فشل أسلوب المعارضة المتطرفة يصيبها بالارتباك

يتميز المشروع المجتمعي الذي أسس له البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز ببعد استراتيجي ، يجمع بين ضرورة ترسيخ و تجذير النظام الديمقراطي ، وبين مكافحة الفساد ، وترشيد الموارد الطبيعية ، وتنمية وترقية المصادر البشرية لخلق تنمية شاملة ومتوازنة في عموم البلاد.

فمنذ وصول فخامته إلى مقاليد الحكم ، اتسع نطاق الحريات العامة ، كحرية الصحافة ، وحرية التعبير والتنظيم والممارسة السياسية ، وعرف الفضاء السياسي التعددي الديمقراطي تطورا مذهلا على صعد شتى ؛ فمن تعزيز المكاسب الوطنية ، وتجذير قيم السيادة ، وثوابت ومرتكزات الوحدة الوطنية ، المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف ، مصدرا وحيدا للتشريع ومرجعية لا بديل عنها لتشكيل اللحمة الوطنية ، وترسيخ وتوطيد نظم دولة القانون ، والعدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف ، إلى نهضة تنموية متعددة الأوجه ، حققت نسبا معتبرة في شتى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وواكبتها محاربة جادة للفساد ، وترشيد تام للمال العام .

ومع ذلك ، فما زلنا نرى ثلة من أبناء هذا الوطن ، ممن يرفعون شعار المعارضة الديمقراطية ، ويدعون الوطنية ، يغضون الطرف عن كل ذلك ، وينتهزون كل الفرص ليدفعوا بالبلد في اتجاهات تهدد أمنه واستقراره .

إنه من غير المقبول ، أن يظل هؤلاء ، رغم قلة عددهم ، يستغلون منبر البرلمان، ليروجوا لأفكارهم المدمرة ، والتي غررت ببعض الشباب ، وأشاعت بين المواطنين سلوكا متطرفا ، أنتج موجة من التحركات الهادفة إلى تهديد السلم الاجتماعي ، وتفكيك الوحدة الوطنية ، وإهانة وتدنيس المقدسات الوطنية (إهانة العلم الوطني مثلا) ، والعبث بمكتسبات هذا الشعب ، والتلاعب بمشاعره ، والدعوة الصريحة إلى العنف بشتى صنوفه ، بل وممارسته على الأرض ، من خلال منع الطلاب من مزاولة الدراسة ، وحرق وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة ، إلى غير ذلك من أعمال التخريب ، التي أصبحت سلوكا طبيعيا ، وممارسة يومية ، لهذه الجماعات المتطرفة.

إنهم يحاولون ، بخطاب تجاوز كل الحدود والأعراف ، وتميز بالسب وبالتجريح والتلفيق ، وطال كل الرموز الوطنية ، أن يحجبوا شمس الحقائق الوطنية ، وأن ينكروا الإنجازات الهامة ، التي تحققت في الفترة الوجيزة ، التي مضت من مأمورية السيد الرئيس ، والتي فاقت ، في كل القطاعات ، وبشهادة الجميع ، مجمل ما تحقق خلال الفترة الماضية ، على طولها (من 1960 إلى 2008) .

إن استجداء العنف ، وإذكاء الفوضى ، ومناصرة التطرف ، والغلو السياسي ، وتسييس المطالب الطلابية والنقابية ، وتحريف أهداف ومسار المجتمع المدني ، والعمل على زعزعة السلم الاجتماعي ، وإشاعة النزاعات العنصرية والقبلية والجهوية ، كلها أمور أصبحت سمات بارزة ونقاطا محورية في العمل السياسي لهذه الجماعات : (خطابا وعملا )..

إنهم يحاولون ، عبثا ، الاستغلال الخاطئ لما تشهده بعض الأقطار العربية من حراك ضد الدكتاتورية والظلم والتهميش ، ومصادرة إرادات الشعوب ( الربيع العربي) ، لإسقاطه على واقع بلدنا ، ناسين ، أو متناسين على الأصح ، أننا كنا أسبق هذه الشعوب إلى السير على طريق التغيير البناء ، بأقل الأثمان ، ودون إراقة دماء ، أو تسجيل أحداث عنف ، كما حدث ويحدث في كل هذه الثورات – وكما يود البعض أن يحدث في موريتانيا ، لا قدر الله – وذلك منذ إزاحة النظام المستبد ، توأم الأنظمة المذكورة ، في ثورة هادئة ، أنتجت نظاما ديمقراطيا شفافا تمتع بثقة المنظومة الدولية ، التي عبرت عن ذلك ، إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، حيث حصد هذا النظام احترام وتقدير كل الأوساط الدولية والإقليمية والقارية .

ولقد كان بعض هؤلاء المتطرفين على رأس المؤيدين والداعمين لهذا التغيير ، إلا أنه تبين فيما بعد ، أن ذلك كان طمعا في تحريف مساره، واستغلاله لتحقيق مآرب بعيدة عن إرادة وتطلعات الشعب .

إنهم يغضون الطرف ، بكل تعمد ، عن تفاقم الأزمة المالية العالمية ، التي ضربت القوي قبل الضعيف ، وأصبحت تهدد دولا عريقة بالإفلاس ، وتنذر بانهيار اقتصاديات دول أخرى ، أقوى وأعرق ، وعن الارتفاع العالمي المذهل والمتصاعد للأسعار، وعن التأثير السلبي لكل ذلك ، على الأوضاع المعيشية لكافة سكان المعمورة ، خاصة منها الدول السائرة في طريق النمو ، وبصورة أخص ، تلك التي تستورد كل أو جل حاجتها من المواد الضرورية كبلدنا .

كما يتجاهلون الوضع الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام ، والناجم عن الشح غير المسبوق في كميات الأمطار هذه السنة ، والذي أثر على المراعي ، وعلى المحاصيل الزراعية مما يتطلب – وهو ما تم فعلا – اتخاذ كافة الاحتياطات لحماية البلد من التداعيات المحتملة لهذا الوضع .

ورغم كل هذه الأوضاع : الدولية والإقليمية والمحلية ، فإن السياسات المنتهجة من لدن الحكومة ، والتي تتخذ من البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، مرجعية لها ، قد اتخذت كافة الإجراءات والتدابير اللازمة ، لرفع كل التحديات الناجمة عن هذا الوضع.

وإن برنامج أمل 2012 لخير دليل على ذلك ، هذا البرنامج الذي رصدت الحكومة لتمويله 45 مليار أوقية مع تحملها لما يناهز 60% من سعر المواد الأساسية في السوق ، حيث ستفتح على كامل التراب الوطني حوانيت تبيع المواد الغذائية الأساسية ، والأعلاف الضرورية بأسعار في متناول الطبقات المتوسطة والضعيفة ، وسيحافظ على توفير الحاجة من هذه المواد وبالأسعار المناسبة ، طيلة الفترة المتوقعة .

هذا إضافة إلى التكفل بتوفير نقاط المياه الضرورية ، في الأماكن الرعوية والتوزيع المجاني للمواد الغذائية الأساسية على كافة الأسر المتضررة ، مع توفير الأدوية البيطرية الضرورية ، فضلا عن تنظيم حملات تلقيح لصالح الحيوانات . وهو ما سيضمن ، بإذن الله ، التغلب على ما قد ينجم عن كل هذه الأوضاع من انعكاسات سلبية.

وبهذا البرنامج ، وبغيره من المكتسبات الوطنية ، يجني الشعب الموريتاني ثمار التغيير والإصلاح ، كما جناها من خلال محاربة عصابات الإرهاب والغلو، وجماعات المهربين وتجار الممنوعات ، الذين يتربصون ببلدنا ، ويهددون أمنه واستقراره ، في خروج خطير على الدين والقانون ، وعلى قواعد الديمقراطية والسلم والسلام .

إنهم في المعارضة المتطرفة ، وبدلا من تثمين هذا البرنامج الرائد والمتميز ، يحاولون – خدمة لأهدافهم الخاصة – تحميل النظام مسؤولية الانعكاسات السلبية لكل ما سبق :- نتائج الأزمة المالية العالمية – ارتفاع الأسعار عالميا – الجفاف وقلة الأمطار – خطر التطرف والغلو المنتشر في أرجاء الكون .

إن التجاهل المتعمد ، من طرف المعارضة المتطرفة ، للتوتر الداخلي والخارجي ، الذي تعيشه منطقة غرب إفريقيا (خاصة دول الجوار : السينغال ومالي ) ، وما سينجم عنه ، لا محالة ، من تحديات أمنية ، بل ومحاولة استغلال هذا التوتر لصب الزيت على النار، ووضع بذور لأزمات مفتعلة مع هذه الدول ، لأقوى دليل على ما تسعى إليه هذه الجماعات من زعزعة لأمن واستقرار البلد .

ولما كان الحوار سلوكا حضاريا راقيا ، وأسلوبا إنسانيا يتنزل في صميم تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، وينتمي في جوهره إلى منظومة التقاليد الديمقراطية كان رئيس الجمهورية سباقا إلى دعوة مكونات الطيف السياسي الوطني إلى حوار هادف وبناء ، بلا شروط وبلا محاذير ، لخلق إجماع واسع حول أنسب الحلول للقضايا الوطنية المصيرية ، فكانت دعوة صادقة نابعة من إرادة قوية ، حرصت على تسهيل انطلاقة الحوار، وواكبت مختلف فعالياته ، وذللت كافة العقبات التي اعترضته ، فكان حوارا ناجحا بامتياز، بالدعوة الرائدة ، والمشاركة الفعالة ، والنتائج الهامة.
إن النتائج التي أفضى إليها هذا الحوار ، خاصة منها ما يتعلق بالوحدة الوطنية ، وتعزيز المسار الديمقراطي ، وإرساء دعائم دولة القانون ، والحكامة الرشيدة ، ومكافحة الإرهاب ، تعد مكسبا وطنيا ثمينا ، نظرا لأهمية هذه المواضيع ، و للآفاق الواعدة التي يفتحها الاتفاق أمام تجذير و ترسيخ مسيرتنا الديمقراطية .

ومن أهم ما تمخض عنه هذا الحوار، التوافق على ما كانت هذه الجماعات المتطرفة تدعي بأنه مطلبها الأول ، والشرط الأساسي لمشاركتها في الحوار ، وفي كافة ما ينجم عنه من توافق : إنه إنشاء لجنة مستقلة للانتخابات ، تتولى تسييرها من الألف إلى الياء : ( من تحضير اللوائح إلى إعلان النتائج ) . إلا أن ذلك تبين أنه مجرد أعذار واهية ، يراد منها الهروب من المشاركة في الاستحقاقات القادمة ، لمعرفة هذه المعارضة مسبقا ، بضآلة ما لديها من زاد لهذه الاستحقاقات . ولذلك ظلوا يدعون بوقاحة إلى تغيير السلطة بالقوة … إلا أن الحوار الوطني غير المسبوق ، قد فوت عليهم تلك الفرصة بحظره الدستوري للانقلابات .

إن آمال شعبنا تتعزز وتتوطد ، يوما بعد يوم ، بما نحققه من مكتسبات استراتيجية ، رغم كل حملات التشكيك والتلفيق ، التي تشنها هذه الجماعات ، والتي تدعي أنها أحزاب معارضة وطنية ، وهي لا تعدو كونها ، في الحقيقة ، جماعات تلتف حول أشخاص ، ليس لهم من البرامج والأهداف ، إلا السعي من أجل الوصول إلى السلطة ، أيا كانت الوسيلة ، ومهما كان الثمن …

ورغم كل ذلك ، فإننا من موقعنا كطرف في شراكة سياسية وطنية ، هادئة ومسؤولة ، سنظل نمد يد الحوار إلى كل وطني في هذا البلد ، لأننا نعرف أن بناءه يتطلب جهود كل مواطنيه ، لكننا في نفس الوقت ، ندرك تمام الإدراك ، أن الإنسان لا يهدي من أحب ، و لكن الله يهدي من يشاء .

إن السياسات التي تنتهجها الحكومة اتجاه كل التطورات الدولية والإقليمية والمحلية ، أعطت بلادنا مصداقية إقليمية ودولية ، جعلتها تحتل دائما مواقع أمامية في كافة اللجان والبعثات الدولية التي تنتدب لتسيير الأزمات المستعصية وحلحلة المواقف الجامدة .

وإنما تحقق من مكتسبات سياسية واستراتيجية ، في مجال تطوير النظام الديمقراطي ، وترقية الحريات وصيانتها باستمرار وتألق ( كان شاهده الأخير تسنم بلادنا قائمة الدول العربية في مجال حرية الصحافة وحرية التعبير في التصنيف الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود ) ، وما خلفته نتائج الحوار الوطني من صدى إيجابي ، لدى النخبة السياسية ، ولدى الرأي العام الوطني والدولي ، إضافة إلى ما عرفته وتعرفه بلادنا ، خلال السنوات الثلاث الأخيرة من بناء وازدهار وتطور، هذه كلها مكاسب وطنية ، يجب أن ندرك جميعا أنها ملك لهذا الشعب ، وعلينا أن نعض عليها بالنواجذ . فصيانتها وحمايتها ، من هؤلاء ومن غيرهم – عزيزي المواطن – واجبنا جميعا . فليس من المعقول أبدا أن نسمح ، لثلة قليلة من أصحاب الأطماع الخاصة والنزعات المتطرفة ، بأن يعبثوا بمكتسباتنا الوطنية أو يعرقلوا مسيرتنا التحررية .

السيد ولد محم

عضو اللجنة السياسية بالاتحاد من أجل الجمهورية

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى