الفصاحة

“ولا يَخفَى على أَحَدٍ من السَّامِعِين أنَّ، تَسْمِيَّةَ الغُصْنِ غُصْناً، أو فَنَناً، أحْسَنُ من تَسْمِيتِه عُسْلُوجًا. وأنَّ أغْصَانَ البَانِ، أَحْسَنُ من عَسَالِيجِ الشَّوحَطِ، في السَّمْع.”

ابن سنان الخفاجي – سر الفصاحة.


لتحميل الكتاب على جهازك كاملا بالتنسيق وورد اضغط على الرابط : الفصاحة

تمهيد

كنا في جامعة نواكشوط مجموعة من خريجي المعهد العالي العلمي (شعبة المناهج المعلوماتية المطبقة على تسيير المؤسسات) وقد تم تكليفنا من قبل إدارة الجامعة بمهمة إنشاء مركز للمصادر المعلوماتية يقوم بإنتاج البرمجيات اللازمة للتسيير.

كان ذلك في مطلع التسعينيات، و كان من الصعب آنذاك إيجاد نظام لتسيير المعطيات يعمل بشكل صحيح باللغة العربية. لم تكن الأجهزة المتوفرة معدة أصلا لمعالجة المعلومات باللغة العربية، ولا أحد يتصور أن هذه الآلة السحرية التي يسمونها “العقل الإلكتروني” عاجزة تماما عن كتابة حرف واحد باللغة العربية.

لن يتقبل الطلاب ولا الأساتذة أوراقا بلغة لا يفهمونها. وليس هذا فحسب بل كان التعريب مطلبا وطنيا آنذاك.
كنا نعمل تحت الإشراف الفني لخبير من التعاون الفرنسي رايمون سوز، وجربنا عدة حلول فنية ولم نفلح في كتابة حرف واحد بلغتنا.

وبعد عدة شهور من البحث عثرنا على برنامج تم إعداده في البحرين من قبل شركة أمريكية اسمها :01 System يعمل بكفاءة مع نظام قواعد المعلوماتية باللغة العربية.
تمكنا بفضل ذلك البرنامج من بناء أول قاعدة معربة للمعطيات في الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

وبدأنا نعي أن العمل في مجال المعلوماتية باللغة العربية ممكن، لكنه ما زال يواجه مصاعب كثيرة، يتعين علينا إيجاد حلول لها.

وبعد بناء قاعدة للمعطيات تعمل باللغتين – العربية والفرنسية- بشكل متساو،
سرعان ما ظهرت الحاجة إلى بناء برنامج يساعد على ترجمة أسماء الأعلام بين اللغتين بصفة آلية.

لم يخطر على بال أحد منا أننا قد نحتاج – يوما ما – للرجوع إلى قواعد الخليل ابن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، وابن جني، لحل مصاعب فنية في مجال اختصاصنا الذي يبعد كل البعد عن تلك القواعد.

لكن سرعان ما بدأت تطرح علينا أسئلة لم نجد لها أجوبة. فأول مشكلة واجهتنا كانت مع ما يعرف بالحروف الشمسية والحروف القمرية : لماذا تنطق لام التعريف تارة وتختفي تارة أخرى؟ لماذا تكون بعض الحروف شمسية وبعضها الآخر قمريا؟

لماذا رغب العرب عن نطق اللام مع الشين ونطقوها مع القاف؟ ما هو الفرق بين القاف والشين؟

أسئلة لم نجد لها أجوبة شافية لكنها أثارت لدينا فضولا علميا ورغبة في معرفة الأسس التي بني عليها اللفظ العربي المفرد. فجاء هذا البحث استجابة لتلك الرغبة ولذلك الفضول، وتلبية لحاجتنا الماسة إلى تطويع ضوابط لغتنا لمتطلبات العصر، أو تطويع متطلبات العصر لخدمة اللغة العربية.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم، وبعد:

يتناول هذا البحث موضوع الفصاحة من عدة جوانب، ويعتمد في المقام الأول، على دراسة اللفظ العربي بالأسُس المنهجية الحديثة لعلم الأصوات، لكن مع إبرازِ آراءِ اللغويين القُدماء بهذا الشأن، وعرضٍ مفصل لمضامينها العلمية.

والسؤال الذي يرمي إلى طرحه، وتوجيه البحث إليه هو: إلى أي حد يمكن أن نضع شروطا لفصاحة اللفظ العربي المفرد، بحيث تكون هذه الشروط، غير متعلقة بالمعني، أي قابلة للبرمجة على الحاسب الآلي؟ أو على الأقل من الناحية النظرية.

نخص اللفظ العربي المفرد، بغض النظر عن سياقه اللغوي أو مكانه من الإعراب. فندرس اللفظ من حيث الشكل، كوحدة مستقلة جامدة، وذلك من ناحية النطق: سهولته أو صعوبته، والاستخدام: كثرته أو قلته، غير أن هذا التخصيص، لا يحد من شمولية النتائج التي قد نصل إليها، وإنما يمكن من حصر مجال البحث، والحد من تشعب الدراسة.

فقد اكتفينا في دراسة الأبنية العربية بذكر الأوزان الصرفية الممنوعة في باب “ليس في كلامهم تأليفٌ على وزن فَيْعَلُول إلا عيدشون” مثلا، وركزنا على ما يتعلق بالحروف في باب ليسَ – دون الحركات- مثل “ليس في كلام العرب، شينٌ بعد لامٍ في كلمة عربية محضة”، لان هذا الباب يساعد على إيجاد تنظير منطقي، يُمْكِن الاعتماد عليه في بناء نظام مُدَقِّقٍ آلي لمفــردات اللغة العربية المكتوبة بصفة غير مُشَكَّلَة. أي على الكتابة العربية بشكلها الشائع. ويساهم أيضا، في محاولة حصر اللغة بالحد، دون اللجوء إلى العد، وهذا أمر في غاية الأهمية إن أمكن التوصل إليه.

فلو توصل اللغويون إلى وضع مَوازِين، تقاس بها فصاحة اللفظ العربي، تُقاربُ الأوزان الشعرية التي وضعها الخليل، لا تتعلق بالمعني، لكان بوسعنا إيجاد تنظير منطقي – مستغن عن المعاجم – لتصحيح مفردات اللغة العربية الفصحى، وتنقيَتها بصفة آلية.

وإن كانت الدراسات الصوتية للمَقْطَعِ العربي، قد قاربت التوصل إلى نتائج أساسية بهذا الصدد، فهي لم تصل حتى الآن إلى ما يفي تماما بهذا الغرض.

يتكون هذا البحث من ثلاثة فصول. الأول في الفصاحة، والثاني في خصائص الحروف، والثالث في بناء اللفظ العربي المفرد.

يتعرض الفصل الأول للفصاحة من حيث اللغة والتعريف، كما يتعرض للأمور المخلة بفصاحة اللفظ العربي المفرد من ابتذال، وغرابة، ومخالفة للقياس اللغوي، بالإضافة إلى التنافر، وقلة الحروف أو كثرتها.

ويتعرض الفصل الثاني لتحديد مخارج الحروف، وخصائصها الصوتية: الهمس والجهر، الشدة والرخاوة، الإطباق والاستعلاء، بالإضافة إلى نـسب شيوع هذه الأصوات في اللغة العربية بصفة عامة، وفي القرآن الكريم على وجه الخصوص. كما ورد ذكر للجزء الأول من نتائج الاختبار الإحصائي الذي أجري -لأغراض هذا البحث- على نصوص مختارة هي: الآية 29 من سورة الفتح، وخطبة أكثم بن صيفي، ورسالة المنذر إلى كسرى فارس.

أما الفصل الثالث فيتناول الأبنية العربية: المستعمل منها والمهمل، ثم الممتنع، بالإضافة إلى دراسة المقطع في اللغة العربية الفصحى، وكذلك الجزء الثاني من نتائج الاختبار الإحصائي لتوزيع المقاطع في النصوص المختارة، هذه النصوص التي ترد كاملة في الملحق وهي : خطبة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث أم زرع لعائشة أم المؤمنين، وخطبة عبد المطلب بن هاشم أمام سيف ابن ذي يزن ملك اليمن، وخطبة أكثم بن صيفي أيضا، ورسالة المنذر بن ماء السماء إلى كسرى فارس.

سداحمد ولد مولود- نواكشوط بتاريخ 30 مارس 2003

لتحميل الكتاب على جهازك كاملا بالتنسيق وورد اضغط على الرابط : الفصاحة