عقدة ولد الطايع

“لا يملك الأقوى قط من القوة ما يكفي ليبقى السيدعلى الدوام، ما لم يحول قوته إلى حق والطاعة إلى واجب.. فالإنحناء أمام القوة فعل تمليه الضرورة لا الإرادة وهو على أقصى تقدير فعل يمليه الحذر. (و) حالما تكون القوة هي التي تصنع الحق فإن النتيجة تتغير بتغير السبب، فكل قوة تعلو على التي سبقتها ترث حقها. وكلما أمكن العصيان دون التعرض للعقاب صار مباحا شرعيا”.

  • ج ج روسو “العقد الإجتماعي”

إذا كانت هنالك أوامر للقادة يجب أن لا تطاع ـ كما يقول الحكيم الصيني سون اتزو ـ فإن هنالك بعض سلوك وتصرفات القادة يجب أن لا يسكت عنها، خصوصا إذا تعلقت هذه التصرفات بصيرورة أمة وبنيتها وتاريخها.

من هذه التصرفات وهذه السلوك اختصار وطن أو أمة بتاريخها (سلبياته وإيجابياته) في شخص الحاكم حيث تولد بميلاده وتفنى بفنائه، تسعد بسعادته وتشقى بتقلبات مزاجه وهواه.

يتجلى جزء من هذه الصورة ولو يسير في سلوك جل من حكم موريتانيا وخاصة ذوي الخلفيات العسكرية لطبيعة تكوينهم وسلوك مؤيديهم، وتدور أيام الناس هذه أحداث ومشاهد تجسد بشكل جلي مدى تماهي تاريخ الأمة وإعادة “تصنيعه” حسب صناع القرار مع هوى الحاكم، فالمتتبع لبرامج التلفزيون الموريتاني التي تتناول (50 عاما من الإستقلال ) يدرك مدى تشوه الرؤية التي تحكم عقلية القائمين على الشأن العام وجل صناع الرأي ورواة التاريخ القريب رغم قربه! “50 عاما من الإستقلال” هي العنوان الذي ينضوي تحته الكلام فقط عن 17 سنة من حكم أب الدولة الموريتانية الحديثة بشيء من الإجتزاء والإستحياء، ثم الكلام عن سنتين بكل التفاصيل المملة والمشاريع المضخمة والأحداث “المهذبة” من حكم النظام الحالي.

قد يتساءل المرء حين يشاهد التلفزيون الرسمي وهو يقفز من صور المختار ولد داداه إلى صور ولد عبد العزيز في إطار التأريخ لنصف قرن من الإستقلال عن أسباب تجاهل أكثر من نصف تاريخ موريتانيا الحديث من طرف أهم وسيلة إعلام محلية وفي مناسبة بهذا الحجم وهذه الأهمية ؟ ومن طرف صناع هذا التاريخ أنفسهم وشهوده ممن عايش الفترات المهملة منذ سقوط ولد داداه وحتى انقلاب ولد عبد العزيز؟

وقد لا يجد المتسائل إجابة شافية ـ في الوقت الراهن على الأقل ـ غير ان هناك ملاحظات مجملة ومفارقات ينبغي التنبيه إلى بعضها إثارة للموضوع وإنارة للرأي العام:

  • رؤساء منسيون

عدم الكلام عن فترات تاريخية حافلة بالأحداث وعن شخصيات محورية في هذه الأحداث ينم عن ضعف في الشخصية الراوية المتماهية مع الشخصية الحاكمة، وعن ضعف في الشخصية الحاكمة الحساسة اتجاه تاريخ البلد القريب.

إن تجاهل ستة رؤساء (المصطفى ولد محمد السالك وولد لولي وولد هيدالة ومعاوية ولد الطايع واعل ولد محمد فال وسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ) حكموا موريتانيا أكثر من ثلاثين سنة يشي بالشخصنة المفرطة حتى لمسار التاريخ، وبالقابيلة المشحوذة للتصرف الإنفرادي في شؤون أمة، وهي ملامح أقرب إلى صناعة الدكتاتوريات منها إلى تأسيس الدول الديموقراطية ذات النظام المؤسسي والطابع الجماعي في تسييرالشأن العام.

كما أن تجاهل هذا التاريخ ربما يخدم الذين أساؤوا فيه استخدام السلطة وظلموا الناس أكثرمما يخدمهم لو عرض تاريخهم بشيء من النقد الصادق والإنصاف العادل. بل إن تجاهل هذا التاريخ وخاصة في شقه القريب جدا حيث يعتبر القائمون على الشأن الآن فاعلين كبار حينذاك يعتبر خجلا من ماضيهم ، وهي وصمة عار ربما تلاحقهم بعد حين. إن دولة لا تجرأ على عرض تاريخ لا زال صناعه أحياء يرزقون، وتخجل من الإعتراف أن من حكمها قد حكمها على علاته لا تستفيد من الأخطاء حتى وإن قربت وتكررت ولن تبني مستقبلا واعدا مهما كان أمها وتفاؤلها!

  • معاوية الغائب الحاضر

أعتقد جازما أن قطب الرحى في تجاهل هذه الفترة الطويلة والمهمة من تاريخ موريتانيا هي فترة حكم ولد الطايع وذلك لحساسية النظام الحالي اتجاه تلك الفترات لعدة أسباب من أهمها:

ـ أن وقود الهاب مشاعر الجماهير لتأييد النظام الحالي كان في سب وشتم تلك الفترة ، في الوقت الذي ينحدر جل كبار اللاعبين في النظام الحالي من رموزها !

ـ أن الرئيس محمد ولد عبد لعزيز نفسه كان فاعلا مهما في السنوات الأخيرة من نظام ولد الطايع بل كان الحربة التي أنقذت الرجل من بعض المحاولات العسكرية للإطاحة به

ـ كما أن ظهور ولد عبد العزيز كقائد الحرس الرئاسي بجانب ولد الطايع وخاصة في سنواته الأخيره يحرج هؤلاء الذين صوروا معاوية كشيطان وعلقواعليه وحده كل الشرور التي أصابت موريتانيا فترة حكمه.

ـ أن أغلب الذين يتفننون اليوم في ذم تلك الفترة لم يكونوا من معارضيها بل كانوا أبواقها ولسانها المسلط على خصومها السياسيين ، ولايرغبون في الظهور بهذا التناقض وبهذه السرعة وإنما يراهنون على ضعف ذاكرة الشعب وقدرتهم على طمس معالم التاريخ وإن قرب!

لكن تغييب ولد الطايع وإن تُرجِم بعدم ذكراسمه وفترته فإنه فُند بتقديم رموز نظامه كشهود تاريخ (رؤساء وزرائه ووزرائه وقيادات حزبه).

كما أن في عدم نسيان بعض الجماهير للرجل بل وحنين البعض إلى فترته برهان آخر إلى أن غسل سواد تلك الفترات لا يتم بتجاهلها وإنما بتكريس العدل والمؤسسية بدل عبادة الأفراد حتى يشعر الناس بالتغيير لا بالغيرة والتجديد لا بتكرار النمط مع اختلاف الأسماء. إن ذكر أحد وزراء ولد عبد العزيز “لتوجيهات معاوية النيرة” غلطا عندما كان يتكلم عن توجيهات عزيز “النيرة” توحي أنه حتى بالنسبة لرموز النظام نفسه تهتم بالشكل فقط حيث المهم هو ذكر “التوجيهات ووصفها ب”النيرة” وفخامة الرئيس، وهو مادرج عليه السابقون وورثهم اللاحقون حتى ولو اختلفت الأسماء.

إن ولد الطايع ورغم كونه حكم موريتانيا أكثر فترة حكم عاشتها يتجرع نفس الكأس التي سقى منها أسلافه، ولعل في سلوكه اتجاه الرجل المؤسس للدولة الموريتانية ـ حيث حرمه حتى من استقبال يليق به بعد أن شرده سنوات طوال رغم تقدمه في السن وضعفه ـ أكبر دليل على عقليته ونمط تفكيره. غير أن معاملته بنفس الطريقة توحي أن من خلفوه يحكمون بنفس العقلية وأننا ندور في نفس الحلقة المفرغة….

  • التاريخ عبر

إن الأمم التي استطاعت أن تستفيد من تاريخها وخاصة في جانبه السلبي هي التي تطورت أو قطعت أشواطا مهمة نحو التطور ولعل في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية نماذج توضح ذلك، فعصور الظلام والحروب الأهلية والعنصرية والدكتاتوريات والحروب المدمرة استفادت منهاهذه الأمم التي عاشتها، وكان لها ذلك فقط عندما عادت إلى ذلك التاريخ بروح النقد والتمحيص لتجنب أخطائه مجددا لا بروح الإنتقام والثأر أو التجاهل مما يسمح بتكراره في كل فترة ظن البعض أنه تم تجاوزه.

محمد الأمين ولد سيدي مولود

Ouldsidimaouloud@yahoo.fr


المصدر : الرائد

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى