إلى الإخوة الكرام في حزب تواصل

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) (واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) ( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).

أما بعد:

فإلى الإخوة الكرام في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أرى من الواجب أن أتقدم إليكم بهذه النصيحة وأنتم على أبواب مؤتمر جديد أسأل الله تعالى أن يكون خطوة متقدمة على طريق الجهاد المبارك ، لتكون كلمة الله هي العليا ، فالمؤتمرات مناسبة مهمة للمراجعة ،وشكر الله على الإيجابيات وتعزيزها ، والتوبة إلى الله من الأخطاء والتراجع عنها، وهي فرصة لاستقبال آراء الناصحين والموجهين ، والاستفادة من آراء المؤتمرين والمراقبين والمنافسين ، وهي فرصة ثمينة لإلقاء نظرة على المسيرة وتقويمها بعد مرور سنوات على البداية ، كما يفعل البنَّاء بعد أن يقطع شوطا في البِناء فيلقي نظرة شاملة ويستخدم أدوات التقويم المتاحة لديه.

أيها الإخوة الكرام،

إن كثيرا من الناس ينتسبون إليكم ويناصرونكم بناء على أنكم الحزب الإسلامي الذي يعمل لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى، والذي ينطلق من أنه لا حكم إلا لله وأن السيادة للشرع و أن الحكم بما أنزل الله فرض (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وأن الإسلام هو الحل.

الحزب الذي يجعل في أول برنامجه نصرة دين الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبيقا لقول الله عز وجل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

الحزب الذي يعلَم أن الإمامة خلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا به، فلا بد أن يكون هذا الحزب إسلاميا في أهدافه ووسائله وبرامجه ومفردات خطابه وفي سلوك المنضوين تحت لوائه وفي أساليب إدارته، وفي طرق اختيار الشاغلين لمختلف المواقع فيه.

إن هذا هو ما يجذب إليكم كثيرا من الناس لا نضالكم في سبيل حرية الرأي، وحرية التعبير، وحرية الفكر (بتقديم الفاء على الكاف) ولا يجذبه إليكم إيمانكم بالديموقراطية والتعددية وصناديق الاقتراع، والدولة المدنية أو القروية، والتناوب السلمي على السلطة، وعدم الإقصاء، وعدم الاستحواذ.

كما لا يجذب كثيرا من الناس إليكم مجرد وجود أشخاص معروفين بالانتماء إلى الحركة الإسلامية في موريتانيا فقد يكون في الأحزاب الأخرى من هو أسبق سابقة وأشهر عند الناس انتماء.

إنما الذي يجذب إليكم كثيرا من الناس هو ما يؤملون فيكم من خدمة هذا الدين وترسيخ أخلاقه في المجتمع والدولة والعمل لتكون كلمة الله هي العليا والسعي الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية، وحشد الجمهور لهذا الهدف، وهو أمر يتطلب – مع إعداد العدة المكافئة – مجاهرة بالإيمان وخلعا للأقنعة.

قد يكون المؤسسون للحزب أيام البحث عن الترخيص كتموا إيمانهم خوفا من الحرمان من الترخيص، وكتموا إيمانهم بعد الحصول على الترخيص خوفا من أن يصنفهم السفراء الغربيون وأولياؤهم إسلاميين متشددين.

وقد غفل الإخوة الكرام عن أن الغربيين لا يعتمدون في تصنيفاتهم للأحزاب والمنظمات على الأقوال والأوراق، وإنما لهم معاييرهم الخاصة التي من الصعب استيعابها إلا على ضوء (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى).

وقد يكون بعض الناس لا زالوا (يحسبون الأحزاب لم يذهبوا) وقد ذهب الأحزاب في ليلة شاتية وخلت أرجاء المدينة منهم (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الآن نغزوهم ولا يغزوننا”.

لقد آن الأوان لكي يخلع حزب تواصل قناع التقية ويبرز وجهه الإسلامي الناصع ويمكن أن يتجلى ذلك الإبراز فيما يلي:

1. الاعتزاز بالإسلام والمجاهرة بالانتماء إليه ورفع شعار: الإسلام هو الحل، والإعلان عن السعي الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية، والاقتناع بتفوق الحل الإسلامي والإقناع به.

2. إحلال المفردات الإسلامية المحمّلة بالمعاني الإسلامية محل المفردات الأخرى الملوثة بمعان أخرى، فتحل ألفاظ الإيمان، والاستقامة، والاستعفاف، والصدق، والعدل، والشورى، والأمانة، والأخوة، وحكم الله، وكلمة الله، والخلافة الراشدة، محل غيرها من المفردات اللقيطة.

3. أن تكون رعاية الأخلاق من أولى أوليات الحزب فيحرص الحزب على إشاعة الصدق والأمانة والعفاف والإيثار والزهد في الحرام والسعي في حاجات الناس إيمانا واحتسابا، وأن يغرس الحزب في المجتمع المبادئ الإسلامية في مجال الأخلاق. ومن هذه المبادئ ما دلت عليه النصوص الآتية: (إنما المؤمنون إخوة) “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”، “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”، “المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز”، “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، إلى غير ذلك من المبادئ العظيمة.

قلا بد أن يدرك الحزب أهمية الأخلاق ودورها في بناء الأمم؛

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

4. الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنشاء أجهزة للحسبة حيثما وجد الحزب.

5. أن لا يفعل الحزب فعلا حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بالمتبعين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذين يدلون على طاعة الله ويحذرون من اتباع الشيطان قال الله عز وجل: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقال عز وجل (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذالك خير وأحسن تأويلا).

6. أن يسعى الحزب إلى تهيىء البدائل الإسلامية في جميع مجالات الحياة، وأن ينشئ المراكز الدراسية لذلك، وأن يتعاون مع الجهات العلمية والبحثية في هذا المجال، وأن يطلع على تجارب “الأسلمة” في أنحاء العالم وأن يجعل ذلك من أهم أهداف علاقاته الخارجية.

7. الوقوف بحزم في وجه الاختلاط بين البنين والبنات في التعليم والسعي الحثيث من أجل إبجاد تعليم ينفصل فيه البنون عن البنات كما هو مطبق في غير ما دولة إسلامية، وبذلك بساهم الحزب في المحافظة على الأخلاق، والالتزام بالشرع وتهيىء بيئة صالحة للتعلُّم.

إن الاختلاط الموجود في التعليم منكر شنيع وهو وصمة عار في جبين بلادنا، وهو يتضمن من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله. فبالإضافة إلى أنه مناقض لأحكام الشرع في العلاقة بين الجنسين، مناقضٌ لمقاصد الشرع في إبعاد الشباب عن الفتنة، وتطهير المجتمع من الرذيلة، محققٌ لمقاصد الكفار في إغراق شباب المسلمين في السيئات، وتحطيم مناعتهم الأخلاقية وتجهيلهم.

بالإضافة إلى ذلك فإن الاختلاط من الأسباب الأساسية لانحطاط المستويات التعليمية في بلادنا، فالبنون والبنات في ريعان الشباب يصعب عليهم التركيز على العلم، والتفرغ له في جو الفتنة الذي صنعته الإدارة لهم.

إن من معالم إبراز الوجه الإسلامي للحزب أن يقف الحزب بحزم في وجه الاختلاط بين البنين والبنات في التعليم، ويجعل ذلك مبدأ أساسيا من مبادئه التي يقيم لها المهرجانات، ويحشد لها الحشود، ويرسل من أجل نشرها الدعاة، ويقنع المجتمع بتبنيها.

8. الاستماتة في الدفاع عن اللغة العربية، والوقوف بحزم في وجه أنصار فرنسة التعليم. فاللغة العربية هي لغة القرآن ولغة السنة النبوية، ولغة كتب المسلمين، وإبعاد الناشئة عنها إبعاد لهم عن القرآن والسنة وتراث المسلمين، واللغة ليست مفردات محايدة لا تحمل ثقافة ولا عقيدة ولا فكرا، بل اللغة ناقلة للعقائد والثقافات والأفكار، ولذلك حرص الكفار أشد الحرص على نشر لغاتهم، وحاربوا اللغة العربية بأنواع مختلفة من الحرب.

لقد كان من مقاصد الكفار إبعاد المسلمين عنها حتى عن حروفها، وقد نجح مخططهم في كثير من بلاد المسلمين فكُتِب كثير من لغات المسلمين بالحرف اللاتيني الذي يصفه بعضهم باللاديني، واستعصت كثير من لغات المسلمين على المنصّرين. فاستمسكت بالحرف العربي المبارك، فإذا تهاون الحزب في الدفاع عن اللغة العربية، ووافق على أن تكون لغة التعليم أجنبية، فإنه بذلك يساهم في تحقيق مقصد من مقاصد الكفار، ويشارك في بناء حواجز تحجب النور عن الناشئة.

إن الأطفال يرتبطون باللغة التي درسوا بها وأتقنوها فهم يقرؤون صحفها ويتابعون إعلامها ويطالعون كتبها ويرتبطون بثقافتها وبمقدار ما يرتبطون بها يبتعدون عن اللغة العربية لغة القرآن ولغة السنة ولغة تراث الأمة، وبذلك يبتعدون رويدا رويدا عن دينهم، وهذا ما يريده الكفار، فلا تَحملنَّكم مغازلةُ قوم، أو مشاكسةُ آخرين على الانخراط في تحقيق مقاصد الكفار وأنتم تريدون أن تحققوا مقاصد الشريعة.

1. أن يجعل القائمون على الحزب من قول النبي صلى الله عليه وسلم “لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه” مبدأ يطبقونه في الحياة السياسية فيحافظوا على سمعة الحزب الذي ينسبه الناس إلى الإسلام ويحرصون على نظافته ونزاهته، وقد قال الشاعر:

إن البياض قليل حمل للدنس

لا تتركوا الناس يتحدثون عن تخلف إداري أو فساد مالي، أو اختيار لأشخاص على أساس الولاء للشخص وليس الولاء للمبدإ، أو إبعاد لأشخاص اتباعا للهوى، كما يفعل الظلمة، لا تتركوا الناس يتحدثون عن حزب أشخاص، وأجهزة شكلية معطلة لا دور لها في صنع القرار.

2. أن نلتزم في خطابنا الصدق وتحري الصدق، وأن نعدل في القول ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وأن لا نبالغ مهما كانت بلاغة المبالغة أو طرافتها، وأن لا نعمم إذا كان التعميم غير صحيح، وأن نحذر آفات اللسان التي أوصلها الغزالي في إحياء علوم الدين إلى عشرين آفة منها: الكذب والغيبة والنميمة والمراء الذي فيه إيذاء للغير والخصومة بالباطل والسخرية والاستهزاء.

لقد أمرنا الله عز وجل بالعدل في القول وأمرنا أن لا نجادل أهل الكتاب (إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) وأمرنا أن ندفع بالتي هي أحسن وأن نقول للناس حسنا.

وعلمنا الله عز وجل الإنصاف في الخطاب (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) فلا بد أن يتميز خطابنا بالصدق والعدل والإنصاف.

تلك معالم أرجو أن تنير الطريق للإخوة الكرام في حزب تواصل وهم على أبواب مؤتمر جديد سيكون بإذن الله تعالى فرصة للمراجعة والتصحيح والتسديد (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

قبل إكمال الموضوع أسفله يمكنكم الإطلاع على موضوعات أخرى للنفس المحرر

زر الذهاب إلى الأعلى