لنواجه الجفاف أولا..!!

لم يعد بمقدور السلطات التمادي في تجاهل عام المحاق والجفاف هذا الذي تعيشه البلاد حاليا، فلم تعد لديها لا “شجرة” تخفى بها”غابة الجفاف” ولا “غابة” تنبت شجرة أصلا، ولذلك يتحتم على هذه السلطات التحرك بسرعة لإغاثة الناس ومساعدتهم..

إن الأوضاع مأساوية على طول البلاد وعرضها، ودعونا نوضح ملامح عامة لتلك الأوضاع التي لم يعد بالإمكان المضي قدما في التكتم عليها..

– سجل منسوب تساقط الأمطار ادني مستوياته هذا الموسم في مناطق “الحوضين” و”لعصابة” و”اترارزة”، وحتى في ولايتي “كوركول” و”كيدى ماغا” وهما ولايتان نهريتان، كانتا إلى وقت قريب تستأثران بأهم التساقطات المطرية في البلاد كما وكيفا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

– تسبب انعدام المراعى وتذبذبها هذا العام في نفوق آلاف رؤوس المواشي عبر كل مناطق البلاد، لدرجة أن بعض المنمين هاجر مع مواشيه إلى دول الجوار خاصة “السنغال” و”مالي” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها.

يؤكد مختصون في البيطرة أن أمراضا غامضة المنشأ والأعراض- يرجعها المنمون أحيانا كثيرة إلى عدم القدرة على تحمل الجوع- تفشت في القطعان و يلاحطون أنه حتى قطعان الإبل و البقر لم تحتمل الجوع هذه السنة على غير عادتها فعصفت بها الأمراض والأوبئة ونفقت جماعيا وبشكل مرعب ( تقف الوزارة المعنية بالتنمية الريفية متصاممة وكأن الأمر يتعلق بجفاف خارج الحدود فحتى الآن لم تحرك ساكنا لمواجهة هذه المأساة).

– وعلى مستوى البشر فان الفاجعة أعمق، فانتشار أمراض سوء التغذية، والأورام الغامضة، وفقر الدم، والوهن الوظيفي، والإجهاض، وبشكل متزايد ومقلق في الأوساط الريفية (و أستسمح وزارة الصحة فلربما تكتمت على هذه المعطيات بحسن نية أو بسوئها) بعيدا نحو العمق الموريتاني يشكل إنذارا أخيرا بأن الوضع المعيشي للسكان أصبح كارثيا لدرجة تزاحمهم بالمناكب في محطات السفر والطرق الريفية للنزوح نحو العاصمة، هربا من موت محقق في رمال جرداء تنعدم فيها كل “التغطيات” من الغذائية إلى النباتية مرورا ب”المواصلاتية” والصحية والتعليمية..!!

هذه ببساطة وباختصار أهم ملامح الجفاف الذي تعيشه البلاد، والذي تجب مواجهته بحزم وصلابة وسرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح الناس وقطعان المواشي ومظاهر الحياة الريفية، التي ضربها المحاق في الصميم.

وإنه من العار أن تعيش البلاد وضعية بهذه الصعوبة (إنها وضعية غير إقصائية فالجوع ديمقراطي مثل الجفاف والموت فهو يستهدف الأبيض والأسود والزنجي والعربي والبربري والمواطن والأجنبي والعبد والحر ولا يلقى بالا لفوارق من أي نوع بين البشر بل إنه لا يقيم وزنا حتى للفوارق بين البشر ومواشيهم فهو يقتل البقرة “الفولانية” تما ما كما يقتل الجمل ” العربي”و ملاكهما ورعاتهما) ثم ينصرف ساستها لركوب موجة أحداث عرقية بغيضة، تخفى في طياتها ما هو أعمق وأخطر من مجرد احتجاج على إحصاء بدا واضحا أن كل الموريتانيين تضرروا منه، لكن وضع الاحتجاجات ضده بجرة قلم في قالب عنصري أفرغها من محتواها البريء، وولد ردة فعل عكسية في صفوف العامة جعلت البعض يؤيد الإحصاء بشدة حتى وهو يمنع لأسباب تافهة من الاستفادة منه..

لقد تم شحن أحداث مقامة وكيهيدى ونواكشوط شحنا عنصريا لافتا، جندت له مواقع وأفكار وكفاءات وقوى سياسية بكاملها، بحثا عن التوتر والاحتقان، وتحقيقا لمكاسب وهمية لهذه الجهة أو تلك، لا تعيد الروح إلى ميت، ولا تعوض ممتلكات عمومية أوخصوصية تم إتلافها عن سبق إصرار وترصد من طرف بعض الغوغاء والقصر والأجانب الذين لا ناقة لهم في الإحصاء ولا جمل(سيظل الاعتقاد سائدا لدينا ما لم يثبت العكس بأن حركة “لا تلمس جنسيتي” لم تكن في الأصل حركة عنصرية أو محاربة أو باحثة عن العنف،ومن التسرع تحميلها مسؤولية الأحداث الأخيرة، إلا أن تكون قد فقدت السيطرة على الأحداث، أو أفرغت من محتواها الأصلي، أو تم التلاعب بها وتحريف مسارها،أو بيع يافطتها، خدمة لأجندات خاصة هنا أوهناك)، فالمواطن الموريتاني الحقيقي لا يتفاخر بأنه تسبب في إزهاق روح، أو أنه أحرق بشجاعة مقرا للبيطرة، ونهب بطريقة “رجولية” محلا تجاريا، أو انتصر على أجهزة خرساء كسرها وأتلفها حتى لا تستخدم في الإحصاء،أو سجلته الكاميرات وهو يحرق باصا لشرطة بلده معتمرا قبعة بألوان علم دولة أجنبية مجاورة!!.. يقينا إنه ليس مواطنا موريتانيا حقيقيا من يتباهى بذلك، ويتصنع النصر لأنه أرعب مواطنا بريئا، أو نهب ممتلكات عمومية، أو تراجع- تحت تهديد السلاح- عن محل كان ينوى السطو عليه..أتحدى أي موريتاني وطني حقيقي الانتماء- عربيا كان أو زنجيا- أن يعترف بأنه يمكن أن يفعل ذلك، أو حتى يفكر فيه مجرد تفكير عابر..!!

الأمر يتعلق- وبوضوح- بموجة ركبها بعض السياسيين واللصوص والأجانب، الذين تلتقي مصالحهم في الفوضى وإشاعة الرعب، وتفترق عند الشعور الوطني الذي يقتضى حماية الوطن ووحدة شعبه ومكتسباته، بغض النظر عن شكل النظام القائم، فهل أشعلت تلك الأحداث من طرف النظام الحالى وبيادقه للفت أنظار الرأي العام الوطني عن موجة الجفاف الحالية وإلهاء الناس عنها- بدلا من مواجهتها- بصراعات عرقية لأسباب تافهة وغير مبررة؟؟!..أم أنها أشعلت من طرف أجانب يهمهم تخفيف الضغط على أنظمة حكم في دول مجاورة تحاصرها- كما النظام الموجود عندنا- مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية و أمنية عاصفة..؟!!

الواقع أن الجفاف تضيق فيه و به أخلاق الرجال، وتضيق عليهم الأرض بما رحبت، ويعبر الجانب العدائي البدائي للبشر عن نفسه، ويتسبب الجوع عادة في خلق جو مناسب للشحناء والضغينة وضيق الصدر، وتصبح كل الوسائل المتاحة مشروعة لدى البعض للحصول على ما يسد به رمقه ولومن “خشاش الأرض”.!!… ويجد دعاة الفتنة والشحناء من ممارسي “اللواط السياسي” (مع جهات محلية أو خارجية) فرصتهم الذهبية لركوب ظهور الناس المحنية جوعا ومرضا، والزج بهم في صراعات فرعية لا يفهمون دوافعها ولا مسبباتها ولا أهدافها ومساراتها…وسنظل نقول إن موريتانيا للجميع عربا وزنوجا، ولا يمكن لأي موريتاني أو حتى مقيم على الأراضي الموريتانية أن يحلم بالبقاء وحيدا على هذه الأرض على حساب البقية..!!

إنه ينبغي التساؤل حقا لماذا لا نتحد في هبة وطنية جامعة لمواجهة “عام الرمادة” هذا؟.. ولماذا- بدلا من ذلك- يراد لنا أن نصدق أن التذمر من الإحصاء الحالي يكفى وحده لإزهاق أرواح الناس، ونهب الممتلكات، وزعزعة السكينة العامة؟!!

إن معركتنا الحقيقية اليوم هي ضد الجفاف ومخلفاته، أما “هذا زنجي مقصي” و”هذا عربي إقصائي” و”هذه مسيرة عنف” و”هذا صدام مع الأمن” و”هذا ترويع للآمنين” فتلك كلها ليست حربنا، ولن نخوضها…طهر الله منها قلوبنا وسنتضرع إليه دائما أن يطهر منها ألسنتنا وأنفسنا وقوانا أبدا ما أحيانا…

لنواجه الجفاف يدا بيد ومنكبا بمنكب،فتلك حربنا، وذلك هو الجهاد الحقيقي الذي لن يتخلف عنه من الموريتانيين إلا منافق معلوم النفاق..!!

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى