كيف تتأتى صداقة العرب

الاثنين, 21 سبتمبر 2009 11:07

من هم أصدقاء العرب؟ وكيف تتأتى صداقة العرب ؟ بادئ ذي بدء يجب أن نحدد ما لا يؤدي بالضرورة، إلى صداقة العرب، مع أنه لا ينفيها ضرورة، وهو صداقة قطر معين.
إن دولة تظهر التعاطف مع تونس أو السعودية ليست بالضرورة صديقة للعرب، لأن مثل هذه الصداقة الزائفة لقطر عربي معين قد يكون مآلها عداوة للعرب عندما يكون هدفها بتر ذلك القطر من عروبته أو السيطرة على خيراته.

صداقة العرب تتناقض مع تفتيتهم وإضعافهم ، سواء كان الأمر يعني الحصول على خيراتهم بشكل غير نزيه أو بالتعارض أو الاعتراض على أهدافهم الكبرى من أجل أن يكونوا قوة فاعلة ومستقلة قادرة على تحقيق طموحهم في الوحدة، وتضمن لهم الرقى إلى مستوى الأمم المتقدمة، وتطمئنهم على مستقبل أجيالهم القادمة، الشئ الذي لم ولن تحققه الكيانات الجزئية و الصغيرة. كل ما يضعف العرب ككيان واحد هو مناف ومناقض لصداقتهم.

إن للعرب في الماضي وكما في الحاضر أصدقاء : أشخاص، وشعوب ودول. فمن الأشخاص على سبيل المثال الوزير الأول السابق لشمال نيجيريا، السيد أحمدو بلو، الذي أوقف جميع أعماله في بلده، عام 1963 ليتوسط من أجل إيقاف الحرب البائسة بين المغرب والجزائر، والذي كان هدفها معرفة هل تيندوف جزائرية أم مغربية ! وهل عرفوا بالأحرى كيف أن ” وجدة ” مغربية وان ” تلمسان ” جزائرية ؟

ومن أصدقاء العرب، على سبيل المثال، أحمد سيكوتورى وكوام نكروما اللذين كانا إلى جانب العرب في قضاياهم المصيرية مدة حياتهما .

ونحن نعرف شعوبا صديقة للعرب، برهنت على ذلك بلا مراء، خاصة خلال الخمسة عشر سنة الماضية، عندما وقفت وقفتها التاريخية ضد العدوان على العرب وظلمهم. كان من أبرز أولئك الذين تظاهروا بالملايين عام 1990 ، وعام 2003 ، الألمان، والأسبان، والفرنسيين، والإيطاليين، والانكليز. وهناك دول عرفت في التاريخ المعاصر بصداقتها للعرب، من أبرزها: الصين، وروسيا، والهند التي وقفت بحزم وثبات خلال عشرات السنين مع الحقوق العربية والقضايا المصيرية للعرب، في جميع المراحل الصعبة .

وبالعكس، على الضفة الأخرى، عرفنا ونعرف دائما أمريكا وبريطانيا العظمى، ونتيجة لهذه ” العظمة ” لا يكفي ذكر بريطانيا مرة واحدة ، بل عليها أن تذكر مرات وتذكّر دائما. أدعت بريطانيا العظمى في بداية القرن العشرين صداقة العرب وتعهدت لهم بما لم يخطر لها على بال الوفاء به، حيث وعدت الشريف الحسين، شريف مكة، قائد الثورة العربية الكبرى، وأعظم العرب شأنا في زمانه قائلة: إذا كافحتم معنا ضد الأتراك العثمانيين فإننا سنساعدكم في التخلص من استعمارهم، وسنعمل كل ما في وسعنا من أجل تكوين دولتكم العربية الموحدة : ” مملكة العرب “. فعمل العرب بكل صدق وتفان بقيادة الشريف الحسين على تحقيق التزامهم. ولكن عندما انتصر الحلفاء عام 1918 نكثت بريطانيا بتعهدها، وبدلا من الدولة الموحدة المستقلة فعلت كل ما في وسعها من أجل تقسيم الوطن العربي إلى مستعمرات صغيرة خاضعة لبريطانيا وحليفتها فرنسا.

إلا أن لفرنسا سجلا مطمورا، غير ذاك السلبي المعروف لدينا في شمال إفريقيا. بالرغم من أن فرنسا لم تشتهر قبل الجنرال ديكول بصداقة العرب. غير أن لفرنسا دورا مشرفا في مرحلة سابقة يجب أن لا يغيب عن أذهاننا، بعد أن طويت مرحلة الاستعمار ومخلفاته السلبية، النفسية منها والسياسية، وبعد ما يزيد على 38 سنة من الجهود المضنية من أجل أن تسترجع أو تبني صداقة مع العرب أو تحصل على ثقتهم. إن الدور والجهد الذي قام ويقوم به الفرنسي الأول، جاك شيراك، وكوكبة من الشخصيات الفرنسية المرموقة وضعت فرنسا في مقدمة أصدقاء العرب.

هذه الوضعية تحملنا على القيام ببعض” الحفريات ” لكي نكتشف سوابق فرنسية قد تكون هي الخلفية لهذا التوجه، وإن لم تكن تحتوي على التفسيرات والتبريرات كلها، فإنها على الأقل تعطي للحالة الآنية المحمودة مدى وجذورا تنزع عنها صفة العجب و الريبة ، التي لا تخطر ببال أحد عندما نتكلم عن الصداقة الإسبانية مثلا .

خلال الليل الدامس للاستعمار التركي المتخلف على العرب كان أول كتاب يرفع لواء القومية العربية هو كتاب:” يقظة الأمة العربية” الصادر باللغة الفرنسية في فرنسا سنة 1905 لمؤلفه نجيب عازوري، الذي أسس مع شخصية فرنسية كبيرة هو أوجين يونغ ” رابطة الوطن العربي ” وأصدر بالفرنسية أيضا مجلة ” الاستقلال العربي ” ( 1907- 1908- ) . وليس من قبيل المصادفة أخيرا أن يكون أول مؤتمر قومي عربي ــــــ مؤتمر 1913 ــــــ قد انعقد في باريس.

فصداقة العرب الصحيحة هي تلك التي برهن عليها أوجين يونغ، صداقة شاملة لا تجزئ، مثل مصلحتهم التي لا تتجزأ، هكذا تتأتى صداقة العرب.

المصدر : الشوف

زر الذهاب إلى الأعلى