فتاوى سياسية 1/3

من المؤكد أني لست فقيها سياسيا، وربما يكون هذا بالضبط هو ما جعلني أتجرأ على تقديم مثل هذه الفتاوى السياسية، فمن المعروف أن العلماء هم الذين يتهربون من الفتوى، أما أنصاف المتعلمين من أمثالي، فإنهم لا يجدون ـ في العادة ـ أي حرج في أن يفتوا في أي نازلة تواجههم، مهما كانت طبيعة تلك النازلة، ومهما كانت درجة تعقيدها.

ومن المعروف أيضا أن إحجام العلماء عن الفتوى يتناسب طرديا مع مستوى علمهم وورعهم، فكلما كان العالم أكثر علما وورعا، كلما جعله ذلك يخاف من الفتوى ويتهرب منها أكثر من غيره ممن هو أقل علما وورعاً.

لقد ابتعد فقهاء السياسة عن تصدر الفتوى السياسية، وتركوا الناس في حيرتهم، حتى اضطر أحد الحائرين من عامة الناس، أو هكذا وصف نفسه، بأن يوجه لي سؤالا لم يكن بالإمكان أن أجيب عليه، دون أن أجيب على أسئلة أخرى مرتبطة به. ومن هنا جاءت فكرة كتابة هذه السلسة من الفتاوى السياسية.

وستحاول هذه السلسة أن تقدم إجابات على أسئلة سياسية شائكة جدا، أعتقد بأنه قد آن الأوان لأن تقدم لها أجوبة. وهذا ما سأحاول أن أدفع إليه أهل الاختصاص، من خلال تقديم فتاوى قد تثير غضبهم، لسطحيتها ولعدم دقتها، وربما يستفزهم ذلك ويدفعهم إلى إفتاء الناس، أو المشاركة ـ على الأقل ـ في نقاش حول بعض “النوازل” السياسية المطروحة الآن، بعد أن ابتعدوا عن الحديث عنها بسبب “ورعهم”، حتى تصدر الفتوى السياسية من لا يفقه شيئا في السياسة، كما هو الحال بالنسبة لي. وهذا الاعتراف بجهل أمور السياسة، لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأني أريد أن أقول ضمنا، بأني أفهم في مجال آخر، من مجالات المعرفة الأخرى.

السؤال الأول : هل يجوز إسقاط نظام “محمد ولد عبد العزيز” من قبل أن يكمل مأموريته؟

جواب: سأجيب على هذه السؤال من خلال الرجوع إلى أدبيات “المدرسة العزيزية”، وإلى بعض فتاويها المثيرة، ولن أعتمد على أي مدرسة أخرى خلال كل إجابتي على هذا السؤال.

فمن المعروف أن “المدرسة العزيزية” تبيح إسقاط النظام من قبل أن يكمل مأموريته، لذلك فقد تم الانقلاب على “سيدي ولد الشيخ عبد الله” من قبل أن يكمل شهره السادس من عامه الثاني.

كما أن هذه المدرسة لا تعتبر بأن شفافية الانتخابات تكفي كحجة لإكمال المأمورية، ولا الحصول على نسبة 52% من أصوات الناخبين يكفي كذلك،.فكل ذلك لا يمنع ـ وفق هذه المدرسة ـ من إسقاط النظام، إذا ما غابت “شرعية الإنجاز”. لذلك فلا داعي لأن يحتج اليوم أنصار “المدرسة العزيزية”، على عدم شرعية تحركات المعارضة الهادفة لإسقاط الرئيس “عزيز” من قبل إكمال مأموريته، لأنه حصل على نسبة 52% فقد حصل سلفه على تلك النسبة حتى ولو كانت في الشوط الثاني، ولا أن تحتج بشفافية الانتخابات، فلم يحدث أن طعن أي سياسي في الانتخابات التي نجح فيها “سيدي ولد الشيخ عبد الله”، ولا أن تحتج باعتراف المعارضة بنجاح “عزيز”، فقد كان اعتراف المعارضة بنجاح ” سيدي ولد الشيخ عبد الله” أكثر وضوحا، وأكثر صراحة، ولم تتحدث المعارضة وقتها عن “الباء الطائرة”، والتي لم تهبط بعد.

إن “المدرسة العزيزية” كانت هي أول مدرسة تقول بأن تلك المبررات لا تكفي لوحدها لتحريم الخروج على ولي الأمر، ولا يمكن أن تحول دون إسقاطه، في ظل غياب “شرعية الإنجاز”. وكانت هذه الفتوى تعد اجتهادا من اجتهادات “المدرسة العزيزية” المعروفة باجتهاداتها المثيرة للجدل.

ولعل الفرق الوحيد بين “النازلتين” هو أن المعارضة تريد إسقاط النظام الحالي من خلال ثورة شعبية، أو هكذا تقول علنا، حتى وإن كانت تتمنى سرا أن يتولى بعض الضباط عملية الإسقاط، فيعفيها من دخان مسيلات الدموع، ومن الغرق في برك الماء المهدور فجرا (لا تخبروا أهلنا في “مكطع لحجار” بذلك) . أما “سيدي ولد الشيخ عبد الله” فقد تم إسقاطه من خلال انقلاب نظمه بعض الضباط الذين تمت إقالتهم.

وخلاصة القول هي أن مشهور “المدرسة العزيزية” يبيح إسقاط الرئيس من قبل إكمال مأموريته، وأن “شرعية الإنجاز” هي وحدها التي يمكن أن تحميه.

لذلك فيتحول السؤال إلى: هل ما أنجزه الرئيس “محمد ولد عبد العزيز” فيما مضى من مأموريته يكفي لإصدار فتوى تحرم إسقاطه أم لا ؟ ذلك سؤال سأجيب عليه ـ إن شاء الله ـ في الحلقة القادمة مع أسئلة أخرى من قبيل: كيف نقيس مستوى الإنجاز لدى الرئيس “عزيز”؟ وهل يمكننا أن نعتمد على نسبة 70% التي قال بها “قارئ بيانات الحالة في الداخل” ، أو نسبة 60% التي قال بها أحد نواب الأغلبية، أو نسبة 80% التي قال بها أحد قياديي الحزب الحاكم، وادعى بأنها تحققت في نصف مأمورية الرئيس”عزيز”، مما يعني بأن الرئيس”عزيز” قد يحقق في نهاية مأموريته مستوى انجاز يزيد على 140% ؟ أم أنه علينا أن نعتمد لقياس مستوى الانجاز في عهد الرئيس”عزيز” على الأرقام التي تقدمها المعارضة، والتي تقول بأنه لم ينجز إلا 0% من برنامجه الانتخابي؟ أو أنه علينا أن نبتدع مقياسا ثالثا أكثر دقة؟ وإذا ما ثبت أن مستوى الانجاز كان أقل من المستوى المطلوب فما هو الوقت المناسب في هذه الحالة لإصدار فتوى بضرورة إسقاط الرئيس؟ وفي حالة إصدار تلك الفتوى فهل يجوز وقتها أن نطلب من الشباب أن يشاركوا في جهود المعارضة الرامية لإسقاط الرئيس أم أنه من الجائز لهم أن يخذلوها كما خذلتهم يوم أعلنوا عن ثورتهم في شهر فبراير من العام 2011 ؟ وهل إسقاط “عزيز” يمكن أن يعد إسقاطا للنظام خصوصا وأن البديل سيكون من هذه المعارضة، والتي لا تمثل إلا الوجه الآخر للنظام الحاكم؟

تلك الأسئلة سنؤجل الإجابة عليها إلى حلقات قادمة، أما اليوم فإني سأجيب على سؤال، لا يقل أهمية عن تلك الأسئلة، ولا يمكن تأجيل الإجابة عليه إلى حلقة قادمة. ورغم أن هذا السؤال لم يطرحه عليَّ أي سائل، إلا أني كنت قد قرأته على شفاه الكثير من المعارضين. يقول السؤال: هل يجوز للمعارض أن يجمع بين تنديدين في وقت واحد : تنديد بجريمة حرق الكتب الفقهية، وتنديد بفشل النظام القائم؟ أم أن الخوف من أن يستغل النظام التنديد الأول للحد من حدة التنديد الثاني يبيح للمعارض السكوت على جريمة حرق الكتب وعدم التنديد بها؟ ألا يشكل تنديد المعارضة بجريمة حرق الكتب سقوطا في الفخ الذي نصبه النظام، والذي يريد من خلاله إشغال الناس عن المطالبة بإسقاطه بقضايا أخرى؟

الجواب: لقد اعتمدت في إجابتي على هذا السؤال على عمل أهل مدينة “مكطع لحجار”، ومن المعروف بأن أهل هذه المدينة يجوز تقليدهم في العمل السياسي.

لقد نظم أبناء هذه المدينة مسيرة قوية وفورية نددت بمحرقة الكتب، كما نظموا مسيرات واحتجاجات ضد العطش، والتي يمكن أن تحسب ـ أو تستغل ـ ضد النظام القائم.

إن على كل معارض سليم الفطرة، أن يجمع بين الحسنتين، حسنة التنديد بمحرقة الكتب، وحسنة التنديد بالنظام القائم، وعليه أن يخالف “كبار المفتين” في المعارضة الذين لم يوفقوا في التعامل مع هذه النازلة عندما كتبوا بيانات ضعيفة، وتأخروا في نشرها، كما تأخروا ـ من بعد ذلك ـ في الخروج في مسيرات منددة.

لقد أخطأ مفتي ديار بني معارض، في تعامله مع حرق الكتب، عندما حاول في البداية أن يتجاهل عملية الحرق، معتقدا بأن تجاهله للمحرقة قد يساعد في عدم انشغال الموريتانيين بها، وذلك حتى لا تطغى جريمة المحرقة على الهموم الأخرى التي يعاني منها الناس.

ولقد فات مفتي ديار بني معارض بأن عملية حرق الكتب، نظرا لطبيعتها الصادمة، لم يكن بالإمكان أن يُشغل الناس عنها بأي شيء آخر، خاصة وأن الذي أحرق الكتب أراد أن يُريَّ عملية الحرق لكل الناس، وقد قال ذلك صراحة، أثناء عملية الحرق. كما أن النظام الحاكم بذل جهودا ضخمة ليشاهد كل الموريتانيين عملية الحرق، ولكي يشاهدها أيضا الأشقاء، وخصص لذلك كل وسائل إعلامه الرسمي.

وإذا كانت المعارضة قد أخطأت في موقفها من هذه الحادثة، فإن “المدرسة العزيزية” يبدو أنها سترتكب هي أيضا أخطاءً لا تقل جسامة، لأنها تحاول الآن، أن تطيل أمد غضب المواطنين من المحرقة، وأن تستغل هذا الغضب أكثر مما يسمح، متجاهلة بأن غضب الموريتانيين هو حالة انفعالية نتيجة للصدمة التي أحدثتها في نفوسهم عملية حرق الكتب، وقد عبروا عن تلك الحالة الانفعالية خلال أسبوع كامل من الاحتجاج والتنديد والمسيرات، ولكن الشيء الذي قد يفوت النظام هو أن محاولة إطالة العمر الافتراضي لتلك الحالة الانفعالية قد يأتي بنتائج عكسية سيكتوي بنيرانها النظام من قبل غيره، وقد تتسبب تلك المحاولات التي يقوم بها النظام لإطالة “موجة الغضب الشعبي”، إلى أن ينقلب السحر على الساحر، تماما كما حدث ذات ظهيرة جمعة في ساحة من ساحات مقاطعة الرياض حيث انحرف مسار النيران، وأحرق من أشعلها بدلا من أن يحرق الكتب التي كان يريد إحراقها…

تصبحون على فتاوى جديدة……..

محمد الأمين ولد الفاضل

رئيس مركز ” الخطوة الأولى” للتنمية الذاتية

هاتف 46821727

elvadel@gmail.com

www.elvadel.blogspot.com

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى