مشروعية الاضراب في ظل مبدأ الحق مقابل الواجب

من أبسط حقوق الإنسان أن يعبر عن سخطه على أمر غبن فيه أو حق أغتصب منه , فالدولة قد تتخذ أحيانا إجراءات ظالمة في حق بعض الفئات الاجتماعية كالأطباء والمهندسين والمدرسين مثلا ,كما أنها قد تغفل عن الأسعار فترتفع دون أن تصاحب بزيادة موازية في الأجور, زد على دالك بأ نها قد تتخذ قرارات بالحرب أو السلم مع دولة أخرى تؤدي إلى الإضرار بالشأن العام وغير دالك كثير . فيثير دالك سخط الشعب.وفي كل من هده الحالات وغيرها يسعى المتضررون إلى إيصال صوتهم للحكومة تعبيرا عن عدم رضاهم تجاه ما قررته ,فان هم أضمروا الأمر في أنفسهم فالقاعدة تقول لا يسمع من ساكت قول , وان تكلموا فرادى فانه لا وزن للفرد ولا قيمة لصوته, فكيف يعرف أولو الأمر أنهم غير راضين , كيف يضغطون على أصحاب القرار بتعديل قراراتهم؟

هناك ثلاثة أشكال للتعبير السلمي عن حالة الرفض هده ( مظاهرات,اعتصامات , إضرابات ) الأخير منها هو موضوعنا كفئة مهنية تناضل في سبيل نيل بعض من حقوقها المشروعة.
وقبل البت في شرعية الإضراب فإننا ننطلق من قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة, وقد يخرجها عن هدا الحكم وجوبا أو حرمة أو كراهة ما يطرأ عليها , ، فقد تكون واجبة، عندما لا تكون هناك وسيلة سواها لتغيير المنكر، أو للحصول على حق أو لدفع ظلم.

  • الإضراب :

إن الرجوع إلى أصل استخدام كلمة الإضراب يعود بنا إلى الممارسات العمالية في فرنسا حيث كان العمال يجتمعون في ساحة

, وقد كان في هده الساحة أيضا منصة لتنفيذ عقوبة الإعدام. لطلب العمل Greve
وتعريفا نقول بأن الإضراب هو التوقف عن العمل بصورة مقصودة وجماعية وهدفه الضغط على رب العمل بهدف تحقيق مصلحة مهنية مشتركة للعمال.

انطلاقا من هدا التعريف نقول بأن الإضراب ليس خلافا بحد ذاته ,وإنما هو حالة من حالات التعبير عن وجود خلاف ما بين الموظفين ورب العمل , أي أنه يوجد موضوع لم يتم الاتفاق عليه وجاء الإضراب بقصد تحقيق مطالب يسعون لبلوغها أو احتجاجا منهم على بعض الأوضاع التي تمس وتنقص من مصالحهم، وهو بهذا المعنى يمثل امتناعا جماعيا متفقا عليه بين مجموعة من العاملين عن العمل فترة مؤقتة لممارسة الضغط حتى تتم الاستجابة لمطالبهم‏.
ثم إن الإضراب حق معترف به بين الأطراف- الراعي والرعية –ومشرع قانونا, فهو أبسط صورة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (بدون استخدام اليد أو القوة ) وبالتالي تتوافر فيه ظاهريا شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أمر الله تعالى في كتابه العزيز بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال جل من قائل: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) صدق الله العظيم.

وفي الأثر عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) رواه الترمدي

وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها.. مثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا : مالك؟ قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم. وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم ) رواه البخاري

  • أثر إضراب الموظف العمومي على حقوقه المالية :

إذا كان من الجائز منطقيا أن يتعارض حقان صادران من جهتين مختلفتين ، فهل يجوز أن يتعارضا وهما من المصدر نفسه؟ أي هل يجوز أن يصدر عن عاقل واحد موقفان يعارض أحدهما الآخر؟ هل يجوز أن نريد الشيء وضده في آن واحد؟ الجواب طبعا بالنفي لأن الأسئلة بطبيعتها استنكارية.

  • الراتب :

يعتبر الراتب هو الحق الأساسي الأول للموظف، وتضع القوانين لكل درجة أو وظيفة مرتباً معيناً، وتراعي في تقديره اعتبارات متعددة أهمها درجة التأهيل والأقدمية والشهادة العلمية والحالة الاجتماعية

أداء العمل مقابل المرتب أو الحق مقابل الواجب

هل هذا المبدأ يعرف حقا الاطراد والثبات دائما؟ أليست ثمة استثناءات ترد على هذا المبدأ العام؟

الجواب : نعم فهناك العديد من الاستثناءات التي تضيق هذا المبدأ العام قررها المشرع الهدف منها حماية الأجر الذي يتقاضاه الموظف ومنها حالات التغيب القانونية التي نص فيها القانون على استمرار الأجر مثل:

  • 1-التغيبات القانونية لمندوبي العمال والمستشارين الاجتماعيين .
  • 2- التغيبات بسبب أحداث عائلية : ولادة ، وفاة…..
  • 3- التغيبات المأذونة
  • 4- حالات المرض وإجازة النفاس والولادة
  • 5-حالات العطل والأعياد التي تصل إلى 13 يوما في السن
  • 6- العطلة السنوية المحددة لكل وظيفة.

في مثل هذه الحالات يتحول الأجر إلى تعويض يدفعه الضمان الاجتماعي أو شركات التأمين أو المشغل حسب الأحوال.

وهنا نتساءل : هل من المنطقي قانونا وواقعا أن يؤدى عن كل هذه الحالات بغض النظر عن مبدأ العمل مقابل الأجر ولا يؤدى عن حالة الإضراب على الرغم من أنها تمثل حقا دستوريا. كما أنها تهدف في نهاية المطاف إلى خدمة المنشأة العامة عن طريق تحسين ظروف العاملين فيها. ؟ أليس أساس إصلاح المنشأة العامة هو الموارد البشرية القائمة عليها ؟ثم أليس الكون كله مسخر لخدمة الإنسان ؟ كيف تكون المنشأة إنسانا يجب احترام رغباته ولا يكون العامل بها كذلك؟

الواقع العملي في بلادنا يؤكد على أن إضراب الموظف العمومي لا يؤثر على راتبه كنتيجة نهائية لسلوكه مسلك الإضراب، خصوصاً عندما يكون الإضراب مشروع أي ضمن إجراءات القانون، حيث أكد الواقع العملي أن حالات إضراب الموظفين لم ينشأ عنها حسم من راتب الموظف المضرب أو حرمانه منه كله ( وفي الماضي القريب نذكر إضرابات الأساتذة لعام 2008 و إضرابات الأطباء العام المنصرم )

فما الذي جد من حينها إلى الآن حتى تبعث الحياة في هدا المبدأ ليسلط كسيف على رقاب الأساتذة لثنيهم عن الإضراب ؟

1-39.jpg


الأستاذ : عبد الله ولد أحمد طالب


قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى