أغلبية الرئيس والسقوط الحر

على الرغم مما يلف حادثة الرئيس الموريتاني من غموض ،وصمت مطبق من قبل الحكومة تسببت في تسرب الشائعات وتشكيل القصص حولها،فيما عجزت الدولة عن تقديم رواية مقنعة للحادث.

إلا أن الحادثة كشفت عن نضج كبير للطبقة السياسية المعارضة ،في الوقت الذي سقطت فيه المولاة سقوطا حرا ومباشرا في قاع الغدر والأنانية.

إذا اشتبكت دموع في خدود… تبين من بكى ومن تباكى

فالمعارضة التي سعى الإعلام الرسمي جاهدا إلى تشويهها ،وإظهارها على أنها مجموعة من المفسدين والخارجين على القانون،والساعين للسلطة،كشفت عن معدن أصيل،و إنسانية نادرة تتعالى على الخلاف السياسي وتؤكد على المعاني الإنسانية السمحة.
فيما ظلت المولاة تهوي بصمتها إلى درك الهاوية وعجزت عن الوقوف مع رئيسها في هذه الظروف العصيبة ،فكان موقفها من أكثر المواقف غرابة ،ولا ضير فمن مأمنه يؤتى الحذر.
المولاة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها نفاقا ل”رئيس الفقراء”، لم تتجشم عناء إصدار بيان يدين الحادثة،إلا بعد أن تأكدت من سلامة ولد عبد العزيز ،وظهر هو نفسه على التلفاز،حينها توالت البيانات مهنئة ،ومباركة ومنددة!!

موقف مشرف

كان المعارضون وحدهم فراس الميدان بدون منازع،فتعاطفوا –دون تردد- مع الرئيس،الذي كانوا بالأمس القريب يطالبونه بالرحيل،وعبروا بشكل لا يقبل الشك عن تمنياتهم لشفاء ولد عبد العزيز.
بل تجاوزوا
ذلك وقرروا توقيف أنشطتهم،وقرر حزب التكتل إلغاء مؤتمر صحفي كان مقررا تنظيمه في اليوم الموالي،كما قرر حزب تواصل إلغاء مهرجان كان ينوي إقامته.

موقف مشرف يحسب للمعارضة ويؤكد أن الاختلاف السياسي مهما بلغ لا يمكن أن يقضي على القيم الإسلامية العليا،والمعاني الإنسانية الجميلة.

سقوط الأغلبية

لم تعبئ المولاة بالحادثة كثيرا،فبعد ساعتين فقط من مغادرة الرئيس إلى فرنسا للعلاج، طالب الحزب الحاكم في مؤتمر صحفي بتنظيم انتخابات سريعة في موريتانيا، وتجاهل الحزب وهو الذراع السياسي لولد عبد العزيز أي تعليق على الحادثة.

وفي الوقت الذي كان فيه الموريتانيون ينتظرون أخبارا عن رئيسهم،ويسألون بتلهف عن مستقبل البلاد،كان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية يزاول أعماله وكأن شيئا لم يقع،فولد عبد العزيز بالنسبة لهم ليس إلا حلقة من سلسلة رؤساء ينتهي حب أحدهم،وتحتقر انجازاته –إن وجدت- وتسفه أفكاره يوم يغادر الحكم طوعا أو كرها!!

لقد أبانت الأغلبية الرئاسية عن خبث متأصل في سياستها،وأظهرت سوء نياتها وزيف تأييدها،فلا هي تقييم وزنا للوفاء والعهود التي قطعتها على نفسها بتأييد ولد عبد العزيز،ولا هي استجابت لنداء الضمير الحر،أحرى عن الوطنية وتقديم المصلحة العليا للوطن فتلك مفاهيم غدت من غرائب الألفاظ في قاموس أشرب أهله النفاق ،وركنوا إلى أهل الكذب والفساد.

لقد كان موقف الأغلبية الداعمة للرئيس ضربة في صميم مصداقيتها، أثبتت أن العلاقة بينهم والنظام هي علاقة مادية بحته،ينفق النظام من مال الشعب عليهم،وينفقون هم من ثقة الشعب على سياسيته الفاشلة،حتى إذا ما جف نهر العطاء و عز الدعم،ولوا له ظهر المِجن ،وباعوه بأبخس الأثمان.

وكأني بالأغلبية قد اتخذت –وقت الحادثة- موقفها،وكتبت بيانيها،الأول يبارك الاغتيال ويدعم “الانتقال السلمي” للسلطة،ويؤكد على ضرورة التخلص من “المفسد”،والثاني يدين محاولة الاغتيال ،كما فعل أحد المصفقين إبان انقلاب 2003.

لقد أسقطت هذه الحادثة خطاب الأغلبية بعد سقوطهم من أعين شرفاء الوطن،وكشفت إفلاس خطابها ،وأسقطت مساحيق التجميل التي خدعت بها البعض ردحا من الزمن.
السقوط الحر والمباشر للأغلبية سيخرجها حتما من الدائرة السياسية،ويقضي على ما تبقى من آمال كانت معلقة على “نخبة التصفيق”

نسأل الله تعالى الشفاء العاجل لولد عبد العزيز،وأن يعود إلى أهله سالما معافى..

محمد الهادي ولد حمادي

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى