من ” حَمَّالٍ”… إلى رئيس الجمهورية

سيدي الرئيس، لقد وجدتني مضطرا لأن أكتب لكم في أقل من أسبوع رسالة مفتوحة أخرى وذلك لأسمعكم شيئا قليلا من أنين حَمَّالٍ يستيقظ باكرا في كل يوم .. ويقطع المسافات الطويلة في كل يوم .. ويحمل الأثقال في كل يوم، بثمن بخس، لكي يخفف ـ ولو قليلا ـ من أعباء الحياة، ومن همومها الثقيلة..

إنه في كل يوم يحمل الأثقال على كاهله من أجل أن يخفف من أثقال الحياة…
وإنه ـ يا سيادة الرئيس ـ لا يستطيع أن يتوقف عن حمل تلك الأثقال، فبحمل تلك الأثقال وبحملها فقط ، يُطعم صغاره أبخس طعام يبقيهم على قيد الحياة ، ويكسوهم أخشن الثياب، ويسقيهم أسوأ ماء، ويعالجهم بأردأ دواء…

وحلم هذا الحمَّال هو أن يجد في كل يوم بضائع وسلعا يحملها.. وعندما لا يحالفه الحظ في يوم من الأيام، ولا يجد ما يحمله، فإنه يعيش يومه ذلك كئيبا، مهموما، محبطا، حزينا وبائسا.
لذلك فهو عندما يقرر بمحض إرادته أن يتوقف عن حمل الأثقال، دون أن يكون المرض هو سبب ذلك التوقف، فذلك يعني أن في الأمر شيئا ما يستحق التأمل.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

وبطبيعة الحال فسيكون دائما هناك من يقدم التفسيرات المبسطة، والتهم الجاهزة، لأنه لا يريدكم أن تهتموا بهموم الفقراء الذين انتخبوكم، والذين لهم عليكم حقان : حق التصويت لكم، وحق الاحتياج، فهم الأحوج للاهتمام لأنهم ظُلموا كثيرا، وعانوا كثيرا، وتجاهلهم الرؤساء كثيرا، عهدا بعد عهد، وتغييرا بعد تغيير.

وقد يقول لكم بعض مستشاريكم، ومقربيكم، بأن الأمر لا يتعدى كونه مجرد محاولة مشبوهة، من جهات سياسية معارضة، لخلق قلاقل وأزمات في البلد.وسيقولون لكم بأن الحل الأمني هو الوسيلة المناسبة للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات المفتعلة.

والحقيقة أن تلك هي أسوأ طريقة للتعامل مع مثل هذا النوع من القضايا، فهي تمثل أساليب قديمة، جُربت من قبل، واستخدام نفس الأساليب يؤدي ـ دائما ـ إلى نفس النتائج.

وربما تكون هناك جهة سياسية ما هي التي حركت الحمالين، أو على الأقل تحاول أن تكسب من تحركاتهم … ذلك شيء لا أستطيع أن أثبته أو أنفيه .. وربما تكون تحركات الحمالين هي مجرد تحركات عفوية، فرضها الواقع البائس الذي يعيشونه .. ذلك أيضا شيء لا أستطيع أن أثبته أو أنفيه.. بل أكثر من ذلك، أقول لكم، بأن كل ذلك لا يستحق أن نفكر فيها إطلاقا.

فالأسئلة التي يجب علينا أن نطرحها في هذا المقام، وأن نبحث لها عن أجوبة وحلول عادلة ومنصفة للجميع، يجب أن تكون أسئلة من نوع آخر:

فهل الحمالون يستحقون ـ سواء تظاهروا أم لم يتظاهروا ـ أن تسمعهم الحكومة، وأن تفكر معهم من أجل البحث عن حلول عادلة لمشاكلهم المطروحة منذ مدة طويلة ؟

وهل يحق للحمالين أو لأي شريحة أو فئة أو مجموعة أخرى، إذا ما ظلت أبواب الحكومة موصدة في وجهها، أن تلجأ لجهات سياسية وطنية من أجل إسماع أنينها، حتى ولو كانت تعلم بأن تلك الجهات السياسية قد تستغل ذلك الأنين وتتاجر به في مصالح حزبية ضيقة ؟

سيدي الرئيس، بعد السادس من أغسطس أعلن حملة الشهادات العاطلين عن العمل تأييدهم لحركة التصحيح، رغم أن بعضهم كان لا يرغب في اتخاذ مواقف سياسية، قد تؤثر سلبا على وحدتهم وتماسكهم. ولقد كانت حجة المساندين هي أنهم بحاجة ماسة إلى شيء من العدالة كنتم قد وعدتم بتوزيعه على كل الشعب الموريتاني.

وبعد مرور مدة من الزمن، ومع افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، ظهر حملة الشهادات أمام البرلمان وهم يطلبون من رئيس البرلمان بأن يجعل من هذه الدورة دورة لمحاربة البطالة، كما طلبوا منه أن يسائل وزير التشغيل.

فما الذي حدث وجعل حملة الشهادات يسعون بأنفسهم إلى جهات معارضة، قد تستغل معاناتهم وتستخدمها لأغراض سياسية، في وقت يعرف فيه البلد تجاذبات سياسية حادة؟
هذا سؤال يجيب على كل الأسئلة التي طُرِحت من قبله.

فلا يمكن القول بأن حملة الشهادات لا يدركون ما يقومون به، فهم متعلمون، وأصحاب شهادات عالية، ويعرفون جيدا بأن معاناتهم قد يتم استغلالها في الصراعات الدائرة حاليا بين المعارضة والموالاة.. إنهم يدركون ذلك.. ولكن المشكلة هي أن الحكومة أغلقت أبوابها أمام هؤلاء العاطلين عن العمل، وأجبرتهم بالتالي على أن يتظاهروا أمام البرلمان، وأن يناشدوا رئيسه لكي يهتم بمعاناتهم، حتى ولو أدى ذلك إلى تسييسها.

سيدي الرئيس، لقد خصصت الرسالة السادسة من هذه الرسائل المفتوحة لحملة الشهادات العاطلين عن العمل. وقدمت لكم فيها مقترحات عملية لا تكلف الدولة شيئا مذكورا، وهي مقترحات لو تم الاستماع إليها لما اضطر العاطلون عن العمل للوقوف أمام البرلمان بحثا عن نصير.

ولقد لاحظت كغيري ـ يا سيادة الرئيس ـ بأن الحكومة كثيرا ما تترك بعض القضايا التي كان يمكن أن يتم علاجها بفاتورة زهيدة، تتركها ـ بقصد أو عن غير قصد ـ تتفاقم، و تتأزم، وتزداد تعقيدا حتى تكون صالحة للتسييس.

حدث هذا مع الحمالين، وقد يحدث مع حملة الشهادات العاطلين عن العمل.

إن التغيير البناء ـ في اعتقادي ـ يتطلب تغييرا في طريقة التفكير، وتغييرا في أساليب الحكم، وفي أنماطه. فإذا كان الرؤساء من قبلكم، قد كانوا يضيعون أوقاتهم في طرح السؤال الخاطئ كلما كانت هناك احتجاجات ومطالب نقابية. وهو سؤال يربط تلك التحركات بجهات سياسية مشبوهة،. فإنه من الأجدر بكم أن تنظروا إلى الوجه الآخر للحقيقة، لكي تطرحوا السؤال المناسب :
لماذا أغلقت الحكومة الأبواب في وجه الحمالين والعاطلين عن العمل، حتى اضطروا لأن يطرقوا أبواب المعارضة، والتي قد تستغل معاناتهم في صراعها الدائر حاليا؟؟؟

في بعض الأحيان قد يكون أهم شيء نقوم به، هو طرح السؤال المناسب، في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة.

سيدي الرئيس، لقد كان بإمكانكم ـ تفاديا لاحتجاجات الحمالين ـ أن توجهوا دعوة للعشرات من هؤلاء الحمالين لحضور حفل عشاء في القصر، بمناسبة فاتح مايو، وتستمعوا لمعاناتهم وأنينهم دون وسيط. فهم أولى من غيرهم للتحدث عن معاناتهم، ولقد كان بالإمكان أن تجدوا حلا لبعض مطالبهم العادلة، وأن تعتذروا لهم عن البعض الآخر من المطالب المستحيلة، أو التي قد يصعب تحقيقها في الوقت الحالي.

قد يقول البعض بأن هذه الدعوة غريبة، وغير مألوفة، وأنها قد لا تكون مناسبة لرئيس جمهورية. وقد يعترض البعض على مثل هذه الفكرة، وخاصة أولئك الذين يفكرون بشكل تقليدي، ويتعاملون مع الأزمات المزمنة، بنفس الأساليب التي أنتجتها.

والحقيقة أن هناك أفكارا عديدة من هذا القبيل، قد تم استخدامها من طرف زعماء وقادة يهتمون بالفقراء، لذلك فقد كان من المنطقي أن ينظم رئيس الفقراء، مأدبة عشاء لصالح بعض الفقراء، الذين قد يموت أغلبهم، دون أن يملأ بطنه ولو لمرة واحدة من طعام لذيذ كالذي يأكله الرؤساء عادة.

إن هؤلاء أولى بعشاء فاخر في القصر الرئاسي، ولو لمرة واحدة في العمر، من أولئك الذين تتكرر دعوتهم ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ رغم أنهم هم من رشف المحيط بكل حيتانه، وابتلع النفط بكل مشتقاته، وأكل الحديد بكل شوائبه، ونهب الزراعة بكل محاصيلها.

ولو أنكم استقبلتموهم في القصر ولو لمرة واحدة لحققتم بذلك مكاسب كبيرة من بينها:

1ـ أن تواجد بعض البسطاء في القصر الرئاسي، كان سيمنحكم لقطة دعائية في غاية الأهمية، أنتم اليوم في أمس الحاجة إليها، وذلك بعد أن انتهى العمر الاستهلاكي للقطات دعائية سابقة، تم استهلاكها بشكل كامل أثناء الحملة الانتخابية الماضية.

2 ـ أن حفل العشاء لوحده، كان سيكفي لأن يجعل هؤلاء البسطاء الطيبين يتراجعون عن التظاهر، حتى لا يتم استغلال تحركاتهم ضد الرئيس الذي فتح لهم أبواب قصره.

3ـ إن هؤلاء البسطاء الذين لا يطلبون إلا قليلا هم الذين يمكن أن يعول عليهم في ساعة العسرة. أما أولئك الذين يتقربون إليكم اليوم، كما تقربوا إلى من سبقكم، فإن كلفتهم باهظة جدا، وهم دائما يتوارون عن الأنظار في ساعة العسرة.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد ، وإلى الرسالة الثانية عشر إن شاء الله…

محمد الأمين ولد الفاظل

رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية

هاتف 6821727

Email :elvadel@gmail.com

www .autodev.org

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى