وفي استحياء يخيم الليل على الصحافة

كثيرا ما شكي الشعراء والأدباء من الليل وطوله، وكثرة همومه وشجونه، وكثيرا ما كان ظلامه مطية للمخربين والمرجفين لترتيب إجرامهم وتنفيذه. ولأن الليل قاتم شديد السواد لذلك تجد فيه بعض الخفافيش فرصة للظهور والتطاول على لآخرين، ونشر سمومهم وبث أصواتهم المزعجة الظلامية. لكن السنة الكونية جرت بأن الليل سكن وهدوء والنهار عمل وحركة (( وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا)).

وبما أن الخفاش حرم النور والضياء وكتب عليه الدهر العيش في ليل سرمدي، تراه يهتبل فرصة هدوء الآخرين واستقرارهم لينفث بدسائسه وقاذوراته ويعكر صفو الناس المستقرين.’

دائما ما تسعى الخفافيش إلى التستر من ضوء النهار بالاختباء في الدهاليز والأماكن الوعرة لذلك نجد أنها عثرت على ضالتها في مقرات الصحافة حيث الجرائد المكدسة بسبب: قلة القراء، أو البيع، أو المصداقية، أو…. والغبار الكثيف المتناثر في معظم تلك المقرات. في ظلمة هذا الجو البهيم ظهرت زمرة من الصحافة أو من يطلقون على أنفسهم هذا اللقب ويطلق عليهم البعض الآخر اسم “البشمركة” ولعل هدفهم الوحيد هو إعمار جيوبهم لا من عائدات بيع صحفهم بل من حصاد ألسنتهم وأقلامهم المسمومة الموجهة لا لخدمة الوطن والمواطنين وإن كان ذلك هو الشعار المرفوع من أجل تعمير الجيوب، وإنما لتتبع عورات الناس واختراع القصص والأكاذيب والقول على الناس بالباطل.

فمرة تجد الجريدة من هؤلاء تخرج لك مسلسلا من عدة حلقات يشبه وإلى حد كبير المسلسلات المكسيكية في طول الحلقات وكثرة الحشو فيها، حيث إنه يمكن أن تفهم قصة مسلسل كامل من ثلاثمائة حلقة في حلقته الأولى والأخيرة وما قبلها.

ومرة تراهم يتوعدون بالويل والثبور لمسؤول معين وأنهم سينشرون حلقات لفضح دسائسه وتخريبه، لكن هذه الحلقة (الأولى) قد لا تشفع بأخريات إذا ما سويت القضية على مستوى الجيوب، وأعطي للقلم وللضمير إجازة واستراحة ليستعد لجولة قادمة.

نتيجة لأفعال هؤلاء القوم الدنيئة تدنست سمعة الصحافة وأصبحت هزيلة ورخيصة في أعين الناس لا تغير واقعا ولا تضيف جديدا إلى الساحة الأدبية والمعرفية، بل إنها وللأسف أصبحت مرتعا للكسالى والخاملين- الأمر ليس على إطلاقه- وبلغت الجرأة بكل من هب ودب أن يرخص لجريدة ويستلقي على أريكته ويكتب ما شاء كيف شاء دون أن يكون هناك توثيق أو تأكيد أو حتى دليل أو برهان على الخبر أو الرأي المنشور. ونتيجة لذلك ترى أن الصحافة هزلت حتى أصبحت الجريدة الواحدة بكل طاقمها من مدير ناشر وهيئة تحرير ومراسلين تختزل جميعها في شخص واحد قد لا يكون يحمل من المؤهلات والخبرة والحنكة الصحفية ما يؤهله لشغل منصب واحد من هذه المناصب.

هكذا واقع أغلب الصحافة اليوم والذي فضل البعض أن يطلق عليه صفة “البشمركة” والتي أرى أنها أنبل وأعظم من أن يوصف بها مثل هذه العينة من المرتزقة، ولعل الوصف الملائم لها بالنسبة لي هو: “الخفافيش” خصوصا إذا ما علمنا أن بعضهم من شدة تعلقه بالليل وظلامه أخذ منه شعارا ورمزا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى