مرايا قاتمة …. حادثة الخارجية الموريتانية بتونس

يحكى عن أحد المجندين الموريتانيين في جيش المستعمر, الذين كان منهم ما يعرف ب(كوميات) وهم أصحاب البزة ذات الفستان الأصفر والسراويل الأسود… ومنهم الجمالون, الذين ينتظمون في ما يعرف ب( صنكت الكوده), ومنهم الاحتياطيون الذين اشتهروا في حرب الصحراء, كان يطلق عليهم اسم(سوبلتيف)…. السمة الجامعة لكل هؤلاء تتمثل في حمل البندقية والرطانة الفرنسية المكسرة…. ولكنهم امتازوا بالانضباط العسكري… حتى كان شعارهم دائما يتلخص في كلمتهم المشهورة(القائد على الحق دوما)….

أتذكر من هؤلاء رجلا من الشمال الموريتاني يسمى اعليه ولد سيدي قالت له بنته وهي تستقبل ضابطا موريتانيا برتبة ملازم: الملازم يسلم عليك…. فقال لها: هذا لا يشبه الملازم, فالملازم إذا تكلم اهتز البنيان بكامله… فهذه الكلمة على براءتها تعبر عن ذلك الاحترام الذي كان يكنه المجندون لقوات الاستعمار.
خدم المجند في جيش الاستعمار مدة طويلة ووصل إلى مرحلة التقاعد. كان قائد الكتيبة, ذلك الفرنسي الذي يعد نفسه من أحفاد نابليون بونابارت, بقامته الطويلة وبياضه الناصع الذي بدأت أشعة الشمس تجعل بعض مواطنه تحمر, وبشعر رأسه القصير ولحيته الحليقة لساعتها, وشاربه الكث الذي يشكل نصف دائرة على فمه… وصوته الجهوري الذي يعبر عن ثقة كاملة بالنفس…. كان ينادي بأسماء المتقاعدين واحدا واحدا ويعلق على كل واحد منهم بأهم ما سجل له أو عليه خلال فترة خدمته… يتحدث عن أحدهم فيقول: يا فلان! لقد تميزت بالانضباط…. وكان الشواء الذي حضرته لنا يوم كذا جيدا…. وقد أصبت لنا يوم كذا غزالا تغدت به بعثة من الجيش (الوطني) قادمة من السنغال…. ثم ينادي باسم آخر… ويقول: الكابورال فلان! لقد تميزت بالانضباط والإخلاص… في يوم كذا, عندما كنت تقوم بما تسمونه الصلاة وناداك مناوبك في الحراسة, قطعت صلاتك على الفور لتجيبه…. إنك مخلص…. التصفيق من كل ناحية….
على العكس منك فلان! (يضحك…. ويضحك الجميع ) إنه كلما دعي لمهمة تذرع بأنه صائم واعتذر عن أدائها….. فهو شبيه بفلان صاحب اللحية الطويلة الذي يتقاعد الآن وما يزال جنديا من الدرجة الثانية…..
وهكذا حتى وصل إلى ذلك الرقيب الأول… فناداه برتبته وباسمه…. ثم قال له: ” ها انت ذا تتقاعد من الخدمة بعد خمس عشرة سنة (المحفظة في الظهر… صاك آ دو…), ولم يسجل عليك قط أي خطأ.. ” فصفق الجميع… عند ذلك استمر قائد الكتيبة قائلا:” … ولكنه لم يسجل لك أيضا أي إنجاز!…” فضحك الجميع…
تعالت الضحكات في المكان, فغصب المجند, وتمتم بكلمات… ثم صفع قائد الكتيبة بقوة و أردف قائلا: ” إجعل تلك السيئة في ملفي!”….. ثم صب عليه لعناته وهو يرمي ببندقيته خارجا من الثكنة العسكرية…..
شفيق البدوي.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى