موريتانيا بين التضليل والتشهير

  • إن المتتبع للتطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة السياسية هذه الأيام، لابد أن يقف أمام مشهد متشابك يتمثل في صيحات متنوعة المشارب و الأغراض، تارة تنبثق هذه الصيحات من معارض دأب على أن يعبر بأسلوبه الخاص عن الأوضاع السوداوية التي تعيشها البلاد, وغالبا ما يعبر عن ذلك من منابر متعددة إعلامية أو في مهرجانات سياسية أو عبر منابر تشريعية عودتنا على أن نسمع من خلالها ما قد يكون مجهولا لدى أغلبية الشعب، فيما يتعلق بالسياسات التي تتبعها الجهات التنفيذية وملابسات تسييرها وخطورة مضاعفات ذلك على البلد.
  • وتجد نفسك تارة أخرى مرغما على أن تستمع إلى جهات موالية أو داعمة لبرنامج الرئيس أو ما يصطلح على تسميته في الساحة السياسية بالأغلبية الرئاسية الملتفة حول برنامج الرئيس الانتخابي أو المنضمة إليه فيما بعد، فتجد أن الأمر ليس كما تروج أو تشهر به المعارضة من نظرة سوداوية لموريتانيا “الجديدة”، كما يطلق عليها البعض، فمن هذا الجانب الموالي تصك أذنك بالإصلاحات والانجازات ومكافحة الفساد وهذه قضايا لا يستسيغها البعض من المعارضين والمتململين من النظام، ولكنها واقع يرى المدافعين عنه بأنه انجازات ملموسة تتجسد في طرق أنشئت شقت معظم مدينة نواكشوط، وأخرى تم ترميمها وتوسعتها وتجهيزها بإنارة عمومية وأرصفة متميزة أو هكذا يصفها البعض ويستطرد أصحاب الإصلاحات بتعداد الانجازات لتشمل إعادة هيكلة أحياء الصفيح و تزويدها بالخدمات الحضرية والاجتماعية الضرورية وما تحقق في المجال الصحي و الثورة الزراعية المرتقبة والتشغيل وفتح المجال أمام التوظيف ولن يخل حديثه لك من دكاكين التضامن الاجتماعية والاعتناء بالفقراء ولن ينته هذا السرد حتى يذكر لك تسوية الإرث الإنساني والرق ويختتم لك الموالي للنظام حديثه بهمسة في أذنك إن كان صادقا معك هذا مالا تذكره المعارضة والمفسدين ـ والمفسدين أصبحت مصطلحا لا يعرف المعنيون به ويفسرها البعض أن المفسد كل من تقلد مناصب في الحكومات المتعاقبة التي عرفتها موريتانيا منذ أزيد من ثلاثة عقود وإذا كان هؤلاء هم المستهدفون بهذا المصطلح الجديد فإنك لن تجد إلا أقلية قد لا يشملها هذا المصطلح لأنها لم تشارك في تسيير أي شأن عام خلال الفترة المذكورة.
  • ولا تستغرب أن محدثك ممن تقلدوا مناصب في الماضي وقد يكون هو نفسه ممن يشملهم هذا المصطلح لكنه تأقلم وبسرعة مع تيار الإصلاح الجديد ظنا منه أن ذلك سيحميه من إلصاق التسمية به، وهو مستعد لأن يتكيف مع أي ظرف جديد وجاهز عندما يرى أن مصلحته الشخصية تقتضي ذلك لأن الأصل في قناعاته السياسية أن السياسة مصالح وأن المعارض إنسان منبوذ في مجتمعه ومحروم، وأن السياسي الناجح هو من يبادر بسرعة للتكيف مع مصالحه دون أن ينظر إلى أبعاد ذلك على الوطن الذي يجب أن تكون مصلحته هي العليا وفوق كل اعتبار.
  • ومن المؤلم أن مخاطبك قد يكون ممن يسمون الطبقة النخبوية أو المثقفة هذه الطبقة التي يجب أن تكون الراعي الأول لمصالح وطنها والمتصدي الأمامي لكل ما من شأنه أن يضره. فمن رأيي أن التريث في المواقف السياسية صفة يجب أن تميز المثقف المتعقل، وأن الانجراف مع تيارات التغيير المفاجئة دليل على سذاجته وخاصية من خصائص المهرولين وراء مصالحهم الذاتية والباحثين عن التموقع في أي نظام جديد كما أني من جهة أخرى لا أمدح المعارض الذي تطغى عليه نظرته السوداوية ولا يرى الكأس إلا من جانبه الفارغ دائما دون أن يمنح الوقت لما ستؤول إليه الأمور وأعتز أكثر بالمعارض أو السياسي صاحب المبادئ الثابتة، فيما يخص تغيير النظام بالطرق التقليدية البائدة كالانقلابات وهذا مبدأ يجب أن يتحلى به أي موريتاني غيور على إرساء الديمقراطية وقانون التناوب السلمي على السلطة، الذي يجب أن يكون ثقافة لأي سياسي أو مواطن مخلص لوطنه.
  • وبين هذا وذاك تتجاذب التيارات السياسية وتعلو صيحاتها بين منتقد ومؤيد كل يدافع باستماتة عن تقييمه للساحة، وفي ظل هذا التجاذب السياسي الحاد لابد من أن نجد صوتا ثالثا ينزل بين المنزلتين ليضع الواقع كما هو ويقدمه كحقائق بغض النظر عن كونه من الموالاة أو من المعارضة، لكن هذا الصوت الناصح قد لا يراه البعض كذلك فسيصنف من مختلف الجهات بأنه صوت يبحث أصحابه عن موقع جديد في النظام وأن ميلاده لا يخدم إلا ذلك ولكن أرجو ألا يكون كذلك، فقد أنجبت الساحة السياسية مؤخرا منتدى ضمير حي محسوب على الأغلبية ولعل هذا ما لفت انتباهي إليه صوت في الأغلبية يدعو للإصلاح من الداخل أعجبتني الفكرة، ولست ممن يضع الخطوط الحمراء تحت مثل هذه المبادرات لأننا تعودنا على مبادرات مغايرة هدفها التأييد والمساندة العمياء التي يطغى عليها التملق والتودد للأنظمة وحتى المعارضة، ـ وكون هذا الصوت نسائي فهذه مفخرة للمرأة الموريتانية أن تكون سباقة لهكذا مواقف، ومن الجدير بالذكر أن النساء من أكثر الناس إحساسا بمشاكل محيطهن أيا كان نوع هذا المحيط أسري بالمفهوم الضيق للمحيط الأسري أو المحيط الأسري الأكبر بمفهوم الدولة، ولذلك فهن أكثر حرصا على وطنهن مثل حرصهن على أسرهن وهنا أردت مقارنة هذين المحيطين الأساسيين في حياة النساء خاصة المهتمات بالشأن العام واللائي يمثلن صوت أكثرمن نصف المجتمع ولم لا المجتمع كله فهذه مبادرة جريئة من وجهة نظري الخاصة يجب أن تكون نموذجا يحتذي به كل مواطن غيور على وطنه ولا يريد من موقفه الموضوعي ثمن يجنيه هو كشخص، فلا ضير إنْ كنت داعمة لنظام أن أقدم له نصائحي وأبين إيجابياته وسلبياته وعندما تكون هذه قناعة كل موريتاني مخلص وتجد صدى إيجابي في الساحة وعند أصحاب القرار فسنخطوا خطوات كبيرة نحو إنارة الطريق لهذا البلد دون تصارع أو تشنج، فموريتانيا بحاجة إلى من يعلو صوته بالمطالبة بإصلاحها إصلاحا جذريا بعيدا عن التضليل أو التشهير. فنحن نصبوا إلى موريتانيا موحدة، مستقرة، سائرة بسلاسة وشفافية إلى تنمية واضحة المعالم مبنية على استراتيجيات تنموية قابلة للاستمرارية، موريتانيا كدولة للمؤسسات، يشارك في بنائها كل أبنائها معارضة وموالاة ومحايدين، لأن المصلحة في الأخير لهذا الشعب الكريم البريء الذي ينتظر من المهتمين بشؤونه الابتعاد عن مصالحهم الشخصية والآنية الضيقة أو الحزبية والتطلع إلى مصلحة موريتانيا التي عاشت نصف قرن بدون أن تتضح معالم تنميتها وبقيت في مؤخرة الدول الأكثر فقرا رغم ما تزخر به من موارد اقتصادية وكفاءات علمية.
  • الدكتورة لاله بنت سيد الأمين
  • استاذة جامعية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى