قصيدة: وجع السراب..!

لو أن بائع ظلـي سامني أدبا..
تخشـّـب الظل في عينيه والتهبا..

لو أنني وظلال القحط تعزف في
روع الجفون ولا جفنٌ قد انتحبا..

ولو تحلجت الأجفانُ من شيع
وشاخ فيها حداءُ الموت واحتربا..

سكبت ظلي على ظلي لأومض من
تلك المزامير نغم الشك وانسكبا..

لكنني وسبايا الدمع تجرفني،
أعللُ الصمت عن وجه قد اغتربا..

وعن نخيل، لهذي الأرض، عن لغة،
عن طلحها وزمان بالصدى شربا..

موله ٌ يا نخيل الله.. يا سعفا..
ويا ضفيرا لهذا الأفق قد وهبا..

أما رأيت عباءات الجحيم وقد
لثـمـنَ وجهك محموما ومضطربا..

أم لم ترَ الأفق سهما في لواحظه
يكابدُ الليل والبيداء والغضبا…

إن شاقك الدوح من خوف إلى وجع
السراب، فارفعْ له أوجاعنا قببا..

ألا تشيمُ إلى ريب الأهلة
تاريخا، تخط به الأزمان والحقبا..

ترمدتْ في وشاح من تجردها
إليك تلك الروابي، والزمان خبا..

صبرا، فإن مرايا الغيم قد كسفتْ،
ويا لشيء على شيء إذا انقلبا..

تاريخك الأرض وتر للرحيل فلا
تجهل روافد منها ولـّهوا السببا..

بنو هلال.. وما نسل الأهلة من
أوجاعها الدهرَ لو لم تحترقْ شهبا…

بلى، فكل رماد كان موقدها
وكل عال جـــعلناه لها حطبا

وكل أنشودة كانت تهدهدها
بلابل البوح حتى تستحي طربا..

تغريبة الشوق من تغريبتي.. وجعي
سرابه من سرابي يمتح السحبا…

ولا أرى في مرايا الدهر متسعا
لشاعر لا يرى مأساته ذهبا..
***
إن الفتى لا يزال اليوم مغتربا
من ألف عام يغني النهد والهدبا

من ألف عام و”نوق الشط” تسلبه
لم يشك أخفافها رملا ولا صخبا..

ولمْ يمار على أوتارها بدعا..
من أجلها عانق الأشواك والخشبا..

كل المرايا بقايا من تخشبه،
لو كانَ حزن الفتى فيها من الغربا..

***
يا بائع الظل أدركْ دونه وجعي
مع المدارات واسألٍْ حوله الكتبا..

كم تستبدّ قرون الحزن في رئتي
فيجعل الشعر من أشواكها عنبا..

ويحتفي الهمّ في واد بلا لغة،
فأرتديه نداء معشبا قشبا..

مدائن القحط والحزن التي اجترحوا
في الشاعر الآن تسبي الروح والعصبا..

لكنه اليوم يسمو عن خناجرها
في مقلتيه، وينسى أنه صلبا..

يا شاعرا كم تصفحت الهوى امرأة
إلى الحروف فباتت أحرفي جنبا..

عذرا إليك، فقدْ تاه المدى وجعا..
عذرا، إذا جفّ وجهُ الفجر واحتربا.

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى