المغامسي كان تلميذا لمحمد الأمين الشنقيطي

منـذ أن أطلـق آب ولد أخطــور فتــواه المنشورة في كتابه “أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن” المتضمن تكفيــر منكـر العبودية و تفسيـق القائل بمنهاجه في أقـل تقديــر، سـارع أتبـاع الشيـخ الشنقيـطي في الخليـج العــربي إلـى إعمال الموقف من اجل الإبقاء على مكانة الســود عموما في أسفل السلم الإجتماعي..، ومن بعدها أصبح بإمكــاننا السماع بيـن الفينة والأخرى بمزيد الخرجــات الفاحشة

و الدعــوات الغريبـة التي تطلــق من هنــا وهنــالك، دون أن يخمن أصحابها ما قد تجره إفتراءاتهم على الإسلام والمسلمين من رزايا؛ فهـذه تطالب بإستــولاد عهــد للجواري والإماء إرضاء لمؤسسة “ملك اليميــن”، وذاك يسعى إلى نسف كل جهـود الإنعتــاق والتحرر في فتواه الشهيرة والقاضية بجلب عبيــد موريتانيا الأشداء لكي لا يعطل العمل بآيات القرءان الدالة أحكامها على العتق ويميــن الكفــارات،.. وغيرها كثير.

لقــد أورث الشناقطـة لأتباعهم في الديار المقدسة منظومة معرفية لا تسمح بالفكـاك مـع الظاهـرة العتيـقة، وهو علــى ما يبــدو ما يزيد من جسـارة القبائل العربية على التعالي العنصـري المتفـاقـم بفعـل تخمــة الجيـوب البتــرو- دولارية والتي ترسم محاولة جديد لحدود العلاقة مع النخبـة القبلية الحاكمة فـي موريتانيا.

وكمـا رأينا، فإن تدفق المهاجرين من فئة البيظان إلى العربية السعودية كان عاملا مساعدا للإحتكام إلى التقاليــد الإجتمـاعيـة السائـدة والتي تم إسبـاغها بلبوس ديني وعقائدي حتى أن العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز لم يتردد العام 2004 عن رفض إعتمـاد سفير موريتاني منحدر من شريحة لحـراطين، .. ليؤول بعـدها المنصب ذاته إلى الابن البكـر لإحدى أكبر الشخصيات الشنقيطية المقيمة بالمملكة.

لم يكـن قرار خادم الحرمين الشريفين مواربا أو غامضا إلى حد قد يعتـقد فيه البعض أن المملكة مستعدة لاتـخاذ أي ترتيب من شأنه أن يهـدد أجيـال الوهابيين القادمين من عرين العبيد (موريتانيا) منذ القــرنيـن التــاسـع عشر والعشريــن، ..كما يرتبط ذلك الرفض بإنزال وحصـر دائمين لأدوار أصحاب البشرة السوداء ضمن المكانة الاجتماعية المؤطرة من لدن مؤسسة الرق أو الاستلحاق في الغالب الأعم.

ولنــرى ما قالـه الداعية الإسلامي السعودي صالح المغامـسي –وهو تلميــذ لولد أخطور- عبر راديو القرءان الكريم بانواكشوط، “ينبغي أن يساعد الأثرياء عندنا في شراء العبيد من موريتانيا لكي يتمكنوا من أداء كفارات اليمين والصوم وغيرها…”، ما يعني أن الفقيه السعودي إنما يتتبع فلكلوريــا دروب أسلافه أو هــو يعـاود الامتثـال لمنشورات شيخه محمد الأمين الشنقيطي..، دون أن يبذل أي عناء فكري أو جهد بحثي للتثبت من الحقائق الشرعية والتاريخية لواقع وخلفيات إستـرقاق ساكنة الصحراء الأصلاء من المسلمين المسالمين فعلا.

إن محاضرة المغامسي حول “طاعة ولي الأمر” بحد ذاتها دليل حـي على التسليم لسلطان ملاك العبيـد والذين تم التمكين لهم على هذه الأرض منذ أن كانت أقدامهم قد وطأتها منـذ ستة قرون أو يزيد.

وتوحي الفكرة الأساسية للمغــامسي بوقــائع تاريخية كانت تتعارض في مجملها مع روح الشرع والإسلام وكان أهل الحجاز أبـرز زعمائها التاريخيين وسنكتفي بالقول أن قطع الطريق أمام وفود الحج كانت تجارة رائجة في منطقة الخليج والعراق.

و كلنا يعرف أنه منذ ثورة الزنـج في العراق (القرن 9م) إتخذت الحواضر الإسلامية إجراءات رادعة في حق رعاياها الســود والذين لازال يطلق عليها حتى الآن يالعراق “العبدان”..، وفي المحصلة تعكس السلطة الدينية في المملكة آخر الأوفياء لـذلك النذر حيث لا زالت تصارع رسميا ضد مسارات القطيعة مع تلك الظواهر العتيقة التي كان الملك فيصل رحمه الله أول من بدأها (7 نوفمبر 1962)، غيــر أن مشايـخ المؤسسة الدينية ما زالت تبارك وتحتكر سلطة “المنازل الاجتماعية”-إن صح التعبير- وأظن أن مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفة عامة تعكس ذلك بصفة أوضح.

كل التقارير الإخبارية المستقلة، بما فيها تلك التي يتناولها الإعلام السعودي تتحدث بإضطراد عن حصــول تمييز عنصـري ضـد أبنـاء العبيد السابقين في المملكة، كما أنه لازال لحد اللحظة توجـد في المملكة منــاطـق معزولة لأنها مأهولة فقط من قبل السود ..نرى ذلك في مدينـة الرياض وغيرها، و نستنتج من كل ذلك أن الزهو بالأحكــام الإستعلائية يبقى معاندا وراسخا بل و متجذرا في نفوس أتباع الوهابية.

بالنسبة لي؛ هؤلاء يمثــلون النقيض الطبيعي لحلم القسّ “مارتين لوثر كينج” I have a dream this afternoon،.. لأنهم يعتقدون أن الإســلام لم يلغي العبودية حتى اليوم، وليس من السهل إقتــلاع نظرة الدونية ضد السود من أدمغة “العـربان”.

* * *

عندما أعلن شعب الولايات المتحدة عـن إختيــار الأســود باراك حسيــن أوبــاما ، بدأ السعوديون في تبــادل النكات عبر هواتفهم النقالة وتناغموا فـي ذلك أيما تناغم سيما وان خدمة الــsms تتيح سهولة التــواصل، وكانت إحدى النكــات حينها تقول أن (سكان حي “العــود” قـرروا الهجرة إلى أحياء “أم الحمام” أو “العقيق” أو “العليا” لأن أبن عمهم أوباما أوصى بهم خيرا الأسرة الحاكمة..!!) ولم يقف الأمــر عند ذلك الحد فقـد إخترع أصحــاب الهواتف المترفة نكتة أخرى كانت الأكثر إنتشارا في تلك الآونة من صيف 2008 “بعد فوز أوباما.. نقل السفارة الأمريكية من حي السفارات إلى حي الحلة (حيث يقطن السود)!!!.

وفي سياق متصل، مارس أمراء من الأسرة الحاكمة ضغوطا كبيرة على الصحفي تركي الدخيل بغرض إجباره على تقديم الإعتـذار عن مضمون مقالته :”بلال المؤذن..بلال الرئيس”.

لقــد أباح صالح المغامسي لنأ النبش في الأوضاع الإجتماعية المتوارية في زوايا المملكة، والتي سنلـط الضــوء عليها لاحقا.

في العربية السعودية لا زالت العشائر البدوية وخاصـة قبـائـل “شمـر” و”عنــزة” تفـرض على أتباعها من المــوالي المقيميــن في المدن الرئيسية للملكـة العودة إلـى مضـارب العشيرة لتقديم فروض الـولاء للأسيـاد!، فلمــاذا يتجاوز المغامسي هذه الحقيقة القريبة منه ليطير بخيالاته إلى الساحل الغربي للمحيـط الأطلسي؟ ألكــي يعيد رواج تجارة النخاسة؟ أم لأغــراض خفية أخرى؟؟ قد تطال تعــزيز أواصـر العرق والوظيفة التي ينسج على منوالها ملاك العبيد في البلدين علاقاتهما السياسية والتي لا صلة للدين الحق بها!.

إن العلاقة السببية التي تحيل إلى العبودية في أذهان ومواقف العرب تكمن في البشرة والملامح السوداء، ولأنني أعرف أنهم سيكابرون وينفون ذلك، فإنني بعون الله قادر على تـذكيرهم بواقعة الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، المستثنى من إمكانية تولية العــرش السعودي كون أمّه أفريقية سوداء!..

وسأعـود كذلك بالجميع، إلى الفترة التي تم فيها إنتخاب أول رئيس أســود للولايات المتحدة، فقد فتح الفقهاء والأتباع في الكثير من بلدان الشرق الأوسط الجدل واللغط الدينيين حول ما إذا كان باراك حسين أوباما هــو الحبشي الأســود الذي سيخرج في آخر الدنيا ويهـدم الكعبة؟، كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم : “يخرّب الكعبةَ ذو السويقتــيْن من الحبشة”!..

ألا أف… لـأمثال هـؤلاء الذين تسببوا في إفساد علاقة العمة “سارة” مع الـدين الإسلامي وفرضوها فرضا على السير باتجاه الكنيسة الانجليكانية بكينيا،…

لقــد عبر الفيلسوف جـارودي بإرتياح عن أمر مهم وهو أن الله قد أعانه كثيرا حين هداه إلى إعتناق الإسلام قبل أن يعرف المسلميـن.!.

في موريتانيا والسعودية يورد العشرات بل والمئــات من الفقـهاء أحكاما تقشعر منها الأبدان، وهم يستقونها بالاجمال من مراجع الكتب الصفراء ..ويستعينون بأحاديث وتفسيرات زائفة لروح وحقيقة الإسلام ومن ذلك أن الولاية لا تجوز للأرقاء والموالي (حراطين) أحرى العبيــد، وأنه لا تجب على الجميع صلاة الجماعة، .. والعبــد لا يجوز له سوى العقد على زوجتيـن ..وعدة الزوجة أن تحيـض بحيضتـين لا بثـلاث ..إلخ.

* * *

يثير المستعرب اليوناني (ديمتري أفيــيــرنوس[1] ) التساؤل التالي مم يتحرر الإنسان؟ ضمـن مقالته المعنونة بــ(الإنعتـاق والاتحاد) ليخلص إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يحقق الطاقة الموجودة فيه ما لم يتحرر وينعتق.

إن الإنعتاق الثوري بالنسبة لمجتمع العبيد والعبيد السابقين، في موريتانيا وفي أي مكان من العالم الاسلامي يفرض متطلباته ومن العبث أن تظل السلاحف بجزيرتنا تحشر رؤسها داخل قواقعها الصغيرة، و أن تواصــل الإستكانة طويلا أمام العالم وكأنها مجبولة على أن لا تنتظم في الحركة.

بقلم : عبيد ولد إميجن

كاتب صحفي موريتاني مقيم بالولايات المتحدة

———-

[1]كاتب وباحث موسوعي ومترجم يوناني غزير الإنتاج عميق المعرفة متبحر في علوم البوذية والأديان والتصوف، مفكر وباحث وكاتب لاعنفي من تلاميذ المفكر والفيلسوف الإنساني السوري ندرة اليازجي. يوناني الجنسية مقيم في سورية. يعمل بصمت وهدوء ومحبة وتواضع. يتقن العربية والإنكليزية والفرنسية واليونانية والإسبانية. يدير موقع سماوات على الإنترنت.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى