تعيش بلادنا الحبيبة جوا غير مسبوق مشحونا بسلسلة من المفارقات الغريبة التي لا شك تجعلني كمواطن موريتاني أتساءل عن مايجري وما سر كل هذه التناقضات المعاشة اليوم ومن وراء من في مثل هذا الشحن السياسي , ولعل من أبرز هذه المفارقات مثلا أن يطلب زعماء أحزاب سياسية وزعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية ونواب منتخبون ديمقراطيا رحيل رئيس منتخب أيضا بذات الألية. فقواعد اللعبة الديمقراطية المعمول بها لا تتضمن عقدا أخلاقيا للرضى بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة بمعني أنه لا يشترط إشراك المعارضة في تسيير البلد حتي يستطيع رئيس جمهورية منتخب إكمال مأموريته فذالك خيار وقرار يعود لرئيس الجمهورية وله الحق ان يتخذه أولا يتخذه حسب ممكنات الديمقراطية نفسها..
فحسب علمي كان زعيم المعارضة الديمقراطية أول المنخرطين في هذا المسار منذ أن كان أعلي ولد محمد فال من وجهة نظره رمزا للفساد وللماضي السيئ الذي يفترض لزعيم المعارضة أن يكون كرس جل حياته لمواجهتة ,ثم واكب الزعيم هذ ا المسار في الفترة الاستثنائية يوم سمي الانقلاب تصحيحا وأعتبر أن موريتانيا بمجيئ الجنرال محمد ولد عبد العزيز قد وضعت أول خطواتها علي الطريق الصحيح وما تلي ذالك من مسيرات مساندة وتصريحات إيجابية إنتهت بموقف أخر انحاز فيه الزعيم إلي موقف ما يعرف بجبهة الدفاع عن الديمقراطية ولأسباب لا تفهمها العامة علي الأقل و إنخرط في الانتخابات الرئاسية وفق مقاربة داكار وأعترف برئيس الجمهورية السيد محمد ول عبد العزيز حتي قال العامة أخيرا عاد الزعيم إلي جادة الواقعية وأدرك في النهاية أن نطرية “الباء المتنقلة ” بين الخانات والتزوير غير المفهوم المدعى للانتخابات، هي أمور لم تدخل عقول الموريتانيين.
هذا بالنسبة للعامة أم الخواص من الذين يعرفون الرجل فكانوا يدركون أن الأمرلا يعدو كونه إحدى تجليات نمط من التفكير خاص بزعيم المعارضة مرده إما إلى معلومات يعرفها هو فقط لا يتبادلها مع أي كان ومهما يكن، وإما إلى تحليل أحادي أيضا خاص بالزعيم لايشاركه فيه أحد مهما يكن وفي كلتا الحالتين كان الخاصة ممن يعرفون الرجل , وعلى عكس ما يراه الرأي العام يدركون أن إعتراف زعيم المعارضة بالإنتخابات لا يعني ابدا نهاية مشكلته معها ولا يعني أنه سيتقيد بضوابط هذه اللعبة وهذا النمط من التفكير الأحادي المتسابق مع الزمن لا يمكن إخضاعه بأي حال إلي قواعد محددة وإلا كيف يقول زعيم وطني أن الرئيس أعلي ول محمد فال رمزا للفساد ثم يقول في المهرجان قبل الأخير إن إقناعنا للرئيس أعلي بالمجيئ إلي المهرجان دليل علي قدرة المنسقية علي إستقطاب شرفاء هذا البلد؟
كيف يقول الزعيم أن الإطاحة بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تصحيح لابد منه لمصلحة البلاد قام به ضباط شرفاء بررة من هذا البلد، ثم يقول في وقت لاحق أنه إنقلاب وإغتصاب للسلطة قام به ضابط وصفه بمختلف الأوصاف المسيئة ؟ثم كيف يعترف زعيم المعارضة الديمقراطية برئيس جمهورية منتخب ثم يطالبه بالرحيل فما معني هذا؟
وإذا كان الخاصة ممن يعرفون الرجل يجدون تفسيراتهم الخاصة لكل هذا السلوك المضطرب فإنه لا يدفع الرأي العام إلا إلي طرح سؤال عريض هو ماذا يريد زعيم المعارضة الديمقراطية بشكل محددا ؟ وبالمحصلة فإن زعيم المعارضة مطالب بأن يجيب الرأي العام الموريتاني علي هذا السؤال بشكل واضح لا لبس فيه ومحدد ونزيه ! “ماذا تريد تحديدا أيها الزعيم “.
أما المفارقة الثانية فتتعلق بجماعة الإخوان المسلمين تلك الجماعة التي كانت الأولي التي تخرج من صف المعارضة لتشارك في حكومة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله علي برنامجه هو وليس برنامج الإصلاحيين علي حسب ما قال وزيره الأول يحي ولد محمد الواقف ,وبعد الإطاحة بالرئيس سيدي محمد كان الإخوان أول من اعترف بالإنتخابات الرئاسية وبالسيد محمد ولد عبد العزيز كرئيس منتخب ,ثم أنتقلت الجماعة يومها إلي مرحلة المعارضة الناصحة ولا يخفي من التسمية كونها أكثر المعارضات لباقة وودية ثم انخرطت الجماعة في شبه توأمة مع الحزب الحاكم لوائح مشتركة وترتيب للوائح مشتركة في مناطق معينة , وبعد ذالك أنتقلت جماعة الإخوان إلي معارضة أكثر حدية من المعارضة الناصحة وهي نوع من محاولة لعب دور الوسط بين المعارضة الاخري والنظام وفجأة اندفعت الجماعة علي المطالبة برحيل الرئيس فما معني كل هذا ؟
قد يقول قائل إنه لا غرابة في كل هذه الإنتقالات لحزب كهذا في وسط سياسي كوسطنا ولكي لا ندخل في الجدليات فإني أري إنه ربما كان ذالك صحيحا ولكن وجه الغرابة في الأمر يتعلق بالرأي العام وبالأسئلة العالقة كما إذا كان حزب تواصل قد شرح للرأي العام كل الأسباب التي دفعته إي هذا الحجم من السرعة والإنفعالية في تغيير المواقف، وأقصد بحزب تواصل هنا الإطار السياسي الأوسع وليس تنظيم الإخوان المسلمين في موريتانيا فذالك ربما ليس ملزما لأن يشرح للرأي العام فهو تنظيم حركي قد يكون محكوما بآليات خارجية ؟ اما الحزب فعليه أن يوضح للرأي العام كيف يلعب دور المرشد والناصح للرئيس محمد ولد عبد العزيز وتنخرط في ذالك حتي قيادته الروحية ثم يصف الرئيس بأنه لا خير فيه وأنه مفسد وأن موريتانيا لن تكون بخير طالما كان هذا النظام يحكمها ؟
عليهم إذن ان يوضحوا للرأي العام ملابسات هذه المفارقة كما عليهم أن يفسروا للشعب ماهو الفرق الجوهري بين شخص رئيس الجمهورية لسنة 2010 و2012 ماذا أكتشفتم في فترة المعارضة الناصحة ولم تشرحو لنا ؟ ماذا حدث بالله عليكم؟ ضعونا في الصورة من فضلكم .ثم كيف كان تواصل أول حزب معارض يعترف بنتائج الإنتخابات وبرئيس الجمهورية المنتخب ويسايره وينصحه ثم يعود ويطالبه بالرحيل , وفق أي قواعد تطالبون برحيل الرئيس؟..
أنا لن أحاول هنا أن أجيب مكان أحد لكن إذا كان المبدأ هو أن الغاية تبرر كل وسيلة علي مايبدو وامور الدول تسير حسب الأهواء والأغراض الشخصية فإنه مطلوب من زعماء المعارضة في نشاطات قادمة ان يقدموا للرأي العام تقريرا يتضمن إيجابات واضحة ونزيهة علي كل تلك الأسئلة العالقة , ماذا يريدون تحديدا ثم كيف يريدونه ؟ بمعنى ماهي القواعد التي يريدون الاحتكام إليها من أجل إقناع الناس بضرورة رحيل الرئيس ثم برأيهم لمذا يريدون أن يرحل الرئيس؟ هل هو فقط أن لا تطال السن القانونية شخصا آخر يرغب في أن يكون رئيسا، أم أن هناك أسباب أخرى؟ وما هي ؟ ثم كيف تريدون أن يتم ترحيل الرئيس؟ هل تريدون إنقلابا عسكريا على الرئيس؟ وبأي حق تطالبون بذالك؟ وإذا لم يتشجع قادة المعارضة ليجيبوا على هذا السؤال تحديدا وأمام الرأي العام فهذا يعني أنهم سيظلون فقط ينادون بمبدأ مسح الطاولة، “طاولة الدمقراطية”ولكن عليهم أن لاينسوا أن مسح الطاولة قد يعني حل الأحزاب التي يتكلمون بإسمها والعودة إلى المربع الأول وهذا ممكن؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا لم يقدم زعماء لمعارضة إلى الرأي العام مسوغات واضحة ومقنعة ونزيهة حول ما يطالبون به من رحيل النظام فإن نشاطاتهم ستظل مجرد غوغاء لا تتخطي ولن تتخطي الدوائر الشخصية لكل منهم أما رئيس الجمهورية فإنه منتخب لفترة رئاسية معينة ولبرنامج محدد عليه مواصلة تطبيقه واضعا في الحسبان أوضاع المواطنين الصعبة بسبب الازمة العالمية والجفاف والظروف المحيطة..
وعلي رئيس الجمهورية كذالك القيام ببعض الخطوات الإجرائية وفي مقدمتها التعجيل بتنفيذ مقتضيات الحوار وتحديد تاريخ الإنتخابات البرلمانية والبلدية ليأخذ كل حجمه الحقيقي علي الخريطة الإنتخابية بما يضع حدا للمزايدات بإسم الشعب الموريتاني ووقتها لن يكون أمام بعض الأحزاب سوي المشاركة وأخذ حجمهم الطبيعي او المقاطعة والإنكشاف أمام الشعب الموريتاني علي أن أهدافهم غير ديمقراطية .