة “الربيع” جددهم وقداماهم…

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى