تعليق الشريف محمدن بن أحمدو بن المختار الحسن علي كتاب (رشف الرضاب من ذات الميزاب) للدكتور عبد الرحمن حمدي ابن عمر

تعليق شيخنا الشريف محمدن بن أحمدو بن المختار الحسن على نسخة من شرحي للميزابية الصادر حديثا (رشف الرضاب من ذات الميزاب)
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته فضيلة شيخنا الكريم

الحمد لله الذى رفع اهل العلم درجات ونوَُر بصائرهم فادركوا من العلم الغايات وجعل علم الشريعة من أعظم ما تصرف

إليه الهمم السٌَنِيٌَات وصلوات الله تعالى وسلامه وبركاته على نبيه محمد سيد السادات وعلى آله وازواجه وذريته وصحابته ما تعاقبت النسائم غاديات ورائحات وبعد فإن علم المناظرة والحجاج من أغمض العلوم وأبعدها غورا وهو معصم العقول من العثرة والتناقض وإن من احسن ماصُنٌِف فيه ميزابية شيخ الشيوخ العلامة البركة الشيخ محمد المام ول البخاري رحمه الله تعالى إلا أنها ظلت عصية على فهم الأكابرلما فيها من الكنايات والإشارات والإحالات التى لايسبرغورها إلا ماضى القريحة المعي الفهم فكان من نعمة الله تعالى ان قيض لها العالم الفقيه الاصولي اللغوي الرباني شيخنا عبد الرحمن بن حمدى ابن ابن عمر ففض ختامها وانارسبيلها وفَجٌَر ثَبَجَها فى كتابه رشف الرٌُضاب من ذات الميزاب بأحسن عبارة وألطف مسلك وأبعده عن التكلف فى التأويل والرجم بالغيب ولتنظر مثلا تعليقه على بيت الميزابية:

اما الموافق فاتفاق حجة ****** والخلف فيما الخلف كان خضابها

“ولعله خص مفهوم المخالفة بهذا اللقب وشبههه بالمختضبة الجاعلة على يدها الحناء لكونه غرة فى الاصول لمافيه من إعمال للعقل الذى هوحلية الإنسان ثم ساق كلام الهلالي على مفهوم المخالفة دليلا على ما وجه به بيت الميزابية وكذلك قوله فى تواضع جم وقد أصاب حز مفصلها عند كلامها: (الميزابية) على القرينةالخارجية والخارجية من دليل خارج عن غصة الإجماع يطعم صابها
يقول شيخنا عبد الرحمن: “ولعله عقد به قول التلمساني: “القرينة الخارجية وهي موافقة احد المعنيين لدليل منفصل… إلخ
والذى ذكرته ما هو إلاغيض من فيض ناهيك عن شواهد النحو واللغة والمختصر والتحفة وسير الأكابر واخبارهم وفتاويهم وجمل من الفتاوى والوثائق النادرة التى اوشكت أن تذهب فيما ذهب من تراثنا الثر والله تعالى ربنا اسأل ان يحفظ شيخنا عبد الرحمن ويبارك فى سعيه وان يبقيه لنا منارة علم إنه تعالى مجيب الدعاء
عبد ربه محمدن ابن المختار الحسن

– ومن مصادر الشيخ محمد المام التي رجع إليها في الميزابية / المعلوم بن المرابط السملالي

من مصادر الشيخ محمد المامي التي رجع إليها في الميزابية، واعتمدت عليها في شرحي لهذه القصيدة: عَلَم الجذل في علم الجدل، لنجم الدين الطوفي، وقد اقتبس الشيخ من هذا العنوان، فسمى أحد تآليفه في هذا العلم خاتمة الجذل في علم الجدل، وهو مذكور في جملة من تآليفه. ومما يدل على أن الشيخ رجع إلى هذا الكتاب، وقد يكون من المائة والعشرين كتابا التي تدبر وحفظ قبل نظم الميزابية، أن من قارن بين أبيات الشيخ في الميزابية الحقيقية وكلام الطوفي تبين التقاطع بينهما والتشابه، مع تقدم الشيخ في أسلوب الصياغة الذي مزج بين استيفاء المادة العلمية ورونق بهاء الكتابة الأدبية.

وكتاب الطوفي هذا هو مصدر تعريف القول بالموجب، المعقود بالبيت الوارد في هامش نسخة من الميزابية بخط الشيخ وهو:
والقول بالموجب: “تسليم الدليل == مع بقا النزاع”، من فعل النبيل
يقول الطوفي: “القول بالموجب ـ بفتح الجيم ـ، وهو: “تسليم ما ذكره المستدل مع استبقاء الخلاف معه”.

وألقي في روعي خلال قراءاتي للميزابية، أن الشيخ محمد المامي يوري بـ “السلالم” في قوله: “فارق السلالم إن أردت عجابها”، عن كتاب له اسمه “التعريف بسلالم التصريف”، وهو كتاب نسبه لنفسه وأحال عليه في جمان البادية، حيث يقول: )وانظر “خرق المسامع وشق المدامع”، وهو مقدمة للورقات المسماة بـ”التعريف بسلالم التصريف”(وقد لمح لخرق المسامع في الميزابية)، حين قال:
شقوا المسامع والمدامع فاخرقوا == يزن التبصر والحلي نقابها
ففي طرة الشيخ على البيت ما نصه: هذا فيه تلميح لتأليف يسمى: “خرق المسامع وشق المدامع” فيه اختلاف عبارات أهل الأصول في ترجمة كل باب وفصل، وإتيانهم بعويصات المسائل؛ لأن اختلاف العبارات يوضح. وهذا التأليف كتاب من التأليف المسمى بـ”الآيات البينات”(وأحال الشيخ في الميزابية لكلامه عن حكم الشرع في “الآيات البينات”، مضيفا: “وقد ألفته قبل الميزابية”. كما أحال في طرة الدلفينية ـ خلال حديثه عن الترجيح ـ إلى كتاب الترجيح واثنتي عشرة مقدمة له وخاتمتين منبها إلى أنه “باب من الآيات البينات”.)
ويتحصل من إشارات الشيخ أن:
ـ الآيات البينات مجمع يحتوي على عدة تآليف، وعادة الشيخ اعتبار بعض أبواب وفصول كتبه تآليف مستقلة.
ـ أن هذا التأليف متقدم على وضع الميزابية، ولعله هو الذي أشار له في ما وقع له قبل تأليفه في الأصول وبعد زيارته للعالم الرباني “شكرض” ـ نفعنا الله ببركته وبركة اسمه ـ.
وفي بعض نسخ تآليف الشيخ “الآلات البينات”، بدل “الآيات”، ولعله سهو! فالشيخ محمد المامي اقتدى في هذه التسمية بالإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن قاسم العبادي (ت994هـ)، مؤلف الآيات البينات على شرح جمع الجوامع.
وقد جئت بهذه الشذرات في شرحي على الميزابية، وخصوصا عند الكلام على وفرة تصانيف الشيخ في الأصول عموما والجدل الأصولي خصوصا.
نسأل الله تعالى أن يمن بالعثور على هذه المؤلفات وغيرها من كتب الشيخ.

ودأب الشيخ محمد المامي على تقريب العلوم، بالمتوفر من وسائل الإيضاح، فقربها بالنظم الفصيح وبالشعر الحساني تارة، وبالمقارنة بمألوف في الحياة اليومية تارة أخرى، كالأدوات الفردي والأعلام نون الوقاية كأحمد فغد والنباتات المصدر صدرت ليهودِ والتضاريس نجد المشاهير … الخ.
وقد استخدم جملة من أساليب الإيضاح التربوية في قصيدته الميزابية، نذكر منها هنا تقريبه للاعتراضات على القياس في الميزابية الحقيقية، بتشبيهها بأقواس، لكل منها سهم أو سهام، مركزا في المعجم المستخدم على الحقل المرتبط بالقتال، لمناسبة أدوات الحرب لمقام الاعتراض على المستدل:
أما قوادحه فكل فريصة == ترمى بقوس ليس تعدو قابها
وقد بين منهجه في ذلك حيث يقول:
والقوس هيّ الإعتراض وسهمها == مجرور باء مكتس أثوابها
ولم يفته في هذه المقام أن يستحضر استخدام أرباب الغزل لهذا الحقل المعجمي، في تورية بديعة عن “رابعة” الأقواس:
وسهام “رابعة” كثير فاخشها == ولتحصرن في عشرة أضرابها
فرابعة علم على امرأة، وهي هنا رقم إحدى الأقواس. وكثيرا ما تحدث الشعراء عن سهام العيون النجل وأفعالها.
والاستفادة من هذا الحقل الغزلي هنا، تقرب من قوله في الأريمدية:

وَإِنْ شِئْتَ إِبْطَالَ الْمَسَالِكِ فَاطْلُبَنْ == قَوَادِحَ لِلْعِلاَّتِ مِثْلَ الْمَفَاتِحِ
كَقَوْلِ جَمِيلٍ إِذْ تَبَيَّنَ عِلَّةً == لِحُكْمِ الذِي فِي صَدْرِهِ مِنْ تَبَارِحِ
(رَمَى اللهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بِالْقَذَى == وَفِي الْغُرِّ مِنْ أَنْيَابِهَا بِالْقَوَادِحِ)
فقد استخدم المناهج الأصولية لتشخيص “علة” جميل بثينة وقيس (مجنون ليلى) والبحث في مسالكها وقوادحها؛ فصارت القصيدة كالشرح لبيت جميل، كما يقول الشيخ أحمد كوري.
ولأن الشيخ حرص في الميزابية على أن تناسب همم أهل زمانه، فقد آثر الإيجاز في الأغلب الأعم منها، وخصوصا في هذه القوادح، التي اختصرها من اختصار البكري، فجاءت خلوا من المطولات:
وَاعْلَمْ أَخِي أَنَّ الْقَوَادِحَ جَمَّةٌ == مِثْلَ التَّرَاجُحِ لاَ تَرُمْ إِيعَابَهَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْحَصْرَ فِي أَمْثَالِهَا == مُتَعَذِّرٌ وَلْتَعْتَقِدْ إِقْرَابَهَا
وهو يقتفي في ذلك بأصله الشيخ البكري، في قوله: وقد علمت بأن حصر العقل في مثل عدد الاعتراضات مشكل بينهما، وهو أمر للاصطلاح وللمواضعة فيه مدخل، لكن لا بأس بالضبط للتقريب، فنُعيِّن أولا أنواعها، ونُعيّن في مفتتح كل عدد أجناسه، فنبين لك أنها خمسةً وعشرين وأنواعها سبعة.
وقد نبه الشيخ محمد المامي والشيخ البكري في هذا المقام، إلى التنبه لاختلاف اصطلاح الأصوليين والمنطقيين هنا. يقول البكري: واعلم أن اصطلاح الأصوليين في الجنس والنوع يخالف اصطلاح المنطقيين، والمندرج جنس والآخر نوع، وعند المنطقي بالعكس…الخ. ويقول الشيخ محمد المامي:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْقَوْسَ نَوْعٌ سَهْمُهُ == جِنْسٌ عَنَتْ أَصْنَافُهُ كُتَّابَهَا
وَاعْلَمْ بِأَنَّ النَّوْعَ يَشْمَلُ جِنْسَهُ == وَاحْذَرْ مَنَاطِقَةً عَكَسْتُ خِطَابَهَا

ومن “أفضل ما تكشفه الشراح” بيان نسخ المتون والمقارنة بينها، كما يشير له الشيخ محمد المامي في “قرن أجمل”، بقوله:
وذكر ما بلغهم من نسخ == طارت به أيدي الثقات الرسخ
ومعلوم عند أهل علم مناهج البحث تفاوت النسخ في الأهمية، بحسب أقدميتها وكاتبيها، فنسخة المؤلف والنسخ المقروءة عليه أهم من غيرها، وما كتبه العلماء المتمكنون أهم من نسخ غيرهم، لا سيما حين يكونون من محيط المؤلف وتلامذته.
وخلال عملي على شرح الميزابية، سعيت في تحصيل المتاح من نسخها، والاستفادة من زيادات بعضها، خصوصا في الجانب المتعلق بضبط النص ومحتوى الطرر، لما في ذلك من خدمة النص المشروح، ولإخراج أقرب النصوص إلى نسخة المؤلف النهائية.
ومن أهم النسخ التي عثرت عليها، في نظري الخاص، نسخة عندي أصلها، كتبها الشيخ محمد بن أحمد مسكه ـ حفظه الله تعالى ـ، من عند أهل العارف، فجعل النص وحده بدون طرة، ثم نسخ الطرة في ورقات منفصلة، بحيث جعل لكل بيت رقما يوافقه رقم طرته، وربما أشار في الرقم الواحد بأحرف، مثل: ب وت وج ود إلى طرر لبيت واحد. ولكن كل واحدة منها لكلمة معينة من ذلك البيت.
وقد جاء في آخر هذه النسخة: “(انتهى ما وجدت من هذه القصيدة ومن التعليق عليها من خط محمدن بن محمد بن المحبوبي، وكتب في نهايتها أنه كتبها من خط زين بن اجمد، وأخبره أن التعليق عليها لمؤلفها، وأنه هو كتبها من خط المامي بن محمودن وأمه مريم بنت الشيخ محمد المامي. وقد رأيت أنا نسخة زين).
وأنت ترى كيف أن هذه النسخة تعاورتها أفهام هؤلاء الجهابذة، فهي بنقل العدل عن خط العدل، حتى سبط الشيخ المؤلف محمد المامي بن محمودن؛ ما يعني ضبطها ضبطا جيدا والتزامها لطرر الشيخ التي رضي في آخر نسخه.
ومن فوائد هذه النسخة نذكر تعليق العلامة زين على البيت:
مِنْ ذَاكَ أَنَّ خِطَابَ بَعْضٍ خَصَّهُ == أَوْ فِي سَبِيلٍ خَصَّهَا مُجْتَابَهَا
بقوله: “مجتابها”: لعله بدل من ضمير المفعول، في قوله “خصها”، فيكون اسم مكان من الاجتياب.

كتبه المعلوم بن المرابط السملالي، كان الله له ولوالديه وأشياخه وأحبته وليا ونصيرا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى