تهتم بعض الصحف والمجلات، وحتى الفضائيات ودور النشر –عبر العالم- باكتتاب شخص درجت على تسميته “المدقق اللغوي”، تناط به مسؤولية تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية والصرفية والعروضية، وما إلى ذلك..
يقضى ذلك “المدقق” وقت عمله كله منهمكا فى “طلص” تاء مربوطة، أو إلغاء الجر عن كلمة غير مجرورة، أو صرف عبارة منعها احد المحررين أو الكتاب من الصرف، أو إبطال مفعول أداة نصب وضعت في غير محلها ،أو علاج “علة” كلمة غير معتلة أصلا ،أو الدفاع عن همزة غير متطرفة أصر احد الكتاب على جعلها “متطرفة” (بسوء نية أو بحسن نية) وتخليص همزة “عالقة” على ياء أو واو لأنها مكتوبة بطريقة خاطئة وهكذا..
يساهم “المدقق اللغوي”عادة و بعمله المحوري هذ في حفظ اللغة، والدفاع عنها، وتنشئة القراء المستهدفين بالمادة الإعلامية على نطق جملها وحروفها وكتابتها بطريقة صحيحة، غير أن وظيفة هذ الصنف من المدققين أصبحت مهددة بفعل حاجة الصحف المكتوبة خصوصا -وبالأخص في بلادنا المقبلة على فضاء إعلامي يقال انه سيكون أكثر حرية- إلى مدققين سياسيين يميزون بين الصالح والطالح فى استخدام العبارات السياسية، والتعاطي مع السياسيين في أحزابهم وتياراتهم وولاءاتهم (التي تتغير على مدار الساعة) بحثا عن مصالح واقتناصا لمواقف ومواقع أكثر أهمية ومردودية من الناحيتين المادية والمعنوية..
وربما يتم تجاوز دور المدققين اللغويين قريبا، فالعربية لم تعد مهمة لدى احد والهجوم عليها وعلى دعاة ترسيمها استجابة لمعطيات التاريخ والحضارة والدين وحتى الدستور، أصبح موضة لا تمنع حتى “علية القوم”- من رافعي شعارات التدين والالتزام الديني- من استخدام محارم اللسان لسلق المدافعين عن العروبة والعربية بالسنة حداد ،لا توقر كبيرا ولا ترحم صغيرا، ولا تمسك حتى عن ميت في قبره، خدمة لأجندات سياسية محلية وخارجية ،ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب، يشدها خيط مهترئ نحو جهات خارجية، وتحاول تثبيت نفسها داخليا بخيط عنكبوت.
إن من مهمة “المدقق السياسي” الذي سيكون البديل الوحيد للمدقق اللغوي، فرز المقالات وتفكيك مكوناتها، ونبش سطورها جيدا حتى لا تغضب هذ التيار السياسي أو ذاك، وحتى لا تحمل عبارات مفخخة قد تعنى هجوما هنا أو محاباة هناك..!
على المدقق الجديد إعداد لائحة متكاملة بالأحزاب السياسية الوطنية، والتيارات السياسية المحلية وامتداداتها وجذورها الخارجية.
إن عليه أن يعرف الممنوعات والمحظورات والمطبات بالنسبة لتلك الأحزاب والتيارات، فمثلا يتعين عليه معرفة ما يجوز وما يستحيل في حق “الإسلاميين” و”القوميين” و”اليساريين” وما يغضب هؤلاء وما يرضى اؤلئك..!
وعليه – تأكيدا- الإلمام بالتاريخ المحلي والعالمي لتلك الطوائف السياسية وغيرها، والإلمام الجيد بنشأتها وصراعاتها ومرجعياتها الحالية والمنقرضة والمفترضة ونحو ذلك..
اعتقد جازما انه سيصبح لكل صحيفة محلية مستقلة عندنا “مدقق سياسي” ينير لها الطريق ب”تدقيقاته” ( ليست مالية والحمد لله) وانه سينجح في تحويلها إلى مجرد منشور لا يرضى صديقا ولا يغيظ عدوا لأنه خال من “كوليسترول” النقد السياسي بالكامل.
oulahmedhabib@yahoo.fr