“افتخار شودري”، لمن لا يعرفه هو رئيس المحكمة العليا في باكستان، أقاله الرئيس “برفيز مشرف” من منصبه لأنه رفض المصادقة على جملة من القرارات الجائرة من ضمنها ملف الفساد والمعتقلين عند أجهزة الأمن والذين يقبعون في السجون من دون محاكمة..
أثار القرار حينها ردود فعل غاضبة عُدَتْ أخطر تحد واجه الجنرال منذ وصوله إلى الحكم عبر انقلاب عسكري 1999..
قد يقول قائل، الفرق شاسع بين البلدين أو على الأقل مؤسستي القضاء، فالقضاة في باكستان اعتصموا دفاعا عن زميلهم، كما أن “مشرف” احترم إجراءات التقاضي وخضع للحكم، بينما القضاة في قصر العدل بنواكشوط كانوا يتفرجون اليوم على زميلهم يصلي بباحة القصر من وراء حجاب.
لكن العرفين بولد الغيلاني يؤكدون أنه ليس اقل إصرارا وعزيمة من “شودري” الذي أعاده قرار قضائي مدعوم باندلاع مظاهرات عارمة في باكستان تزعمتها المعارضة، ولاشك أن معارضتنا ستحمل ولد الغيلاني صاغرا على الأكتاف لتكتمل لديها مبررات الرحيل، بعد أن انتظم في صفوفها كافة ضحايا نظام يتخبط في سياساته كالديك المذبوح.
سياسات دفعت حلفاء سياسيين سابقين ورفاق سلاح، إلى التخندق في معسكر الرفض، المعزز بوهن مؤسسات مشكوك في شرعيتها، برلمان يشرع القوانين رغم انتهاء مأموريته.. حكومة لا تملك من أمرها شيئا ومكونة من دمى لا تجيد سوى التشكي بأنها عاجزة عن تأدية دورها لأن ولد عبد العزيز يتدخل في كل كبيرة وصغيرة.. وأخيرا سلطة قضائية أُثْخِنت، بإقالة رئيسها، وبقرار ربما استمده ولد عبد العزيز من قاموس “إرحل” دون التفكير في المبررات والعواقب.
وعلى ذكر “إرحل” كنت قد دأبت على انتقاد موقف المعارضة من دعوة ولد عبد العزيز إلى “الرحيل”، لقناعة كانت لدي راسخة بأن الرئيس انتخب لمأمورية محددة مدتها خمس سنوات، وبالتالي يجب اللجوء إلى أساليب دستورية أو قانونية لإزالته، كالمطالبة بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها، أو استفتاء شعبي يسمح له بإكمال مأموريته أو إنهائها، هذا إذا كان على استعداد للتوصل إلى حل يفضي إلى مخرج سلمي من المأزق السياسي، لكن من حقه أيضا أن يتمسك بإكمال تلك المأمورية.
جادلت دفاعا عن هذا الطرح الرئيس محمد جميل ولد منصور أثناء حفل عشاء خص به حزب تواصل بعض فرسان مهنة المتاعب، حيث استنكرت حينها لجوء المعارضة إلى أسلوب “إرحل” الذي لا يستقيم، لأنه قد يفضي إلى سنة غير حميدة، يتم من خلالها إزاحة الرؤساء بعيدا عن صناديق الاقتراع.
بالطبع الرئيس محمد حميل ولد منصور وهو المفوه في رده برر وشرح موقفه وموقف المعارضة، وكان وازنا في طرحه، لكنني لم أقتنع لأنني أرى أن آلية “إرحل” غير ديمقراطية ولا يجب اعتمادها للتبادل السلمي على السلطة، حيث لا فرق مطلقا بين “إرحل” تحت ضغط المظاهرات أوتحت فوهات البنادق وخوذات الجنود..
لا أزال حتى الآن على هذه القناعة، لكن مع من يجب أن ننشر ثقافة احترام دولة المؤسسات، بطبيعة الحال ليس الرئيس ولد عبد العزيز، قناعتي فقط مع المنصب وآلية الوصول إليه، ذلك لأن ولد عبد العزيز نفسه نادى باحترام نتائج صناديق الاقتراع وعدم القفز على القانون، لكنه مع الأسف وبنفس الأسلوب “إرحل” أقال رئيس المحكمة العليا، وأعطى انطباعا سيئا بأنه ليس مؤهلا لتقديم الدروس في هذا المجال.
يبقى السؤال هو هل سيدرك الموريتانيون خطورة وقوع القضاء رهينة للسلطة التنفيذية؟؛ وهل سيضغط المجتمع المدني محليا ودوليا لعودة ولد الغيلاني إلى منصبه؟؛ أم أن ولد عبد العزيز سيكون ديمقراطيا أكثر من جنرال سابق يدعى “مشرف”، أقال رئيس محكمته “افتقار شودري” ولم يقدم له رشوة بتعيينه سفيرا في سريلانكا، رغم أن ساكنتها من نفس الأصول، ثم عاد إلى رشده وقبل بإعادة الأمور إلى نصابها.. لا أعتقد أن التاريخ سيعيد نفسه في نواكشوط، لأن الفرق شاسع بين جنرال حصد نياشينه بخدمة مؤسسته العسكرية، وآخر حصل عليها فخريا لإجادته فن إحراق المراحل وصناعة الأعداء، حتى تكاثرت الظباء على خداش فما يدري خداش ما يصيد.