الفســـــاد

باض الفساد وعشعش وفرخ في رفوف الحكومات الموريتانية المتعاقبة منذ الإستقلال إلى اليوم، وسيستمر ما لم تكن الكلمة الفصل للقانون،وما لم تتوفر الإرادة الجادة والمسؤولة وما لم تتوافر جهود الجميع بنية صادقة بعيدة كل البعد عن الأنانية والمتاجرة السياسية.
لا نبالغ إذا قلنا إن ظاهرة الفساد ولدت مع الكيان الموريتاني،لكننا مع ذلك ندرك أنها بدأت بسيطة وخجولة وتطورت بتطور الأساليب المتبعة في إدارة الحياة العامة حتى استفحلت ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم حيث لم يسلم منها صالح ولا طافح شرب ماء هذه البلاد.
الفساد لا يعني المال العام فحسب بل يعني علاوة على ذلك المحسوبية والزبونية واهدار الوقت وترسيخ المفاهيم الخاطئة وغض الطرف والإقرار،فساد الأخلاق والقيم وتوظيف الدين تارة واستعمال البلداء والجهلة من الناس واستغلال الطيبين دون علمهم واطلاق الشعارات والتماهي بمن يخالفون المنظومة الأخلاقية والدينية عن قصد أو عن غير قصد.

يستشري الفساد اليوم في جميع المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، الشيء الذي يجعل مهمة الإصلاح مضنية وصعبة للغاية خاصة في ظل اللا مبالاة من لدن النظام وبعض النخبة حتى لا نعمم وحتى نحتفظ ببذرة أمل قد تكون سببا لاستنبات شجرة إصلاح وارفة الظلال نحن في أمس الحاجة إليها،ولكن(وما نيل المطالب بالتمني)بل لابد من التحرك العاجل قبل فوات الأوان.

على المستوى السياسي شب حريق الفساد إبان حكم المرحوم ولد داداه حين حاول النظام تقزيم الحركات الوطنية وتذويب ما استطاع إذابته منها في حزب واحد وتشتيت وقتل وسجن ما استعصى منها على الترويض مما تسبب في حالة اللا استقرار حيث مكنت كل حركة من هذه الحركات لمحركيها بامتثال ما يصدر عنهم من إثارة للبلبلة تارة وحمل السلاح تارة أخرى عبر المناشير والشائعات وإن كان ذلك على حساب الوطن مستغلين البنية الهشة لمجتمع ذي إتنيات وأعراق مختلفة،ضف إلى ذلك استغلال بعض الأنظمة الإقليمية ضعف الكيان الوليد والزج به في متاهات لم يستطع الخروج منها إلا بدفع نفسه فدية عبرانقلاب العاشر يوليو ليستمر الفساد السياسي وإلى اليوم.

ودون الدخول في تفاصيل الكثير من مرحلة العسكر إلا ما كان منها بثوب مدني فإن البطانة والجهل والنظرة الإقصائية وإثارة النعرات والعزف على وتر القبيلة والجيهة وشراء الذمم والتشهير بالخصوم واستغلال النفوذ ظلت سيمة بارزة منذ اعتلاء العسكر للسلطة إلى اليوم،غير أن الحلقة الأكثر فسادا تلك التي جاءت مع مطلع اللعبة الديمقراطية حيث انحرف بها النظام عن مسارها ورسخ ديمقراطية الفساد مستغلا جهل الشعب ومسخرا وسائل الدولة مغريا بذلك أصحاب الإديولوجيا الصامدين حتى حينه مما حدى بهؤلاء إلى التنادي على القصعة والتخلي عن المبادئ،حيث تشكل مسرح جديد مخالف للقيم الديمقراطية همه الوحيد حفظ الكرسي واطلاق العنان للنهب والتمول وإشاعة الروح المادية على حساب الأخلاق والقيم وانقلبت المفاهيم رأسا على عقب حتى صار الناس يتهكمون على الموظف النزيه ويتندرون،وبالمقابل يمتدحون العكس مما شجع ضعفاء النفوس على نهب المال العام كل حسب أسلوبه في ذلك،المهم أن يكون مخلصا للحاكم وأن لايحدث نفسه بشق عصا الطاعة كي لا يتعرض للملاحقة بحجة الإستلاء أو النهب أو إهدار أو تبديد أو سرقة المال العام وفي تلك المسميات فاليتنافس المتنافسون.

أما على المستوى الإجتماعي: فغياب الوعي وصمود المفاهيم البدوية المعادية للدولة والنظرة الضيقة للحراك الحضاري العالمي والإنطواء على الذات ونبذ الغير والإعتداد بالماضي وترسخ الفبيلة وضعف الدولة وسيادة الثقافة التقليدية على حساب الحديثة وقلة وسائل إعلام وطنية ناجعة،كلها أمور ضمن أخرى جعلت المجتمع يظل يراوح مكانه مما جعله تربة صالحة للفاسدين ينالوا منه حيث وكيف يشاؤون متخذين وسائل شتى لتحقيق ذلك فتارة يعزفون على وتر القبيلة وتارة على وتر الدين وعلى وتر الذود عن الحمى والهوية وحفظ المجد تارة أخرى، الشيء الذي أوجد مجتما هلاميا قل ما يقال عنه إنه مجتمع لا يشبه إلا نفسه فهو من ناحية مثلا ينبذ السرقة وفي نفس الوقت يشجع النهب،يهيب بالحرية ويستعبد الناس،يهاب الملكية الخاصة وينتهك الملكية العامة،يقر بأن الوطن للجميع وكل يعلم ما في قلبه،يسن القانون ولا يخضع له (ذالكم هو مجتمع البيظان).

أما على المستوى الإقتصادي فإن غياب الرقابة وسوء التسيير والتمكين لأصحاب النفوذ واستنزاف الثروات الطبيعية من لدن المستثمرين والإعتماد على فتاة المساعدات وضعف التشريعات المرتبطة بالإستثمار وفساد القضاء ونقص الكادر البشري وانعدام وسائل الإنتاج وسوء التخطيط وفساد النظام الجبائي والضريبي وإهمال الثروة الحيوانية وترامي الرقعة الجغرافية وضعف البنية التحتية والإنفراد بالسلطة كلها أمور جعلت إقتصادنا في ترد دائم ولا حلولا حتى الآن تلوح في الأفق وحتى بعد اكتشافات معدنية هامة كنا نعلق عليها آمالنا قبل أن تتحطم على صخور النسب الضئيلة التي نحصل عليها مقابل نهب الذهب والنحاس والسمك والحديد والحبل على الرار كما يقال.

تلكم نظرة بسيطة وهي قيض من فيض حاولت من خلالها تسليط الضوء على بعض المشاكل المعيقة لتقدمنا، ولابد لها من حلول وإلا فإن المستقبل لن يرحمنا طالما لم نتحرك سريعا لنلتحق ولو بمؤخرة الركب،ولن يتأتى ذلك إلا بالمصارحة والمكاشفة وتسمية الأشياء بمسمياتها ومن ثم العمل على تحقيق ما نصبو إليه عبر منهجية حكيمة وراشدة،ولنا في دعوة النائب المحترم عبد الرحمن ولد ميني أسوة حسنة.

ابراهيم ولد أحمدي

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى