ترشح الإسلاميين .. رفع للحرج أم بحث عن مخرج!!

إذا كان بلإمكان نشر هذا المقال مع كامل الاحترام.
ترشح الإسلاميين .. رفع للحرج أم بحث عن مخرج!!

على عكس ما كان متوقعا لم يثر قرار تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا الكثير من الجدل والنقاش كما أرادوا، أو كما أراد معجبوهم ومنتقدوهم على حد السواء. بل ظل تداوله في نطاق طائفة قليلة ومحصورة من الكتاب المصنفين مسبقا وحكما؛ ما جعلنا نحاول تلمس خلفيات وما ورائيات ذلك القرار، والمقصد الحقيقي منه.

محاولين الوقوف على المهم منه، وكذلك فهم دوافعه الإستراتيجية منها والتكتيكية، في ساحة سياسية ملتهبة ومتيقظة، وفي وضعية الكل على علم بها.

ما ميز قرار الإخوان المسلمين هذه المرة بصورة ملفتة للغاية هو سرعته، على خلاف سابقيه من قراراتهم السياسية التي توصف دائما من قبل البعض بالمصيرية، حيث كان انسحابهم المتأخر نسبيا عن تكتل القوى الديمقراطية ومرشحه لرئاسيات 2003 السيد أحمد ولد داداه بفترة وجيزة قبل بداية الحملة الرئاسية، ودعمهم حينها الرئيس والعسكري السابق محمد خونه ولد هيدالة.

ثم انتظارهم طويلا قبل اتخاذ أي قرار في الانتخابات الأخيرة 2007، وكانوا حديث الساحة السياسية والشغل الشاغل لمتتبعيها، قبل أن يدعموا في الشوط الأول الرائد السابق ومدبر محاولة 6-7 يونيو 2003 الانقلابية الشهيرة، في حين دعموا المتأهل للشوط الثاني أحمد ولد داداه، بعد أن دعمه بصورة سريعة السيد صالح ولد حننة، الذي حصل حينها مع الإسلاميين على نسبة 6٪ من الأصوات، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بما كان متوقعا ومروجا له، مع العلم أن تلك الانتخابات جرت في ظروف جيدة، على الأقل من الناحية الفنية.

2- البيان رقم واحد !!!

ما لم يكن متوقعا إلى وقت قريب من طرف الجميع، وحتى من رأس الهرم السياسي الظاهر لحركة الإخوان المسلمين وحزبهم تواصل، هو أن يقدم رفاق جميل على الزج به وبصورة مفاجأة في أتون صراع سياسي شرس، ليست الخطابة والنباهة التي يمتلكها أهم أسلحته، ولا حتى طوق نجاة له، وإنما قبل هذا وذاك المال والتحالفات السياسية والقبلية، وأمور أخرى كثيرة لسنا هنا في وارد الحديث عنها؛ نظرا لضيق المقال.

على كل حال أذن مؤذن “هذا بيان للناس”، وأردف آخر “جفت الأقلام وطويت الصحف”، ولم يبق لنا غير تلمس أبعاد ودوافع هذا القرار الذي يمكن وصفه بالتاريخي والغامض والسريع!!!.

على الأقل في نظرنا ونظر الباحثين عن خيوط دقيقة، فإنه يمكن من استشراف المواقف اللاحقة أو المكملة له، إن لم يكن بحد ذاته بداية طبيعية ومنطقية لما بعده وينبئ به. خاصة إذا علمنا انه لفهم هذا القرار يجب أن لا نغيب موريتانيا عن محيطها السياسي الإقليمي والدولي وما يجرى فيهما من محاولات جادة من الفاعلين فيهما لصنع تحالفات ودعم القائم منها، والذي يبدو أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الوصي على إخوان موريتانيا أحد أطرافه الفاعلة.

يمكن الإنصات بخشوع لمن يجادل عن ترشيح السيد جميل منصور بأنه من حق الحركة الإسلامية أن ترشح من شاءت، أو أن يصيبها الملل جراء دعم مرشحين لا يشاطرونها مشروعها للحكم الإسلامي، والبعض منهم يخالفه في بعض أسسه التنظيمية وإن لم يعلنها..

كما أن لها الحق في نشر خطابها دون غيره، والبحث عن أنصار جدد، وإبراز وجهة نظرها للأمور، وبالتحديد لمن يرون فيها بعبعا قاتلا، لا يعرف من الديمقراطية إلا اسمها ورسمها، وبالتالي مسح تلك الصورة النمطية، أو تغيرها على الأقل.

وهي بين هذا وذاك ـ وهو مربط الفرس ـ تزن أو تريد أن تكتشف بصورة قاطعة وزن جماهيرها، ـ بعد أن رشحت نجمها بلا منازع- ، وتقيس مدى تغلغل خطابها في الشارع الموريتاني، وأين بلغت أسهمها بعد كل هذه الصولات والجولات.

3- نصف مفاجأة….!!

كانت هذه الجملة من إنتاج وصنع رئيس الجمعية الوطنية وزعيم التحالف الشعبي التقدمي وأحد أبرز معارضي انقلاب 6 أغشت 2008 السيد مسعود ولد بلخير، والذي عاش قرابة عشرة أشهر بحلوها ومرها مع قادة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، التي كان المرشح السيد جميل أحد أعمدتها البارزين، ورئيسها الدوري أيان إعلانه ترشحه الانفرادي.

ما عرف عن السيد مسعود هو الصراحة لدرجة الحدة، وقد تفوه بتلك العبارة ( نصف مفاجأة) في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية بعد يوم كامل لعلمه قرار الترشح ـ وربما أكثرـ، ما يجعلنا نذهب لكونه قالها عن ترو ورزانة، ويقصدها بكل معانيها.

فجميل في لحظة إعلان خبر ترشحه هو الرئيس الدوري للجبهة، وأعضاء هذه الأخيرة باتوا يتوجهون لدعم زعيم أكبر أحزابها والعمود الفقري لها، وبالإجماع؛ ما يجعل تواصل غير معذور في تخلفه عن هذا الإجماع النادر لقوى المعارضة، والتوجه لخيار آخر مرفوضا أو غير مفهوم. وما يجعل الحمل ثقيلا ينوء بجميل ورفاقه أن دعم أي مرشح آخر غير مسعود- المجمع عليه- فيه رسالة جارحة وغير حكيمة لطائفة مهمة من الشعب الموريتاني، عانت زمنا طويلا من الظلم، لم ينصفها التاريخ ولا المجتمع، ولم يبق لإنصافها غير حملة المشاريع الجادة.

يضاف إلى ذلك حاجة جميل ورفاقه إلى موطئ قدم لهم في هذه الطائفة، التي تدين بالولاء في نسبة معتبرة منها لزعميها الروحي مسعود، ولكان قرار دعمهم له ـ لو اتخذ ـ بادرة حسن نية، ومدا لحبل تواصل بينهما، تواصل بأشد الحاجة إليه.

ولكان هذا القرار كذلك تجسيدا عمليا رائعا و صادقا لجماعة طالما نادت بقوله صلى الله عليه وسلم ” لا فضل لعربي على أعجمي (…) ولا أبيض على أسود (…) إلا بالتقوى”،
وهي لعمري في ذلك محقة.
ولكان ضربة قاضية وسهما قاتلا لمن يرمونها بتكريس وتشجيع الطبقية، لا من حيث استهداف شريحة الأتباع والأشياع الخاصتين، وإنما بنوعية القادة والمتنفذين.

ومن تمعن ما يصدر عن أوساط الحركة الإسلامية في نقدها لغيرها من الحركات السياسية التي كانت سباقة إلى تجسيد أفكارها في الدفاع عن هذه الطبقة المظلومة، إن من خلال التنظير السياسي الواقعي ـ البعث ـ أواسط الثمانينات، أو التطبيق العملي ـ الناصريين ـ بداية العقد الحالي، يدرك أن الإسلاميين مطالبين وقد أتيحت لهم الفرصة أن يثبتوا القول بالفعل، ويبتعدوا عن مواقع الشبهات بقرار واضح، يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

4- استقلال تواصل!!

خرجنا الآن من باب المفاجآت وأنصافها إلى واقع الترشح وتحدياتها، في وقت كل الاحتمالات فيه مفتوحة ، وبالطبع يمكن للكل أن يحقق مفاجآت كاملة، بمن فيهم السيد جميل.
دون أن يكون عرض آراء المتحمسين لهذا الترشيح أو المتشائمين منه ذا أهمية كبيرة؛ نظرا لبنائه على خلفية عاطفية انطباعية ووقتية، ولبعده عن الواقع السياسي وتجليات مشاهده.
فإن الواقع قد قسم أبطال السباق الرئاسي إلى ثلاث درجات، ووضع السيد جميل في أوسطها بين القوة والضعف، رفقة رفيقه السابق في المعارضة صار مختار ابراهيما، والذي يبدو أنه قد غادرها.!؟
لابد أن التواصليين يطمحون إلى تحقيق مفاجأة كبيرة على غرار حزب التنمية والعدالة التركي أو على الأقل العدالة والتنمية المغربي، وبالتالي يضمنون الانتقال من درجة الأحزاب المتوسطة إلى الأحزاب الكبيرة، سيما وأنهم يتمتعون بنفوذ قوي في صفوف الشباب وفي المدن الكبرى، ويمنون النفس بكل تلك الأماني الجميلة.
لكن الحديث عن قلاع الإسلاميين القوية لا يعني أبدا الحديث عن قلاع حصينة، أو حتى وفية في مواجهة النافذين الأقوياء بهذه الأخيرة، وما انتخابات 2007 عنا ببعيدة.

فالحديث عن نفوذ الإسلاميين التقليدي يدفعنا قسرا للحديث عن منطقة اترارزة” الشرقية”، والحديث عن اترارزة يحيلنا قسرا هو الآخر للحديث عن التكتل وزعيمه الآسر لقلوب سكان هذه المنطقة، وهنا يجد البعض أن ترشيح السيد جميل لم يكن سوى خطة محكمة لإبعاد السيد أحمد ولد داداه عن الشوط الثاني؛ لكونه أحد أقوى المؤهلين له، وانتزاع نسبة مهمة من نطاق نفوذه التقليدي، وعندها لا يجد الإسلاميون مرة أخرى حرجا من دعم مرشح آخر، خاصة أن بديله في الشوط الثاني ربما يكون من نصيب اعل ولد محمد فال الخصم اللدود للتيار.

عندها يكون موقفهم هذا قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

5- مفاجأة كاملة!!

إن قرار الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ليس مجرد نزهة سياسية، وبالذات لحملة المشاريع الجادة؛ لأن نتيجة الانتخابات نتيجة كاشفة لواقع ومنشأة لآخر، قد يكون غير محبب لأصحابه.
ثم إن تراجع الإسلام السياسي في الدول العربية عند كل واقعة انتخابية نزيهة أو غير نزيهة، بات ملحوظا، ويكفي للتدليل على ذلك سرد أمثلة من بعض نتائج الانتخابات الأخيرة في كل من الأردن والكويت والمغرب، حيث فقد الإسلاميون في هذه الانتخابات جل مقاعدهم النيابية.
إذن فإن نتيجة انتخابات 18 يوليو 2009 قد تكون نكسة لرفاق جميل، وستظهرهم بمظهر مخالف لتحركاتهم وزخمهم الإعلامي، وربما تدفعهم إلى اتخاذ مواقف يائسة.

صحيح أنه لا يمكن لمنصف أن ينكر جدية ونشاط أتباع حزب تواصل ولا تفانيهم في خدمة حزبهم ومعتقداتهم لحد التصوف، ولا انتشارهم في صفوف الشباب الذين تلتهب بداخلهم فكرة الحاكمية الإسلامية، وضرورة تغيير المجتمع جذريا، كما أنهم محظوظون بقيادة جميل الذي أتقن فن لعبة الديمقراطية وفن إظهارها في مظهر المنتج الذي لا يخالف المبدأ الإسلامي.
لكن صحيح أيضا سيطرة موريتانيا الأعماق التي لا تروق لها لأفكار القادمة من المشرق من طرف شباب أحداث ,,..
و صحيح أيضا أن ثالوث المالكية والأشعرية والتصوف يحكم قبضته على نسيج المجتمع المسكون بهاجس الخوف من الإسلام “الجديد” القادم من أرض بعيدة، وكم هم الموريتانيون متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية.
هذا ولا يجب إهمال القوة الضاربة لأحزاب المعارضة، ذات القاعدة الثابتة، والتي يبدو أنها قد تفضل الإسلامي عمدة أو نائبا، دون أن يكون قريبا من القصر الرمادي.
إذا ما حصل المتوقع، وسارت الأمور وفق طبيعتها؛ فان هذه المقدمات تنبئ لاشك بنتيجة جد متواضعة للتواصليين، وستحجم من دورهم كثيرا عند الشوط الثاني وبعده، ولن تكون هذه النتيجة إلا تأكيدا لمن يقول انه لا ضرورة لحزب إسلامي في دولة إسلامية.

6 ـ الخيار الآخر؟

من المؤكد أن التواصليين يضعون هذه الاحتمالات وغيرها في الحسبان؛ فهم في آخر عهدهم بدأوا يتأثرون بالمدرسة التحليلية – على حد رأي جميل- ولن تكون غائبة عن أذهانهم تداعياتها.
ولا شك أن الدافع خلف هذا القرار التاريخي كان قويا، وليس مجرد قرار قاعدي كما يشاع. فلأتباع تواصل من الانضباط ما يمنعهم من إحراج قيادتهم، وللأخيرة من الكاريزما والتأثير و القدرة على رسم الطريق المبتغى، ما يجعلها متمكنة من الإبحار بالمركب نحو أي اتجاه ترضاه.
إذ العلاقة بين الأمير والرعية عند الحركات الإسلامية قريب في شكله بالعلاقة بين المريد وشيخه.
لا بد أن للأمر علاقة حقيقية بالمرشحين قبل البرامج، وبإكراهات الشوط الثاني قبل التعطش للوصول إلى السلطة، وبالتأثيرات الإقليمية وتحالفاتها المعقدة، قبل الداخل وأوراقه المختلطة.

هذه التداخلات أثرت في قرار رفاق الجميل؛ بحيث أظهرت وكأن للقرار علاقة برفع الحرج، وإن رآها آخرون محاولة ذكية وألمعية للبحث عن مخرج.

مولاي أحمد ولد لمونك طالب موريتاني بالمغرب

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى