طيلة الفترة التي كان فيها محمد ولد عبد العزيز ممسكا بزمام السلطة بالقوة كان يرفع شعارات براقة تلتذ منها الأسماع وتورق منها الأمنيات .. لقد كان يبشر بموريتانيا جديدة ينعم فيها الجميع بخير كثير ويتهم من سبقوه – وفي اتهامه حق- بأنهم أفسدوا البلاد وجوعوا العباد بألاعيب الفساد ..وأنه هو القادر على رد الأمور إلى نصابها.
..وأن ما يتبدى من ترد وانحطاط في الخدمات العامة ليس سوى مظهر من مظاهر الفساد.. وقد تكفل بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم ..ولم تزد الحملة الانتخابية تلك اللغة إلا تفاؤلا وإشراقا..وحقا لقد أسهمت تلك اللغة في المفاجأة التي حققها بالفوز في شوط الانتخابات الأول ..واستبشر أنصاره ومن أثقلوا عليه بلقب رئيس الفقراء ..وكان ما كان..
لست أدري كيف يجد نفسه الآن وكيف يرى الخطوات الأولى من مشواره الشرعي في الحكم فها هي نواكشوط ولأول مرة في تاريخها تغرق كلها في ظلام دامس ولفترات طويلة …..صحيح أن الفترات الماضية شهدت بعض الانقطاعات لكنها لم تصل لهذا المستوى ..أضف إلى ذلك أنه تزامن مع حمارة القيظ وشهر رمضان المبارك ..وكم هو مؤمل وشاق أن يكابد الصائمون حرارة النهار دون كهرباء ..ليجدوا أنفسهم فاقدين لنفس الخدمة ليلا مما يشل من قدراتهم على توفير ما يمكنهم من أداء نسكهم..إنه جو باهت ومخجل ..ولست أدري بم يدعو الصائمون وهم في غشاوة من حالهم وضنك عيش..ولكن لا بأس فهذه موريتانيا الجديدة ونحن تحت إمرة رئيس الفقراء.
ولله أولئك التجار والباعة الذين خسروا كثيرا من بضاعتهم المعلبة مما يعرضهم حتما لخسارة فادحة تنوء بها قواهم هذا إن لم يبيعوها للمواطنين لتكون الخسارة في الأرواح .إنه من العادة في دول تحترم مواطنيها وقوانينها أن تبلغ الجهات المعنية المواطنين بالانقطاعات الكهربائية وأسبابها وتحديد مواعيد ذلك بشكل دقيق حتى يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ..أما أن يترك الأمر للعشوائية وأن تغيب أهم خدمة أساسية في المدينة ببرودة أعصاب وكأنها منة من “الحاكم” إن شاء وزعها وإن شاء أمسكها وتصرف المالك في ملكه عدل لاجور ..فذلك ما لايقبله منطق سليم ولا عقل يحترم صاحبه مفهوم الوطن والمواطن… لقد كان من نقاط الضعف التي أخذها البعض على نظام ولد الشيخ عبد الله بعض الانقطاعات الكهربائة التي لم تبلغ ربع ما وصل إليه الآن . وحتى الإعلام الرسمي لم يتحدث عنها بالطريقة المناسبة وإنما يكرس جهده لسفرات الرئيس التي يجب أن يتذكر أنه كان ينقم كثرتها على الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ..ولكن لايهم فهذه موريتانيا الجديدة ..فنحن تحت راية رئيس الفقراء.
و مما زاد طين العاصمة الملوث بلة تلك المستنقعات والبرك المائية الآسنة التي لم تتخذ السلطات المختصة ما يلزم للقضاء عليها ..مما يعني تعريض صحة وسلامة المواطنين للخطر …فمنظر تلك البرك المتعفنة في مختلف شوارع العاصمة يدعو للحسرة والشفقة على موريتانيا الجديدة …ويدعو للخشية على من كتب عليهم أن يعايشوا تلك المستنقعات صباح مساء دون أدنى نصير أو ظهير ..ولكن لا عليهم فهذه موريتانيا الجديدة …وهم تحت راية رئيس الفقراء.
-وحتى تزداد المأساة وتتسع الدائرة لك أن ترنو ببصرك نحو شوارع العاصمة وما يتكدس فيها من أكوام الأسواخ فقد بلغ السل الزبى وتحولت أرصفة الشوارع والساحات العمومية إلى مزابل وجيف تقشعر منها الأبدان وتزكم منها الأنوف ..فكم من الأمراض والأوبئة تحملها تلك الصورة …فالشركة الأجنبية المكلفة بالنظافة توقفت عن العمل ولم تكلف الجهات الرسمية نفسها عناء البحث عن بديل ..ولكن لايهم هذه هي موريتانيا الجديدة …ونحن تحت راية رئيس الفقراء….ولا بأس بتحويل العاصمة إلى موريتانيا الأعماق.
أحمد أبو المعالي