حزب تواصل.. عسى الله أن يتوب عليهم

تتوالى الأحداث متسارعة منذ بعض الوقت على هذه الأرض الطيبة، تسارع لا شك أثر سلبا وإيجابا على الثوابت والضوابط لنسق وانسجام تلك الحركة (فضاء المسار)، بل وأثرت تلك الأحداث بنفس القوة على نطاق الحركة ذاته، مبرزة معالم جديدة للمسار، بعد أن طمست رقصة الحب هذه ” المعالم في الطريق” و”قوارب النجاة”.

في اليوم الأول بعد إعلان فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التقيت بأحد مناضلي حزب تواصل من فرع تيارت – نواكشوط، المناضل الذي عرفته أيام الجمعية الثقافية الإسلامية، نادي مصعب ابن عمير رضي الله عنه، مركز عائشة رضي الله عنها، والذي يعتبر بحق في ثلة الأولين، ومن قلة الآخرين، كنا معا في دعم وترويج دعاية لائحة الشورى لبلدية نواكشوط، لا أزال أحفظ أشعارها وشعاراتها التي غدت بعد نكرانا، المناضل الذي لم يثنه بعد ذلك ابتلاء 1994 . سألته عن العملية الانتخابية فأكد على شفافيتها ونزاهتها، و”أن النتائج وللأسف الشديد تمثل خيار الشعب بكل واقعية دون تزوير”.

عذرت أخي التواصلي وشكرت له تواصله معي (الآخر عندما يكون جديا تختلط عليه الإهانة بالمجاملة)، ذكرته بضرورة احترام نتائج اللعبة التي قبل بشروطها، بحثنا لبعض الوقت “الكمالات” و”الضرورات”، “الموبقات” و”المهلكات”، ليس عند الغزالي، وإنما في التعاطي السياسي ضمن فضاء المسار ونطاق اللعبة، فلا نريد للأخطاء الفادحة لحزب الأمة أن تتكرر، خصوصا وأننا أودعنا حزب تواصل مشاعرنا، عواطفنا، ووجداننا، ضرب مثل فاستمعوا له (النحل صغير لكنه يحمل أضعاف وزنه ويطير بها).

في الفترة الأخيرة ذهلت وأنا أرى مقدار نزق حزب تواصل مما دفعني لطرح بعض الأسئلة ذات الطابع العام والتي أرجو التوفيق في الجواب عليها حتى لا يكون عدم الشعور هو الطريقة الوحيدة للنجاة، إذ لا يمكنني التفكير في شيء أفضل من أن يحبك أحدهم، “لا شيء أعمق في أغوار نفسي من القول حان وقت موتي وحياتكم”، فضعوا قفير نحل على قبري واتركوا العسل يسيل منه.

  • فضاء المسار

معروف في ثقافتنا أنه وبال كبير على الأمة انحراف علمائها وويل وثبور، لذلك ضبطت الأمة مسارها بحدود واضحة مبينة، قدمت درء المفاسد على جلب المصالح، وألزمت الفرد بمعرفة حكم الفعل قبل الوقوع فيه، ونبذت الخلاف وحرمت الفتنة والشقاق، ونظمت المعاملات، وعقدت العبادات، وفرضت إبرام النية لكل ذلك، وشرعت الوسائل إذا ضمنت النتائج، وغير ذلك مما علم من الدين ضرورة، كابتغاء وجه الله في القول والعمل والمنشط والمكره، وان لا يعبد إلا بما شرع، وإنما لكل امرئ ما نوى. هل يراعي حزبكم هذه التحديدات؟ حزبكم ذو المرجعية الإسلامية بإقراركم. أم أن الغاية تبرر الوسيلة؟

من ناحية أخرى كيف يمكن التحول من القواعد المنطقية للممارسة الديمقراطية التي خولتكم الانتظام في حزب من بعد أن نزغ الشيطان بينكم، من بعد أن كنتم حركة فأصبحتم فاعلا معترف به، له ما لهم وعليه مثل الذي عليهم، أين عقولكم؟ أم أنكم تعتقدون أنه لا غالب لكم اليوم؟

  • نطاق الحركة

بما أن الحزب ذو مرجعية إسلامية، قائم على أنقاض الحركة الإسلامية في موريتانيا، ويستغل الخطاب الديني لتوسيع قاعدته، فلا يقبل منه بحال من الأحوال التناقض أو التعارض مع الضرورات من حفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض، ليس فقط لمنتسبيه وإنما لكل أمته، هو كذلك مطالب بتمثل الأخلاق والآداب الربانية من طرف عناصره والمحسوبين عليه، أم أن تلك المبادئ العظيمة التي حولت الأمة من رعاة الغنم إلى رعاة الأمم قد ولى زمنها وانتهى؟ ولا بأس بالتحالف المؤقت مع الشيطان؟ وأن آخر هذه الأمة يمكن أن يصلح بما لم يصلح بها أولها؟

  • الحركة الإسلامية

حسب معرفتي البسيطة جدا والقديمة بعناصر الحركة الإسلامية في موريتانيا والتي تشكل اليوم العيار الثقيل في حزب تواصل، أنهم أناس يتطهرون، تألموا كثيرا لحال الإسلام والمسلمين في بلدهم، لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، كل هدفهم وقاية أنفسهم وأهليهم (نارا وقودها الناس والحجارة …)، يسألون العلماء ويقتدون بالمتبعين لسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ويتمثلون أركان البيعة التي نادى بها الإمام المرشد حسن البنا من صدق وإخلاص وإيثار وطاعة الله عز وجل، مرجعهم العلامة بداه ولد البوصيري رحمه الله، وكل علماء البلد، حجتهم العلامة الخطيب محمد ولد سيد يحي حفظه الله ونفعنا بعلمه وببركته، صحيح أنهم في وقتها كانوا يقرأون الكثير من كتب الإخوان المسلمين في مصر، والوهابية في السعودية وغيرها، وأنهم تأثروا كثيرا بالوضع في فلسطين وأفغانستان، وأنهم روجوا للإعداد في معسكرات العرب في أفغانستان، نصرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تلك الأرض الإسلامية المغتصبة والواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي والسوفيتي، ولم يرفعوا مطلقا شعار الجهاد ضد المسلمين ولا حتى الكفار في أماكن أخرى.

هذه الحركة التي تداعت بالسهر والحمى لحال المسلمين في تونس والجزائر وليبيا والسودان وغيرها، فرحت بنصر المؤمنين، لم ترغب بأنفسها عنهم، تألمت، صلت، بكت لأتراحهم وآلامهم…

كان معظم المنتظمين في الحركة من الطلاب والأساتذة، وكانت تختار عناصرها من المساجد، وكان هدفها الرئيس بناء الشخص المسلم فكريا وثقافيا ودينيا وتحصينه ضد الفكر الشيوعي والقومي المنتشر والمعبئ له في الساحة الوطنية، وبشرت بصحوة دينية كانت موريتانيا في أمس الحاجة لها في ذلك الوقت، فآتت أكلها بإذن الله وكثرت المساجد وعمرت، وساعدت الظروف البسيطة للشعب آنذاك في الاستجابة للدعوة، فلم يكن الزمن بهذه السرعة وقتها، ولم يكن المجتمع بهذه المادية التي نعيشها اليوم، وكانت الناس على الرغم من شظف عيشها مستورة،

قامت الحركة بالعديد من المناظرات مع التيارات الأخرى، والمحاضرات والليالي التربوية، والمعسكرات، وغيرها، وتجدر الإشارة بأنه على الرغم من تواجد بعض النساء إلا أن الحركة كانت رجالية بامتياز ولم يكن للحكمة الأنثوية شأن كبير.

  • حزب تواصل

لا شك أن بعض عناصر هذه الحركة الإسلامية هم النواة التي تأسس عليها حزب تواصل، بينما ذهب البعض الآخر إلى أحزاب أخرى ولعل أهمهم اليوم عناصر نشطة في أحزاب الموالاة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، بينما اعتزل البعض السياسة وفاز بالدراسة، طبعا مع عدم نسيان الذين قضوا منهم تغمدهم الله برحمته مع (الذين أنعم الله عليهم…)، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

من البديهي أيضا أن أي حزب يهتم بالكثرة أكثر من اهتمامه بالنوعية فهو يسعى لاستقطاب أصوات الناخبين كيفما اتفق، ومن ناحية أخرى يسعى للفوز مما يفرض عليه بعض المرشحين في بعض الدوائر كيفما اتفق أيضا، وهذه النقطة توضح بجلاء البون الشاسع بين الحركة والحزب، وبمعنى آخر ربما يكون أكثر وضوحا هو تناقض مع المبدأ الأصلي للتيار الإسلامي، إذ لا يحق لغير المؤمنين الحقيقيين تبوؤ المراكز القيادية للحزب ولا تمثيله في البرلمان وعليه فإنه لا يمكن للحزب تحقيق الحزبية المتساوية لجميع منتسبيه، بل إنه قد يلجأ ضمن التحالفات التي تفرضها الظروف السياسية إلى التخلي كليا أو جزئيا عن مبررات وجوده.

لحظة: فقد نسيت أن حزب تواصل لا يهتم كثيرا بتلك المبادئ الديمقراطية فكيف يطالب برحيل من اختاره الناخبون ضاربا عرض الحائط بالطرق التي يخوله القانون والقواعد التشريعية اتخاذها لأجل ذلك، بل يتجاوز ذلك بالتلويح إلى استخدام كل ما قد يساعده في بلوغ تلك الغاية. في الحقيقة لست أدري بأي كتاب أم بأية سنة يرون ضرورة الخروج على الرئيس محمد ولد عبد العزيز، إلا إذا كانوا يتبنون قوانين أرخبيل “كولا كابوس”.

  • الرئيس مسعود ولد بلخير

أظهر الرئيس مسعود ولد بلخير في ظهوره التلفزيوني الأخير قدرا كبيرا من المسؤولية العالية هو خليق به، بحكم تجربته العميقة والطويلة، رمقته وهو يتحدث فرأيت ذلك الرجل القوي، لا يحمل ضغينة ولا يجد في نفسه حرجا، ليس لأحد عنده من نعمة تجزى على حساب مبادئه، يغلب عقله على عاطفته، مصلحة أمته على عترته، لمست بعد نظره، وحصافة عقله، وفصاحة لسانه، ووضوح رؤيته، وقوة عزيمته،

رأيت فيه المثل والقدوة لكل سياسي صاحب مبدأ، رأيت فيه الإسلامي الكيس الذي يجيد فن الممكن ولا يطلب المستحيل، يعرف أن بعد الخير شرا، وأن بعد الشر خيرا، وعسى وعسى،

ذكرني بحديثه الذي لا يمل، حديث الثلة الأولى، خصوصا عندما توجه بالحديث مخاطبا رفاق دربه، مبرزا بكل تلقائية وموضوعية أوجه الاختلاف بين نهجه وسبلهم، خرجت عبارته من قلبه فدغدغت وجدان الناس، ومن كثرة ما كان كلامه صادقا، وصل قلوب الناس، ولسان حاله يقول “الكاف” التالي في وصف الحال بينه وبين المعارضة:

غَالَبْنِ يَالْبَــــــــالْ تَخْوَ ==== منْ لَيْعَاتَكْ ذوكْ

قَدعْ وَازْركْ فيكْ رخوَ ==== ذَ كَاملْ مَدْروكْ

ومعنى “الكاف”: أنه مهما يكن قدر اللوعة وحرقتها المتجددة في كل لحظة، فعلى المرء أن يتحلى بالحكمة، لأن كل شيء يمكن تداركه.

هل يستطيع حزب تواصل مطاوعة هذا “الكاف”؟

على كل حال لا نريد لكم الرحيل، لا نتمنى لكم مطلقا التعرض للهب الحارق ولا للبرد القارس.

Batta122000@yahoo.fr

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى