تنبؤات صادقة….و أخرى كاذبة !!!

في آخر زيارة له لولاية لعصابه و بالذات لمدينة كيفه ، قال الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطايع بأن شركات التنقيب عن النفط أكدت وجوده في موريتانيا و أنه سيتم استخراجه ، بل إن البلاد ستكون دولة نفطية في القريب العاجل ، لا بل ستكون دولة غنية لأنها تتوفر فضلا عن النفط على السمك و النحاس و الجبس و اليورانيوم و الذهب و الفضة و الماس …..، مما يتطلب أخذ الحيطة من طرف المواطنين لأن اليد العاملة الأجنبية ستتوافد على البلاد بحثا عن فرص العمل و ستزداد المخاطر على البلد….، عندها نشرت مقالا في جريدة ” أخبار انواكشوط ” تحت عنوان [ لماذا لا يكون التجنيد إجباريا ؟ ] أعالج فيه معنى خطاب الرئيس و أشير إلى بعض المخاوف الأخرى التي قد تتعرض البلاد و لم يتطرق لها رئيس البلاد آنذاك في خطابه، و هذا نص المقال:

[ ظلت موريتانيا إلى عهد قريب من أكثر الدول سلاما وأقلها نزاعا، فلا توجد جهة تطالب بالاستقلال الذاتي ولم نسمع بجيش متمرد، ولم نعلم بان دولة مجاورة حاولت الاستيلاء على جزء من الحوزة الترابية للبلد وظل الشعب الموريتاني كتلة واحدة لا تعرف الانقسام، وأفراد الجيش أبناء بررة والساسة يجعلون الوطن فوق كل الاعتبارات .

رئيس الجمهورية ضمن خطابه الأخير في كيفه ما معناه : ” أن موريتانيا على بوابة مرحلة انتخابية وعلى المواطنين أن يدركوا خطر قدوم اليد العاملة من الخارج لذا عليهم أن يتسلحوا بالعلم… ” ، إلا أنني أري أن الخطر أكبر من ذلك، فالبلاد أصبحت تملك من الخيرات ما تحسد عليه كالنفط والغاز الطبيعي والذهب والماس والنحاس والسمك… إلخ، و كلها أمور تجعل وطننا وجهة لكل أصحاب النوايا السيئة من الجبابرة والمستعمرين والمخربين والمرتزقة والتنظيمات الإرهابية ، وربما في فترة زمنية قد يتحول الجار الصديق إلى عدو لدود يدفعه الطمع وحب الثروات إلى الإقدام على ما لم نكن نتصوره، حينها لا ينفع الندم ، بل إن الباحثين عن السلطة قد يضطرون في مرحلة معينة إلى التآمر مع المافيا العالمية والشركات الكبرى التي تمتهن تغيير الأنظمة لصالحها لذا فإن الشعب الموريتاني مطالب أكثر من أي وقت مضي بوحدة الصف للوقوف في وجه كل المعتدين، ولكن هل يكفي الرفض الشعبي لحماية الحوزة الترابية التي تزيد على مليون كلم2 ؟.

إن مجزرة لمغيطي التي راح ضحيتها أناس أبرياء رسالة مفادها أن الإرهاب قاب قوسين أو أدني من دخول الأراضي الموريتانية وأن الحدود الموريتانية في خطر لذا ينبغي على الدولة أن تدرك أنها مطالبة بوضع التدابير اللازمة والكافية لحماية حدودنا التي تبلغ آلاف الكيلومترات طولا وعرضا وصحارينا الشاسعة والمترامية الأطراف، بل يجب على المسؤولين عن أمن البلد أن يدركوا أن لديهم أرضا كثيرة وشعبا قليلا.

إننا مطالبون جميعا بالتفكير في مستقبل البلاد وأمنها، إذ بدون الأمن لا يتحقق تقدم ولا ازدهار وبدون الأمن يكون ضرر النفط أكثر من نفعه، وحقيقة الأمر أن بلادنا ستتحول قريبا من دولة فقيرة إلى دولة نفطية وغازية وذهبية وماسية ونحاسية..الخ، وعلينا أن نضع كل الاحتمالات نصب أعيننا فالجار الصديق قد يتحول يوما إلى عدو لدود، والشعب البدوي قد يكون مرتعا للإرهابيين ، ومصادر المال والأعمال قد تكون قبلة للمافيا العالمية والتنظيمات التخريبية والمؤامرات الدولية… ، لذا يجب أن يكون لبلدنا جيش قوي بعدد وعتاده بل يجب أن نكون جميعا جنودا مدربين قادرين على حمل السلاح في كل لحظة للدفاع عن حوزتنا الترابية وحماية حدودنا فلماذا لا يكون التجنيد إجباريا ؟]

و بعد مضي أكثر من خمسة أعوام على ذالك الخطاب و ذاك المقال و بعد أن تعاقب على كرسي الرئاسة كل من معاوية ولد سيد أحمد الطايع ، أعلي ولد محمد فال ، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ، الجنرال عزيز ، و الرئيس محمد ولد عبد العزيز، و حين كنت أتصفح بعض صفحات الانترنت لاحظت مقالي فقرأته من جديد ، ففوجئت بأنني كنت كاذبا صادقا أو صادقا كاذبا ، حيث:

– أدركت أن تنبؤاتي بأن مخاطر جمة تحيط بالبلاد كانت صادقة و تحقق بعضها فعلا ، فبعد عملية لمغيطي جاءت عملية ألاك الإرهابية ، ثم عملية لمريه ، فاختطاف الرعايا الأجانب ، كما أن أعداد الأجانب تزايدت في البلاد، و هذا مؤشر واضح إلى احتمال أو اقتراب حدوث أشياء أخرى قد لا نتوقعها مما تطرقت إليه في ذلك المقال حين قلت بأن الجار الصديق قد يتحول إلى عدو لدود.

أما التنبؤات الكاذبة التي حصلت عندي آنذاك فهي أن الأسباب الحقيقية التي تولد المخاوف لم يتحقق منها شيء، من قبيل عائدات النفط على هذا الشعب الذي لم يعرف من رائحته إلا ما لازم محركات السيارات من النفط الأجنبي ، من قبيل عائدات السمك الذي يعتبر سعر المستورد منه أرخص من سعر المحلي ، من قبيل عائدات المعادن النفيسة كالماس و النحاس و الذهب و التي لم يجد شعبنا من أخبارها سوى خبر الكيلوغرامات الثلاثة التي تم احتجازها مسروقة في مطار انواكشوط الأسبوع الماضي في طريقها إلى الخارج و التي هي قليل من كثير واجه نفس المصير.

و اليوم فإنني أطالب من جديد باعتماد إجبارية التجنيد مما يمكننا من بناء جيش قوي قادر في كل الأحوال على حمل السلاح ، و لحماية مقدرات هذا الشعب التي تستنزف من طرف مواطنين و أجانب ، و أذكر القارئ الكريم بأن أكبر كذبة كذبتها هي اعتقادي بأن الخطر على البلاد قادم من الخارج ، و الحقيقة أن ما يوجد داخل البلاد من خطر عليها أعظم مما هو خارج حوزتنا الترابية !!!!! فإلى متى ستظل البلاد من حكم إلى حكم و من فضيحة إلى فضيحة و هل سيرى هذا الشعب النور نحو عدالة اجتماعية و حكم رشيد بما في الكلمة من معنى ؟ !!!!