خريف 2010 هل يكون ممطرا ؟

يكتسب الخريف أهمية خاصة وبالغة عند أهل الصحراء, وتراهم يحتفلون ويستبشرون بمقدمه, وخاصة إذا ماكانت السنة المنصرمة تتميز بالقحط وقلة الأمطار وكثرة الرياح والعواصف. فأهل الصحراء يعشقون المطر, ويرتحلون حيث يكون المطر. فهؤلاء قوم لا يقدسون الأرض والمكان فالمهم عندهم هو أن تجد المواشي ما تأكل وتشرب, ويدخل إلى الجيوب ما يعمرها. فالمكان والزمان ليسا بالأمر المهم إنما المهم أن يأتي المطر, ويستوي من أي جهة يأتي المطر, وفي أي مكان يسقط المطر, فالمطر كما يقال رحمة والرحمة إذا نزلت تعم. لكن هل المطر دائما رحمة؟

لم يكن الخريف الماضي ممطرا فقبل تساقط زخات المطر القليلة, التي بدأت أنواؤها على غير العادة تظهر من الجنوب, شهدت الساحة امواجا من الصواعق والرعود جعلت البعض يظن أنها بداية الكارثة, تزلزلت الأرض من وقع الحادثة وانقسم الجميع حول تفسيرها, منهم من اعتبرها بداية خريف مزعج يذهب ضحية له الكثير من الخير والبركات التي شهدها المكان قبل ذلك, ومنهم من اعتبرها العاصفة التي تجلب معها الأمطار الغزيرة واستبشروا بخريف يكثر فيه الكلأ والعشب,وتصحح فيه الأوضاع التي خلفها الموسم الماضي.

بعد موسم عسير, وبعد الكثير من الرياح والعواصف وبعد أن قنط الجميع من المطر, جاء المطر لكن المطر هذه المرة لم يأتي من حيث تعود الناس, لكن الجميع استبشر به ورحب مع قلة المتوقع منه فهذه المرة تهاطل في آخر الخريف وبذلك لن يكون مردوده كبيرا حسب البعض وإن رأى فيه البعض الآخر غير ذلك واعتبر أن قطرة مباركة قد تكون خيرا من سحاب تنتج عنها السيول والفيضانات.

انتهى الخريف وعاد الجميع يستجمع ثماره وحصاده رغم قلتها. وفي موسم الشتاء استعد الجميع لضربات البرد القارسة, وأيامه ولياليه الطويلة, وراحوا يفكرون في الطريقة التي تمكن من العيش والمواصلة حتى الخريف القادم.

لم يكن المردود كبيرا هذه المرة فالجميع يشكوا من قلة الزاد وتردي الأوضاع, وزاد في ذلك أن الجدب هذه المرة لم يكن حليف الصحراء لوحدها وإنما طال إلى جانب ذلك الأراضي الخصبة, وبذلك عمت الأزمة الجميع, وكان وقعها على هذه الرقعة أشد, فالجميع يعتمد على الأمطار, وعوائد الأمطار ومنح الأمطار ….!!

مع هذا الوضع المتأزم ومع قلة المؤونة والزاد جاء في الأخبار الجوية أن الأمطار قد تتساقط على أماكن أخرى بعيدة جدا من مضاربنا, لم تطلها قدم شيخ من شيوخنا. إلا أن الزعيم الجديد من فرحه بالسحاب قرر الرحيل إلى ذلك المكان, رغم وعورة الطريق ووحشتها, ففى هذه المرة ليس بإمكان الجميع الرحيل, إضافة إلى أن الرحيل هذه المرة يغضب الحلفاء السابقين واعتبروا فيه خروجا عن الطاعة والولاء وبذلك أصبح يصنف في زمرة الماردين المارقين.

في اجتماع لأهل الأرض الخصبة قرروا أن الخريف القادم سيشهد منح وعطايا لأهل الصحراء التي تشهد جدبا وقحطا لم يسبق له مثيل. هذا بالإضافة إلى أنهم عرفوا أزمة داخلية ظهرت في شكل تجاذبات وانقسامات كادت أن تؤدي إلى انزلاق لا تحمد عقباه.

أسالت تلك الوعود لعاب القادة وسخروا جهدهم وتفكيرهم في الطريقة التي يمكن بها الإستفادة من تلك العطايا والمنح على الرغم من صعوبة الشروط المطلوبة فيمن سيحظى بنصيب منها. فمن يعطى هذه العطايا لايريد بها رفع معاناة الشعوب الفقيرة, ولا بسط الرخاء في الأرض, ولا حتى وجه الله !!!

إن من يسمع عن هذه المعاناة وهذه الحاجة الماسة إلى معونة الآخر يظن أن هذه الأرض فقيرة ومعدمة على كافة المستويات والأصعدة. مع أن الواقع يقول غير ذلك. فالناظر يرى إلى جانب عوائد المطر: الحيوانات الوفيرة, والأسماك العديدة, والمعادن الكثيرة؛ من ذهب ونحاس وحديد ويورانيوم إضافة إلى الكميات العتبرة من النفط, وأنباء عن مستقبل واعد وخير كثير. لكن وبالرغم من أن هذه الأرض تحتوي على كل هذه الخيرات إلا أن أهلها دائما يمدون أيديهم إلى الغير طمعا في رأفته ورحمته, مع أن هذا الغير الذي يعد بالهبات والعطايا لا يخفى على أحد واقعه وأزماته التي يتخبط فيها, فبنوكه قد انهارت, وشركاته عرفت تراجعا, وعملاته شهدت تراجعا, ومشاكله لا تحتمل الزيادة, إلا أنه لا يزال يتمتع ببعض كبرياء الأسد المجروح الذي لا يبدي ضعفه حتى لا تطمع فيه هوام الغابة. فهذه الدول لو كانت لهم حلول سحرية لمشاكل الغير, كان الأحرى بهم أن يحلو مشاكلهم الداخلية أولا, ففاقد الشيء لايعطيه, وحل داخلي خير من آخر مفروض من الخارج بشروط.

المختار ولد محمد جيرفين

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى