ألقاب الملوك والأمراء والقادة ليست جديدة على الشعوب والأمم، فقد عرفت البشرية – بمختلف مراحل تاريخها وبتنوع أديانها وأعراقها وثقافاتها – ألقابا حملها ملوكها وقادتها فمن “الملك الإله” و”الفرعون” إلى “الرئيس المؤمن” مرورا ب”الملك القديس” و”العزيز” و”المعتصم ” و”المعتضد” و”كسرى” وقيصر” و”العادل” و”رأس الحمار” و”ابن الشعب” و”ملك الملوك” و”خادم الحرمين” وليس انتهاء ب”رئيس الفقراء” تهجت كل شعوب العالم تقريبا ألقابا أصبحت لصيقة بحكامها وقادتها.
ليس من المهم أن يدل الاسم دائما على مسماه في تلك الألقاب(السلطانية) بقدر ما أنه من المهم أن يكون اللقب أليفا خفيفا،وقريبا من العامة، وبه شحنة كبيرة من المعاني والقيم “الانتخابية”.
والغريب في تلك الألقاب أنها قد تتناقض- أحيانا كثيرة- مع حاملها شخصية وصفة وسياسة وثقافة وأسلوبا في الحكم، لدرجة يخيل لك معها أن اللقب مركب ومعدل تماما كما يفعل الميكانيكيون(في بعض دويلات الطوائف يتلذذ عامة الناس بإطلاق لقب الرئيس الميكانيكي على حكامهم) عند استبدالهم لمحرك سيارة “مازوتي” بآخر “بنزيني” والعكس..!!
لا يهمنا كل ذلك، فليس لدينا رئيس متناقض مع ذاته أو لقبه، ولسنا بحاجة ل”تعديل” الألقاب و”تركيبها”، ولسنا معجبين بخبرات الميكانيكيين المحليين، ولا بقدرتهم على “التركيب” و”التعديل”.
وإذا كنا عاجزين عن إحداث تغيير من أي نوع في بلادنا، فلا أقل من تغيير لقب رئيسنا في سابقة (بلا لاحقة) حسب علمنا، خاصة وأننا لا نريد رحيل الرئيس لأنه لا يمكن لنا أن نطالب برحيل أحد في بلادنا، فإلى أين سيرحل أي منا في بلد ليس لمواطنه “بر يقيه ولابحر”..بلد مظلل بالعطش والجوع والمهانة والظلم؟!! لم يعد في بلادنا “منأى للكريم عن الأذى”، ولم يعد فيها “لمن خاف القلى متحول”، ولم “تضق أخلاقنا” بقدر ما “ضاقت بنا بلادنا” بؤسا ومحاقا وسوداوية..!!.
لا أطالب الرئيس بالرحيل …ليقم “ما أقام عسيب” فهو وشأنه، غير أن لدي طلبا بسيطا لسيادة الرئيس(سأظل أرفع طلباتي للرئيس حتى لو لم يستجب لها فعدم تسليمي السنوسي لا يعنى نهاية العالم فأنا مواطن موريتاني وهذا رئيسي ولا غضاضة في أن أستمر في طلباتي ويستمر فخامته في عدم تلبيتها) وهو تغيير لقبه من “رئيس الفقراء” إلى “الرئيس الصادق”…!!.
ولدي المبررات لتقديم هذا الطلب، فإذا كان من الصعب التخلي عن كرسي الرئاسة لأسباب عديدة، فإنه من السهل التخلي عن مجرد لقب عابر …في سنوات الدراسة كان لكل معلم أو أستاذ أو مراقب أو تلميذ لقب يشتهر به، ويتذكر السيد محمد ولد عبد العزيز يقينا ألقابا سادت ثم بادت من قبيل “جحا” و”لقطات حية” و”اشوي يحرك” و”شوفير أهل لخل” و”دختنيوس” و”البيطاط” و”بوجى وطمطم” و”أبولواحة” وغيرها.. يمكننى طبعا إعطاؤكم لائحة ألقاب تصل إلى أكثر من مائة كنا نتنابز بها في “المدرسة رقم 10” بالميناء وإعدادية “المربط”(كنا نلقبها إعدادية المقبرة) ب”كبة سيزيم” مثالا لا حصرا…لقد تخلى أصحاب تلك الألقاب عنها طواعية وبدون إكراه، وبالتراضي مع الذين أطلقوها عليهم فيما يشبه مصالحة وطنية نادرة( أتعهد لسيادة الرئيس في حالة قبوله لهذا المقترح بان أقول له لقبين اشتهرت بهما أيام الدراسة الابتدائية والإعدادية).
إذن لا مشكلة في التخلي عن الألقاب(بل حتى عن الصفات والمبادئ) أحيانا…أنا أقترح على سيادة الرئيس لقبا جديدا هو “الرئيس الصادق” بدلا من “رئيس الفقراء”…ف”رئاسة الفقراء” مهددة في الصميم، وبعد عشر سنوات من الآن تقريبا ربما لن يكون لهذا اللقب “رئيس الفقراء” أي معنى أو دلالة، لأن الفقراء عندنا حينها سينقرضون، وسيتم بيع آخر “عظم” من آخر فقير موريتاني بالمزاد العلني في “الدوحة” أو “دبي” أو”باريس” أو”لندن” لأنه سيصبح شيئا من عاديات التاريخ، وسيتسابق أثرياء العرب واليهود لشرائه تماما كما تنافسوا على شراء لوحات “بيكاسو” وألحان “بيتهوفن” وخصلات شعر “نابليون” وأحذية “ديانا” وملابس “مارلين مونرو” وغيرها..!!
لقد بدأ الموت مرضا وجوعا وعطشا وظلما يتخطف فقرء البلاد، ولن يكون من المناسب أن يحمل ولد عبد العزيز لقب رئيس لفقراء انقرضوا كما الديناصورات، وهيبة الدولة الموريتانية، وقيمة الأوقية، والمؤسسات السيادية الوطنية..
أظن بأن لقب “الرئيس الصادق” مناسب ومقبول ومفهوم، ويحمل كل الشحنات اللازمة سياسيا وانتخابيا..(الملتحون وحدهم ليس بمقدورهم حمل هذا اللقب لأسباب وضحها الرئيس في خطبة انواذيبو المشهودة)
ولن تكون لدى الرئيس عقدة من هذا اللقب، فهو صادق في كل ما قاله أثناء وقبل وبعد حملته الانتخابية..
اللقب السابق “رئيس الفقراء” كان كارثيا، فقد ظهرت للرئيس صورة مع أحد الفقراء، وما كادت تنتشر وتصبح رمزا للحملة حتى رحل الفقير إلى جوار ربه…وزار الرئيس أسرة من الفقراء في حي شعبي وبعد الزيارة بشهر تقريبا احترق منزل الأسرة حد التفحم، إلى غير ذلك من الظواهر “الفلكية”(من “الفلك” وليست من “الفلكة”) التي صاحبت ذلك اللقب حيث أصبح مصدر تشاؤم لدى الكثيرين…كنت أعتقد أن إفقار الناس هو الطريقة الوحيدة لتوسيع القاعدة الشعبية للرئيس، غير أن تحول معظم الناس من منطقة ما تحت “خط الفقر” إلى منطقة ما تحت “خط القبر” جعلني أدرك أن فقراء البلاد يموتون بشكل جماعي على مدار الساعة، وليس من الممكن التعويل عليهم في الانتخابات القادمة..
اللقب الجديد يمكن الدفاع عنه دون عناء فالرئيس صادق وهذا البرهان..
– قال إنه سيحارب الفساد والمفسدين، فحشر الفساد بين جدران عدة قصور بعد أن كان متفشيا في طول البلاد وعرضها، وقلص أعداد المفسدين حيث لا يتجاوزون اليوم ال100شخص بين رئيس ورجل أعمال وسياسي ومدير وقريب، وتتذكرون بدون شك أن أعداد المفسدين كانت تعد بالآلاف أيام ولد الطايع مثلا.
– قال إنه سيصلح التعليم، فجوع الأساتذة والمعلمين وسجن الطلاب لأنه بدون الأساتذة والمعلمين والطلاب لن يكون لدينا تعليم أصلا حتى نكون بحاجة لإصلاحه، ولذلك فالتعليم اليوم في أزهى أزمنته حيث تم القضاء على بؤر التوتر فيه وهي ثلاثية الأساتذة والمعلمين والطلاب عن طريق تجفيف منابعهم، ومن الحماقة اليوم المطالبة بإصلاح هذا القطاع، ولعله من الحكمة “الرئاسية” اختصار التعليم كله في ثلاثة وزراء، أكبرهم يعوض غياب الأساتذة، وأوسطهم يعوض غياب المعلمين، وأصغرهم يعوض غياب الطلاب وهم والحمد لله وزراء صالحون و”صلاحهم” سبق “إصلاح 93″ وما قبله وما بعده من إصلاحات.
– قال إنه سيهتم بالشباب ويوفر له فرص العمل، وفعلا أتاحت أحزاب الشباب التي أنشأها فرص عمل عديدة، فهاهو الشباب يناضل في السيارات الفاخرة التي يستعرضها عبر مسيرات محمولة بصفاقة في الشوارع المغبرة القذرة للأحياء الطرفية البائسة في العاصمة ونواذيبو و روصو وقريبا فى ألاك عاصمة لبراكنة احتفاء بزيارة فخامته أو عملا ب”إخلاص” (اقرءوها بالحسانية إن شئتم) على شرح برنامجه وإقناع المواطنين بأن جهنم ارتفاع الأسعار والعطش والبطالة والفقر، ليست سوى جنان هذا العهد الميمون التي تتفجر خلالها أنهار العسل المصفى والخمر و”السمك والتمر” ..
– قال إن العسكر سيبتعدون عن السياسة، وفعلا ابتعدوا عنها نخبتهم إلى الحدود مع مالي وعامتهم أبعدت عن مهامها الأصلية ليتم استبدالها ب”خير أجناد الأرض” من منتسبي “مؤسسات الحراسة الخصوصية”..
– قال إنه سيهتم بالنساء ويرفع من شأنهن، وهكذا كان فالمرأة الموريتانية اليوم لها أن تفخر بان بياض يومها يذهب في طوابير دكاكين “الأمل” و”التضامن” التي تعود منها غالبا بأحد “خفي حنين” ليذهب سواد ليلها في أرق التفكير في مشاكل الصباح القادم من خبز للأطفال إلى الدفاتر والحفاظات مرورا بالماء والأرز والملح والدواء..
– قال إنه سيحارب البطالة ولقد حاربها عندما وفر للشباب والفتيات بل حتى للرجال والنساء والشيوخ فرص عمل يومية بالدخول في مطاردات مع قوات الأمن في الجامعة والمعهد وحتى أمام الرئاسة (يمتد العمل أحيانا إلى ما بعد الدوام الرسمي) ولذلك فلا يوجد عاطل عن العمل في بلادنا اليوم فالمواطنون بين ممدد على سرير المرض أو مطارد من طرف الأمن أو معتصم أو معتقل أو سائر على قدميه فراسخ عديدة احتجاجا ويأسا أو تائه في الصحراء بحثا عن قطرة ماء أو بصيص أمل أومنتظم في طابور دكاكين الأمل أو منسي تتقاذفه دروب النوى في البلدان البعيدة فأين هي البطالة إذن؟!
– قال انه سيحمى الثروات الوطنية وقام بحمايتها، فان تذهب إلى جيبه أو جيوب مقربيه أفضل بكثير من أن تذهب أدراج الرياح كما كانت في السابق.
– قال إنه سيحرر الإعلام، وفعلا تلك راياته ترتفع على فضاءات الإعلام التي حررها لرجاله برجاله وماله، وهاهي حريته المسموعة والمرئية والمكتوبة ماثلة للعيان لا يجحد بها إلا من رفع عنهم القلم، أوفى آذانهم وقر،أو على أبصارهم غشاوة.
– قال إنه لا وجود في زمنه لصفقات التراضي، وهذا صحيح فصفقات الانقلابات والانتخابات لم تتم بالتراضي بين كل الموريتانيين، ولم تذهب عمولاتها إلا إلى حيث يجب أن تذهب أصلا وفرعا(دعونا من صفقات السمك والنفط والنحاس والذهب والحديد)
صدق الرئيس يضيق المقام عن الإحاطة به، فلم يقل شيئا إلا صدقنا فيه رغم تخرصات المعارضة وسقطاتها وحربها القذرة ضده (المعارضة تتحمل مسؤولية الأوضاع التي تراها مزرية في البلاد فلو لم تسرق أفكار الرئيس لأصبحت بلادنا اليوم من أغنى الدول وأقواها وأكثرها نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا في العالم )
إنه فعلا يستحق لقب “الرئيس الصادق” وقد أطلقناه عليه فليهنأه اللقب الجديد…وعلى الإذاعة والتلفزة والوكالة من الآن الدخول في حملة “خلع” اللقب الجديد على الرئيس، واستضافة فقهاء وأطباء ورياضيين وعلماء نفس وخبراء ومحللين سياسيين لشرح المعاني والدلالات السامية للقب الجديد وتبيان عدم مشروعية التنابز باللقب السابق “رئيس الفقراء” لأنه لم يعد “لقب المرحله”..!!.