نَازِلَةُ “التّبْيِيضِ السِّيَّاسِيِّ”

04-4.jpgيراقب الموريتانيون بقدر كبير من الحيرة والاستغراب والتعجب والاستفهام “اجْتِيًاحَ” عالم السياسة الوطنية خلال العشريات الأخيرة من طرف “سِرْبٍ” من الأشخاص غير المعروفين في ساحات النضال والعمل السياسي مستخدمين المال “كسلاح للتفوق الشامل Arme de Domination Massive ADM) /Arm of Massif Domination)
وهم غالبا أشخاص قضوا ربيع أعمارهم مستغرقين في اهتمامات أخري بعيدة إن لم تكن مُتَنَافِيًةً ومُتَلَاغِيًةً أصلا وفرعا مع أصول ومقاصد العمل السياسي.

ويسعي هؤلاء الوافدون الجدد من خلال اقتحام عالم السياسة القُلًبِ، المُتَمَوِجِ والمُتَعِرِجِ إلي ما يمكن أن نطلق عليه “التبييض السياسي” أو “التبييض بالسياسة” لماضي أو حَاضِرِ الأنشطة التي مارسوها أو لا زالوا يمارسونها وكانت سببا في “رمادية” و”ضَبَابِيًةِ” “صَحَائِفِهِمْ المَعْنَوِيًةِ” لدي الرأي والإدراك العام الذي يَعْسُرُ عليه أن يَنْظُرَ لهم أو يتقبلهم خارج دوائر “اختصاصاتهم” التقليدية.

وتنتعشُ في بلادنا أيضا أنواع أخري من تبييض الشخصية مثل “التًبْيِيضُ بالتًدَيُنِ” و‘‘التبييض الثقافي” و”التبييض الإعلامي” لكن ما يهمنا في هذه “الأَفْكَارِ المُتَقَطِعَةِ” هو “التبييض السياسي” أو “تبييض الشخصية بالسياسة” الذي يمكن تعريفه قياسا علي التعريفات القانونية لتبييض الأموال بأنه هو اقتحام عالم السياسة من طرف شخصيات غير مختصة بالسياسة غالبا، بغرض استخدام الواجهات الانتخابية (البرلمانية أو البلدية) أو الحزبية أو المدنية من أجل إخفاء أو مَحْوُ أو صَقْلِ ماضي “عدم الطًهَارَةِ” المالية أو السياسية أو “المُرُوئِيًةَ”،… أو بهدف تأمين “التغطية المعنوية” و”التحصين القانوني” لحاضر وجَارِيِ بعض الأنشطة المخالفة للقانون أو المنافية للأخلاق والذوق العام.

ويُظْهِرُ الاستقراءُ والمَسْحُ التحليلي لخارطة بُغَاةُ و”غُزَاةُ” “التبييض السياسي” أو “تبييض الشخصية بالسياسة” ببلادنا انتماءَهم في الغالب الأعم إلي أربع فئات:-

أولا- فئة “الثراء الصاروخي بلا سبب”: و هم مجموعة من الأشخاص المُنتمين غالبا إلي فئة الشباب ومتوسطي الأعمار من الجنسين الذين تحولوا ما بين غَمْضَةِ عين وانْفِتَاحِهَا إلي أثرياء كِبَارٍ، لا يُعْرَفُ لأصول ثرواتهم سبب مشروع ولا مصدر معلوم يسعون بكامل النًهَمِ والتًحَدِي و”العُدْوَانِيًةِ” أحيانا إلي احتلال المشهد السياسي ابتغاء تبييض الشخصية والمالِ مجهولِ المصدر عن طريق “المِصْعَدِ السِيًاسِي” Ascenseur politique/ Political mobility والجمع بين الحُسْنَيَيْنِ و الغَنِيمَتَيْنِ: المال الوفير والجاه السياسي الأثير؛

ثانيا- مجموعةُ أصحاب السوابق العدلية أو “المُرُوئِيًةِ”: وهؤلاء مجموعة من المنحرفين و أصحاب السوابق العدلية والشخصيات المعروفة بعدم اتقائها للشبهات واسْتِمْرَائِهَا لِخَوَارِمِ المروءة من المنتمين للجنسين والذين لُوحِظَ اهتمامُهم واقتحامُهم للميدان السياسي وسعيُهم إلي حَصْدِ وانتزاع أَلْقَابَ وعناوينَ سياسية انتخابية أو حزبية سبيلا إلي تبييض شخصياتهم عن طريق العمل السياسي وتَخْدِيرِ وتَنْوِيمِ وغَسْلِ الذاكرة الجمعية؛

ثالثا- طائفةُ أصحاب سوابق الفساد المالي والإداري والإضرار بالمرفق العام: ويتعلق الأمر بموظفين سامين متقاعدين أو لا زالوا عاملين عُرِفُوا باعتبارهم المالَ العامَ الموكل إليهم تسييرُه مُلْكًا شَخْصِيًا خاصًا او عائليا خَالِصًا سائغا فجمعوا منه ثروات طائلة يستخدمونها بسخاء لتبييض وجوههم من خلال بناء أو “شِرَاءِ” ظهير قبلي أو مدني انتخابي، فاعل، عريض ومؤثر؛

رابعا- جماعةُ رموز الغُلُوِ في تَمْجِيدِ الأنظمة الاستبدادية: وأخص بالذكر هنا جماعة السياسيين الذين اتخذوا في لحظات ضعفٍ أو خوفٍ أو جشعٍ إبان الأحكام الاستبدادية أو شبه الاستبدادية مواقفَ سياسية مُفْرِطَةَ الحَدِيًةِ في “الوَلَاءِ الأَعْمَي” حديثا أو كتابة أو عملا صَنًفَهَا الرأي العام الوطني في خانة “أُمًهَاتِ التًزَلُفِ الأعمي” والذين يسعون من خلال النضال النَشِطِ “مُفْرِطِ الحَدِيًةِ و الهِجَائِيًةِ” ضمن الأذرع النضالية لأحزاب المعارضة التقليدية إلي التوبة والتكفير عن ماضيهم وتبييض “مَارْكَاتِهِمْ” السياسية.

وتستحق نازلة “التبييض السياسي” دراسات معمقة تَسْبِرُ غَوْرَ أسبابها ومظاهرها وانعكاساتها والتصحيحات المناسبة لها وأقترح أن تكون موضع دراسات رصينة من طرف مراكز البحث والاستشراف ومواضيع بحوث طلابية من طرف طلاب درجة ودبلوم الماستر في تخصصات العلوم السياسية وعلم الاجتماع السياسي بجامعة نواكشوط. وفي تقديري “تحت المتواضع” أن أي دراسة علمية رصينة لنازلة التبييض السياسي سوف تَخْلُصُ إلي اقتراح رُزْمَةٍ من التوصيات سيكون من بينها:-

١- مراجعةُ النصوص القانونية المنشئة للأحزاب السياسية والمحددة لأهلية النًاخِبِ والمُنْتَخَبِ وقيادة العمل السياسي من أجل إدخال إجراءات قانونية رادعة تُحَارِبُ ظاهرة “التبييض السياسي” وتُعَزِزُ تَطْهِيرِ الحياة السياسية؛

٢- اشتراطُ فترة تربص تدوم عشر سنوات علي الأقل قبل استعادة أهلية الاْنتِخَابِ وأهلية الانتساب إلي الهيآت القيادية للأحزاب السياسية بالنسبة لأصحاب السوابق العدلية والمالية والتسييرية و”المُرُوئِيًةِ”؛

٣- تشجيعُ تمهين الممارسة السياسية من خلال سن مكافأة أقدمية وانتظام المسار المهني السياسي واعتباره معيارا ترجيحيا و تفضيليا حاسما في أهلية قيادة الأحزاب السياسية و الحصول علي تزكيتها للترشح للانتخابات البرلمانية والبلدية وذلك ابتغاء إغلاق الباب أمام الطموحات غير المشروعة لغزاة التبييض السياسي الذين لا ينتسبون عادة للأحزاب السياسية إلا من باب المراكز القيادية أو الترشيحات الانتخابية؛

٤- إعدادُ استراتجية متكاملة الأبعاد واضحة الأهداف محددة الآجال الزمنية لمحاربة “التبييض السياسي” خصوصا و”لتطهير” الحقل السياسي عموما من الشوائب والشبهات التي علقت به من رواسب ومخلفات الأحادية السياسية؛

٥- تحيينُ و شرحُ وتبسيط وتطبيق القانون المنظم لتمويل الأحزاب والأنشطة السياسية والحملات الانتخابية سبيلا إلي تَحْجِيمِ أو تَحْيِيدِ الدور السلبي للمال السياسي – الذي هو “بَيْتُ الدًاءِ الوطني”- في التأثير علي قناعات الناخبين وإفساد و”تفليس” المشهد السياسي.

**- هذا المقال نشرته عام 2015 فلما أعدت قراءته اليوم ألْفَيته ما زال صالحا 100% لهذا الزمان وهذا المكان.

من موقع الطواري

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى