عزيز..بين “ضرتين”..!!

يمكن التماس أحسن المخارج للرئيس عزيز في ارتباك علاقاته البينية مع المغرب والجزائر…إن للمغرب والجزائر معا أهمية مفصلية بالنسبة لموريتانيا، ولسنا بحاجة للقول إن شعوب الدول الثلاث عظم غير “مفصل” فكل شيء يجمعها، ولا شيء يفرقها على الإطلاق، غير انه علينا القول إن تاريخ موريتانيا مع جارتيها العربيتين تاريخ فيه “أخذ ورد”، فيه ما يقال و”ما لا يقال”…ولقد أثبتت التجربة أن الجمع بينهما (دبلوماسيا) بنفس الدفئ و الحميمية أمر بالغ الصعوبة (وصل في فقرات تاريخية عديدة إلى ما يشبه “الجمع بين الأختين”)، لتضارب المصالح والمطامح السياسية والأمنية و الإستراتيجية وحتى الاجتماعية التي تحكم كلا من البلدين على حدة، وتحكم – في النهاية- الشكل الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الموريتانية معهما مجتمعتين، أو منفردتين(لا قدر الله)…إن الشمس الموريتانية عندما تشرق مثلا في الرباط تحجبها غيوم الشك في الجزائر…والسماء الموريتانية الصافية في الجزائر تكون مغبرة وضبابية الرؤية في الرباط وهكذا..!!

لدى مجتمع “البيظان” لا يمكن الحديث – ولو هذيانا – عن جمع امرأتين في بيت زوجية واحد (أو حتى في المادة الرمادية لرجل واحد) مهما كانت الظروف، فالمرأة عندنا لا تقبل بوجود امرأة أخرى تقاسمها قلب الرجل أو بيته أو ماله أو حتى تفكيره، وذلك خط أحمر دونه “خرق القتاد”(ربما دفعت هذه الظاهرة إلى شيوع ظاهرة “السرية” وهي ظاهرة فاشلة لأنه في موريتانيا لا يوجد شيء سري من أخبار الرئيس إلى تحركات الجيش مرورا بالولادات و”الطلاقات” فنحن مجتمع “غوغلي” نضع الحرف الأول من المعلومة التي نريد الحصول عليها فتتدفق علينا أدق تفاصيلها من الشوارع والأسواق والوزارات والقيادات الأمنية والصحفيين والأجانب وعابري السبيل) ووضع عزيز بين المغرب والجزائر شبيه تماما بوضع رجل “بيظاني” يحاول الجمع بين امرأتين”ضرتين” تحت سقف واحد(يمكن لرجل “البيظان” دائما حمل المرأة على رأسه فتلك قيمة اجتماعية متوارثة ولكن مشكلته أنه في نفس الوقت الذي ينوء بحمل امرأة فوق رأسه يحمل نساء أخريات في قلبه وعقله وتفكيره…وإذا كانت المرأة تستطيع تثبيت رأسه – بفعل التربع عليه- فانه ليس بمقدورها أن تمنع قلبه من الخفقان و”الهيمان” ولا عينه من “الطيران” على علو مرتفع أو منخفض)

إن زيارة يقوم بها عزيز للجزائر تقابل في الرباط بشيء من التشنج والريبة والعتاب والقلق على مستقبل”العلاقة المشتركة”، تماما كما أن زيارة يؤديها عزيز للمغرب تثير الاهتمام المشوب بالتشنج والريبة والعتاب والقلق على مستقبل “العلاقة المشتركة”…الأمر (فعلا) معقد على لغة أهل “الفيس بوك”…

لاحظوا مثلا أن الأمر ليس كذلك إفريقيا، فمالي والسنغال لا مشكلة لدى أي منهما في التقارب الموريتاني مع الأخرى، فالأفارقة يؤمنون ب”أربعية” الزوجات اللواتي يتقاسمن مع الزوج ظل الشجرة، ورائحة السمك، وحبل الغسيل، وسرير النوم، وفق نظام اجتماعي أسري صارم، يشبه في تنظيمه الجداول الزمنية لطلاب السنوات الأخيرة للمعاهد المهنية التقنية العليا…ولذلك فذهاب عزيز إلى باماكو لا يثير حفيظة دكار، ووجود عزيز في دكار لا يشغل بال باماكو وهكذا(الجمهورية الإسلامية الموريتانية منسجمة”كامرأة افريقية” مع شقيقاتها الإفريقيات تحت سقف منظمة استثمار نهر السنغال لكنها عاجزة بالمقابل عن البقاء”كامرأة عربية” مع شقيقاتها تحت سقف المغرب العربي)

المشكلة إذن هي في الطريقة التي يمكن بها لعزيز أن يوفق بين “مغربية” لا ترضى بشريكة أخرى تنافسها على قلبه و”جزائرية” لا تريده خارج جدران منزلها…

يتحرك عزيز إذن في حقل ألغام بين “لاله” و”سعاد”، ولذلك يتعين عليه التفكير مائة مرة قبل اتخاذ قرار بالتقرب مثلا من المغرب، لأن ذلك القرار قد يعنى تلقائيا الابتعاد عن الجزائر والعكس…و بين المغرب والجزائر – ظاهريا- مابين كل “نساء” الأرض من المشاكل والعقد والحساسيات المفرطة تاريخيا وجغرافيا وسياسيا(الأزمات بين البلدين هي فقط سياسية بسيطة وقابلة للحل دون عناء، فهما شعب واحد في دولتين كما هو معروف غير أن أصابع أجنبية كبرى مافتئت تذكى خلافاتهما خدمة لأجنداتها المرتبطة بمصالحها في المنطقة والعالم).

ليست المشكلة في المغرب أو الجزائر، فكلاهما بلد جار وشقيق رغم كل جراحات التاريخ و حزازات الماضي، ولولا الجرح النازف في الصحراء الغربية لسارت الأمور نحو التحسن بين شعوب منطقة محكومة بالتعايش ولو قسرا…إن للمغرب مكانة خاصة لدى الموريتانيين نحتتها علاقات مختلفة الأنواع والتجليات منذ الأزل، تماما كما عليه الأمر بالنسبة للعلاقات مع الجزائر…المشكلة إذن أن عزيز غير قادر باعتباره رجل “بيظان” لا يفهم “العدل” بين “الضرتين” على الاحتفاظ بعلاقة طيبة، وبنفس المستوى والوتيرة مع الدولتين الشقيقتين…ولا يبدو عزيز خائفا من “عدم العدل”بينهما خوفه من الاحتفاظ بواحدة على حساب الأخرى…ربما فهم من التاريخ (الأمني على الأقل) – صوابا أو خطأ- أن كرسي الرئاسة في موريتانيا هو مجرد “أرجوحة” هزازة تتحكم المغرب والجزائر(تجاذبيا) كل من ناحيتها في أرجحتهاطرفيا، وحتى “قلبها” رأسا على عقب بمن فيها ومن حولها..!!

أمام عزيز إذن خيار واحد ووحيد لتحقيق الاستقرار (الأسري) الدبلوماسي في المنطقة وهو المساواة بين المغرب والجزائر في كل شيء، في الصفقات والتحالفات والتجاذبات والزيارات والاتفاقيات والمواقف والمواقع والاستراتيجيات، فبذلك وحده تمضى العلاقات بين بلداننا وشعوبنا إلى الأمام، بما يخدم مصالحنا المشتركة…وأمام الجزائر والمغرب نفس الخيار، فعلى المغرب أن تدرك أن موريتانيا ليست “عمالة” لصاحب الجلالة، تماما كما أنه على الجزائر إدراك أن موريتانيا ليست بوابة لسياساتها في المنطقة…وعلى موريتانيا والمغرب والجزائر أن تدرك مجتمعة أنه لا فكاك ولا منجاة لشعوب المنطقة إلا بعلاقات قوية ومتطورة وبعيدة عن الحساسيات والعراقيل…كفانا من سياسات “توازن الرعب”…نبحث اليوم فقط عن “توازن الأمن” والاستقرار والمصالح المشتركة، في عالم تغير مناخه فجأة ليصبح الصيف ربيعا، والخريف الماطر شتاء لا تمكن إذابة جليده بالتصرفات الرعناء والخطوات المرتبكة يمينا أو يسارا ،شمالا أو جنوبا.

حبيب الله ولد أحمد

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى