حول الآجرومية وعبيد ربه

لا نقصد هنا إلى أبعد من ملاحظة نسبة رواج مؤلفين نحويين أحدهما اشتق من الآخر اشتقاقا بل هوهو في قالب آخر.. قالب منظوم ، وقد يكون من الفضول أن أقصد إلى معرفة أي منهما حظي بالنصيب الأوفر من اهتمام الشناقطة : متن الأجرومية أم نظمه المعروف ب”عبيد ربه”؟

ومن الضروري أن الأجرومية مؤَّلف نحوي يأخذه الطالب مقدمة لدراسة النحو قبل المتون المتعمقة.. وأكبر الظن أن أهل هذه البلاد لا يعدلون به مؤلـَّفا نحويا آخر…

يظهر أنه قبل نظم عبيد ربه الذي يعود إلى القرن الثاني عشر الهجري كانت للأجرومية شروح متعددة وكثيرا ما اشتغل عليها العلماء ولم يكتف بعضهم بوضع شرح واحد لها فوضع لها ثلاثة شروح منها الصغير والكبير والأوسط.. ثم استمرت العناية بتدريسها ووضع الشروح لها حتى ظهر نظم عبيد ربه المشكوك في صحة نسبته إلى محمد بن آبه الغلاوي ولعله أول نظم يظهر لهذا المؤلَّف النحوي ، وعندها ينصرف الشناقطة شيئا عن الأجرومية وينصرفون إلى وضع شروحهم على النظم ، فتظهر العناية به جلية وربما يغدو تدريسه أعظم رواجا من تدريس النص المنثور ، فمن الأسهل على الطلبة حفظ النظم ، وقد قال عبيدُ ربه في الطليعة أنه نظم متن الأجرومية:

….لمن أراد حفظه وعسرا عليه أن يحفظ ما قد نُثرا

ولكن يبقى للنثر أيضا مناصروه ففي بعض زياراتي لإحدى المحاظر التقيت بطالب لم يكن يسهل عليه سوى حفظ النثر ويعز عليه كثيرا أن تكلفه بحفظ بيت واحد من النظم وكان يتفادى عبيد ربه إلى دراسة نثر الأجرومية ويزعج من نظم الرسالة إلى متنها المنثور لابن أبي زيد القيرواني..

وحين ظهر عبيد ربه انطلقت الشروح عليه ابتداء من ذات القرن الذي ظهر فيه ، فكان أول من شرحه سيدي عيسى بن احماه الله الجعفري الولاتي المتوفي في القرن (12هـ) بل نجد من العلماء من ينظم الأصل (متن الأجرومية) ثم يعود فيضع شرحا على عبيد ربه!(كما فعل محمد يحيى بن سليمه اليونسي)..

إلا أننا بعد ظهور هذا النظم لا نعدم من الشناقطة مؤلفات مضاهية تجمع في عقدها المنظوم نثر الآجرومية وحتى إن بعضهم صاغها نظما بالحسانية (كما فعل سيدي محمد بن حبيب الله الجكني) إلا أن “عبيد ربه” ظل أشهر نظم للأجرومية على الإطلاق، وقد ظهرت له شروح عديدة ومن بينها الشرح الثمين الميسر الذي وضعه الحاج بن فحفو المسومي ولعله يكون من اللائق أن أذكر هنا أنه وقعت في يدي نسخة منه وأنا بالرباط وإلى جانبي فقيه مغربي متميز من الناحية المعرفية قرأت عليه المقدمة وفيها التعريف بالمؤلف (الشارح) فلم يلفت انتباهه شيء أعظم خطرا من سيرة الشارح الشخصية والتي حين دخلنا في بدايتها لم نكد ـ بعد ساعة ـ أن نخلص منها وصفحاتها لا تبلغ أصابع اليد الواحدة ، فقد جعل يستوقفني كل حين ويتعجب من أمر هذا الرجل من زهده وعلمه ونمط عيشه…..

أما عن الأجرومية فلم أكد أقف لها على أي شرح بعد ظهور نظم عبيد ربه والأنظام التي تلته إلا ما كان من الشرح الميسر المسمى بـ:”التحفة السنية على المقدمة الآجرومية” الذي وضعه عالم بعيد عن هذا القطر الذي يهتم أهله اهتماما بالغا بالنظم لتيسيره حفظ المتون على الطلاب وصاحبه هو : محمد محيي الدين عبد الحميد ، وربما انتحت منهَجَه المدارس النظامية أو انتحى هو منهجها حيث أرفق شرحه بالتمرينات والأسئلة والتدريبات على الإعراب..

خلاصة: لعله يدرك بيسير ملاحظة اهتمام الشناقطة عموما “بعبيد ربه” لإتيانه بالقواعد النحوية في قالب منظوم ، ولكنه ـ وإن كادت ـ بسببه ـ لتتوقف مسيرة الشروح على متن الآجرومية ـ إلا أن الأجرومية بقيت تدرس بشكل خاص في المحاظر المنتشرة في عموم البلاد وبقي روحها وجوهرها هو الذي يقصد إليه المتعلمون في دراستهم لنظم عبيد ربه والمعلمون في تدريسهم لمتن هذا النظم ، غير أن عبيد ربه لم ينافس ببسالة متن الآجرومية فحسب ولكنه ـ على ذلك ـ بزّ بشهرته جميع الأنظام التي ظهرت لمتن المقدمة الآجرومية لصاحبها الفاسي المتوفي سنة: 723هـ

ملحوظة: اعتمدت في هذه المقالة على الجرد القيّم الذي قام به الدكتور يحيى بن البراء لشروح الموريتانيين للأجرومية في مذكرة تخرجه من مدرسة تكوين الأساتذة المعنونة بـ: ألفية ابن مالك وتأثيرها في الثقافة الموريتانية ، السنة الجامعية: (1981ـ1982م)