يقول المثل الصيني “ليست لدينا فرصة ثانية لإعطاء انطباع أول”.
لم ينجح وزير الإعلام الموريتاني في إقناع الرأي العام بالنسخة الأولى من الرواية الرسمية لحادث إطلاق النار على الرئيس الموريتاني في اليوم الأول، وقد تضررت تلك الرواية كثيرا من التشكيك الواضح للمعلق الصحفي لإذاعة فرنسا الدولية، بقوله “نذكر أن الرئيس مصاب في البطن”، وذلك مباشرة بعد كلام الوزير عن الإصابة في الذراع.
كادت الرواية الرسمية أن تموت في المهد لولا ظهور الرئيس في سرير المستشفى وتصريحه الذي قدم فيه معلومات جديدة حول الحادث أعادت للرواية الرسمية شيئا من الاعتبار.
لكن الانطباع الأول بأن الحكومة تخفي شيئا من الحقيقة عن الناس كعادتها في مثل هذه الأمور، بقي مسيطرا ومهيمنا في النفوس.
المشككون في الرواية الرسمية قالوا الكثير، حللوا، وفككوا، واستنتجوا، وتوصلوا بالمنطق البحت إلى نفي الرواية الرسمية جملة وتفصيلا.
قالوا إن رفيق الرئيس وابن عمه أحمد كان في المذرذرة، أو تكند أو الشارات لاندري، ونسبوا إلى مصادر طبية استحالة وصول الرئيس إلى المستشفى العسكري حيا وهو ينزف على مسافة 50 كلم.
قالوا أيضا إن الرصاصة في البطن رصاصة مسدس، وإنها أطلقت عن قرب، ومن المشككين المتحمسين من يأتي بمعلومات منقولة عن أحد أقارب الرئيس، أو أحد رجال الأمن : قالت لي فلانة بنت فلان زوجها ملازم في الجيش أو أمه تسكن قرب منزل صديق الرئيس إن …
سمعنا كثيرا من الروايات غير الرسمية ، وقليلون هم الذين تجرأوا على كتابتها في الصحافة، وذلك لأحد أمرين، فإما لفرط سخافتها، وإما خشية من غضب الحكومة لما أظهرته من شديد انزعاج من أي تشكيك في روايتها الرسمية التي فرضت نفسها شيئا فشيئا.
وصل الرئيس إلى المستشفى العسكري بمقاطعة لكصر وهو جريح، وأجريت له عملية جراحية ثم غادر إلى فرنسا للعلاج، والقضية تتلخص الآن في مسألة واحدة هي صحة الرئيس.
كنا نفضل أن يتعالج الرئيس في موريتانيا حتى لا يطلع الأمن الفرنسي على تفاصيل ملفه الصحي، لكننا لا ندري ما الذي حملهم على الذهاب به إلى فرنسا، هل كان قرارا طبيا، أم سياسيا، أم شخصيا، لا ندري، لكنه ليس قرارا سياديا. الرواية الرسمية لم تتطرق للموضوع.
شعرت الحكومة بالحرج من كثرة المشككين في الرواية الرسمية فألقت باللائمة على الجيش الذي بادر بمساعدتها بإخراج برنامج تلفزيوني أظهر أوجها من الممارسات داخل المؤسسة العسكرية تجهلها العامة لكنه لم يزد المقتنعين بالرواية الرسمية – وأنا منهم – إلا اقتناعا، ولم يزد المشككين فيها إلا شكا جديدا.
قد أفاجئكم إن قلت إن الرصاصة التي أطلقت على الرئيس عن طريق الخطأ هي أول رصاصة في تاريخ البلاد تؤسس لدولة القانون.
لن يتذمر أحد بعدها من الامتثال لأوامر الجيش والأمن بالتوقف أو بالمرور، لأن الرئيس أطلقت عليه النار لعدم امتثاله للأوامر، هذا هو الذي سوف يبقى في ذهن المواطن العادي. المواطن البسيط لا يهتم كثيرا لجانب الرواية الرسمية المنحاز للرئيس ضد الضابط الشاب الذي أطلق النار، والذي يركز على القميص واللحية واللثام والسيارة المدنية ذات الترقيم الأجنبي لتبرير عدم امتثال الرئيس لأمر التوقف.
وهنا يمكن تعديل الرواية الرسمة بما يخدم التأسيس لدولة القانون بحيث تكون الرواية هكذا : رئيس الجمهورية تعرض لإطلاق نار عن طريق الخطأ من قبل دورية عسكرية لم ينتبه الرئيس لطلقاتها التحذيرية.
مهما يكن من أمر فإن المشككين في الرواية الرسمية ليسوا أفضل حالا من الذين يسقوننا “الولاء” – للرواية الرسمية – “بالملاعق الكبيرة”.
جميعمهم لا يخاطبون العقل إنما يخاطبون العاطفة.