مرة أخرى: هل أبو حفص يلوح بالفتنة وبالجماعات…

في تدوينة على الفيسبوك، انتقد محفوط ولد الوالد المعروف باسمه الجهادي”أبو حفص الموريتاني”، القائد السابق في تنظيم القاعدة الذي كان من دائرة المقربين الأوائل من أسامة بن لادن، انتقد بشدة مشروع “القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والفتيات” الذي صادق عليه مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير.

خطاب ناري…

استخدم أبو حفص لغة عنيفة في هجومه الشرس على مشروع القانون، ملوحا في خطاب ناري بمآسي أمنية ستلحق بالبلد، حسب توقعاته التي تنذر بخطر كبير يتربص بموريتانيا إن هي اعتمدت هذا القانون حسب رأيه. وعَدَّد دوافع خوف شديد ومظاهر أزمة أمنية عاصفة وعواقبها الوخيمة على البلد كما يتصور هو كل ذلك، قائلا بنبرة حادة لا تخلو من تهديدات ضمنية موجهة للدولة:

“إن تبني هذا القانون وما على شاكلته من قوانين وضعية مصادمة للشريعة الإسلامية، مفروضة من الدول الغربية، والمنظمات الدولية، ليس تبديلا للأحكام الشرعية فقط، ولا استفزازا للمجتمع المسلم فحسب، بل يعتبر من اهم اسباب الاضطرابات الأمنية، وإثارة الفتن الداخلية في المجتمعات الإسلامية، وخروج الجماعات المسلحة، وما ينجر عن ذلك كله من تداعيات خطيرة عصفت بدول ومجتمعات، فأهلكت الحرث والنسل، وما هي منا ببعيد”

ثم أضاف باسلوب الآمر الناهي:

“واجب الحكومة الأول هو التراجع عن هذا القانون اللعين (…) وواجب الجميع المشاركة – كل من موقعه- في حملة إسقاط هذا القانون البغيض، وخاصة العلماء، والدعاة، والأئمة والخطباء، واصحاب المنابر والأقلام، والنشطاء في وسائل التواصل والإعلام”.07-6.png

ويلاحظ أنه لم يدرج الجماعات المسلحة في لائحة من دعاهم بصورة مباشرة، واضحة وعلنية، للمشاركة في “حملة إسقاط هذا القانون البغيض (و)اللعين” على حد تعبيره. لكن إشارته إليهم التي سبق ذكرها- فيما اطلق عليه عبارة “خروج الجماعات المسلحة” وقوله “كل من موقعه”- قد تكفي ليحسبوا ويحسب القارئ أنهم معنيون بدعوة زميلهم ومفتيهم السابق، عملا بالمقولة الشهيرة: “من نور الله قلبه فالإشارة تكفيه” والقوم- “المتشددون” في الدين و”الجهاديون”- يعتقدون أنهم هم وحدهم من نور الله قلوبهم.

… يُعيد الكرَّة…

هذه هي المرة الثانية على الأقل التي يدخل فيها أبوحفص الجدل السياسي بهذه الطريقة العنيفة. فسبق له أن أدلى بدلوه بأسلوب مماثل في ملف ولد امخيطير. مثيرا آنذاك تساؤلات واشكاليات محيرة- وربما مخيفة!- تعيد نفسها الآن من جديد:
“تُرى كيف ستتعامل الدولة الموريتانية وغيرها من الدول والمنظمات الدولية مع هذا النوع من الخرجات الإعلامية المُحمَّلة بشحنة غضب عارمة.. صادرة عن قيادي “جهادي” سابق كان الشخصية الثالثة في القاعدة، شحنة قد يؤولها متلقو الرسالة على أنها دعوة غير مباشرة إلى العنف والعصيان؟

هل هذا النوع من الخطاب يندرج في سجل “التطرف العنيف” كما عرفته أدبيات الأمم المتحدة وأدبيات اخرى كثيرة تدخل في باب محاربة الإرهاب، علما أن تلك التعريفات غير دقيقة وليست محل إجماع؟

ومن المسَلّم به أن خطابات “التطرف العنيف”- رغم ما يثيره المفهوم من جدل- هي المغذي الإيديولوجي للإرهاب وهي حاضنه الفكري. لذلك فمهما كانت الإجابات، فإنه من الوارد أن تتحلى هذه التساؤلات.. وما قد ينجم عنها من تداعيات.. بدرجة عالية من الاهتمام من لدن العاملين في المجالات الأمنية ومن لدن الباحثين في الشؤون الاستراتيجية.”

(انظر: “->الحكم على ولد أمخيطير: هل يُخرج محفوظ ولد الوالد عن صمته ليمارس التطرف العنيف؟]”).

جدل في غير محله …

تجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون المذكور موضع جدل عميق وواسع في البلد شمل السياسيين والفقهاء وغيرهم. حتى الحركات المحسوبة على الإسلام السياسي، – مثل حزب تواصل- فقد انشق منتسبوها وانصارها حول الموضوع. ولم تسلم نقاشاتهم من التشنج والعنف اللفظي كما يظهر من تدوينات وأقوال وخرجات إعلامية منسوبة لبعضهم مثل ما جرى بين السيدة سعداني خيطور النائب في الجمعية الو طنية باسم تواصل والسيد خالد إسلمو المنتمي هو الآخر لنفس الحزب. لكن ولد الوالد (أبو حفص) هو الوحيد- حسب علمنا- الذي أثار “إثارة الفتن الداخلية (…) وخروج الجماعات المسلحة”.

ومن جهة أخرى، فإننا نعتقد أن الظرفية الراهنة لم تكن أحسن فترة زمنية لطرح هذا النوع من المواضيع الجدلية والحساسة، وذلك لسببين يتعلق الاول منهما بشهر رمضان والثاني بجائحة كورونا.

أولا: فترة رمضان من السهل جدا تجييش المشاعر الدينية فيها لمن أرادوا ذلك. وبصورة خاصة يشكل “الدفاع عن الإسلام وصيانته من الشوائب العلمانية” في هذا الشهر المعظم شعارا رابحا سيستغله مناوئو مشروع القانون. وكان من المفروض أن تتفادى الحكومة طرحه في الظروف الراهنة، باعتبار أنه سبق أن أثار ضجة كبيرة منذ سنتين لما طُرح تحت عنوان “قانون النوع”، لدرجة أن السلطات آنذاك سحبته أو على الأقل أرجأت طرحه إلى أجل غير مسمى. ولا نعتقد أن الوضع اليوم صار أكثر ملاءمة مما كان عليه عام 2018.. بل على العكس طرح هذا النوع من المواضيع الجدلية التي قد يتخذ صبغة دينية في شهر رمضان غير ملائم ..لأن المتعصبين وكثيرا من المناورين السياسيين الذين يتصرفون تحت “راية الإسلام” سيجعلون منه مطية جيدة يركبونها خلال الشهر المعظم، حيث الآذان صاغية لكل ما تعطى له كسوة دينية.

ثانيا: مكافحة جائحة فيروس كورونا وعمليات الوقاية منها تستدعى الحذر مما قد يشغل الرأي العام عن الإجراءات الاحترازية.. ويخل بأجواء الوحدة الوطنية وروح التوافق التي بدأت تسود حول الموضوع. ونشير في هذا الصدد إلى أن المسيرات والتجمعات الشعبية لا ينبغي القبول بها أيا كان الدافع. وقد فعلت النقابات حسنا لما عدلت عنها بمناسبة يوم عيد العمال الأخير في فاتح مايو. وعلى الفقهاء والعلماء وصانعي وناشري الرأي النشطين- من أمثال محفوظ ولد الوالد[i] ومحمد الحسن ولد الددو وولد سيدي يحيا والإمام احمدو ولد لمرابط ولد حبيب الرحمان (شفاه الله) وغيرهم- أن يدعوا الناس إلى التحلي بسلوك مماثل فيما يعني الجدل حول مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة والفتيات. فضرورة التباعد الاجتماعي بصورة خاصة تتطلب منهم أن ينأوا بعيدا بأنفسهم وينهوا عن أي تظاهرات أو تجمعات شعبية، مساندة كانت أو مناوئة لمشروع القانون المذكور.

فصانعو الرأي وناشروه، الذين لهم صيت – أو بعبارة أخرى: لهم مرئية (visibilité)- من مستوى هؤلاء القوم، لهم دور فعال في محاربة الجائحة. ولا ينبغي أن يولوا ظهورهم لها أو ينشغلوا عنها بجدالات ليست في محلها، خاصة إن كانت الأقوال التي تصدر عنهم أو عن بعضهم مثيرة للحيرة ومريبة، كما هو حال تدوينة أبو حفص التي قد يرى فيها البعض ما يحيل إلى التطرف العنيف، خاصة أن المعني له ماض مع تنظيم القاعدة مازال يلاحقه على الساحة الإعلامية، حيث نلاحظ ترويجا الآن لفيلم وثاقي حوله أعدته قناة عربية تحت عنوان رهيب.

البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
رئيس معهد ام التونسي للدراسات الاسترانتيجية

[i] في هذه النقطة بالذات يشكل موقف ولد الوالد من التجمعات والتظاهرات الشعبية محكا هاما ومصدر تساؤل كبير: هل هو معها كما يفهم من تدوينته؟ أم ضدها طبقا لما تقتضيه الظروف الصحية العالمية الراهنة وارشادات الهيئات المختصة، الوطنية والدولية؟

من موقع موريتانيا المعلومة

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى